الأقباط متحدون - أكشاك القمامة: 1200 جنيه متوسط الشراء فى أول 3 أيام.. والبوابون ينشطون
  • ١١:٤٢
  • السبت , ١٨ مارس ٢٠١٧
English version

أكشاك القمامة: 1200 جنيه متوسط الشراء فى أول 3 أيام.. والبوابون ينشطون

أخبار مصرية | المصري اليوم

٤٢: ٠٨ ص +02:00 EET

السبت ١٨ مارس ٢٠١٧

«فى منافذ مبادرة «افصلها
«فى منافذ مبادرة «افصلها

مع مطلع الأسبوع الجارى، اختبر أهالى بعض النطاقات الجغرافية بحى مصر الجديدة أكشاكاً حديثة الإنشاء، تُقدم خدمات غير مُعتادة، تبتاع، عن طيب خاطر بمبالغ بسيطة، أجولة من القمامة والمُهملات المنزلية، يتوق أصحابها للتخلص منها، في تجربة تختبرها المنطقة لأول مرة، مُعززة بثقافة مُستقاة من عنوان الأكشاك «افصلها»، وهو اسم المُبادرة المُدشنة من قبل نائبتى مجلس الشعب، نادية هنرى وشيرين فراج، لتحقيق فصل القمامة والمُهملات المنزلية من المنبع، بيد الجمهور، ومن ثم نقلها إلى منافذ شراء للمُخلفات الصلبة تتسلمها من الجمهور وتمنح جزءا من قيمتها المادية الأصلية في المُقابل. أكشاك «افصلها» لاتزال في طور البداية، قابعة في ميدان ابن سندر وعلى مقربة من ميدان المحكمة بمنطقة مصر الجديدة، حسب نائبة مجلس الشعب «هنرى» في الأسابيع المُقبلة، من المتوقع انتشارها في أحياء أخرى بالعاصمة الساعية للتخلص من مظهر النفايات المُتراكمة في الميادين والأروقة، على الجهة المُقابلة، وفى حين تدُب الحماسة في سُكان المناطق المستهدفة من المشروع لاستخراج مُهملاتهم بأيديهم، تعلو نبرات تذمر مُنقطعة في صفوف جنود جمع القمامة القُدامى، «قطع الأرزاق» أبرز مخاوف بعضهم، واختلال بورصة إعادة التدوير بانضمام طرف جديد لمُعادلة البيع والشراء.


على بُعد عِدة مفارق من الميدان الذي تتصدره «محكمة الأسرة» المُغلقة حالياً، والتى يُنسَب إليها الميدان ويتسمّى باسمها «ميدان المحكمة»، تتسرب مسحة من الهدوء التي تُميز الشوارع الجانبية على وجه العموم، وشوارع مصر الجديدة بالأخص، وصولاً للأطراف لتُصبح الأكثر هدوءاً من الميدان المضطرب بحركة مرورية خانقة. ورغم تشابه الشوارع وتداخُلها، ألف من يدلَك على منفذ بيع القمامة الجديد، الكائن بشارع أسوان، بعزبة المُسلمين، والذى تحوّل أخيراً لحديث الساعة، ما بين مُتوجِس ومُستبشِر، وبين مُبادِر بالتعاوُن ومُستطلِع لأخباره للحظة.

على ناصية الشارع، تتناثر أكوام من المُخلفات المنزلية حول صندوق قمامة الحى، فيما يُشبه المقلب المُصغّر، ليبدو كأنها تعرّضت لعمليّة نبش خبيرة، واستخلصت محتوياتها الأكثر قيمة كزجاجات البلاستيك الفارغة، وعلب الكانز الألومنيوم، وعلب الكارتون، مُقابل المخلفات العضوية من البقايا المنزلية، والتى لا تُغرى النباش بحملها، إذ لا تضاهى قيمة البلاستيك والألومنيوم والكارتون. سهام على، إحدى ساكنات عزبة المُسلمين، تستطيع أن ترصُد اختلافاً نوعياً في حجم أكوام القمامة المُتراكمة بعد يومين فحسب من بدء منافذ شراء القمامة المفصولة من المنبع في استقبال القمامة من الجماهير وشرائها. ورغم الجُنيهات التي يُسديها القائمون على المنفَذ مُقابل القمامة المُباعة، إلا أن سهام تُثمِن الفكرة من باب السلوك البيئى الفاضل، ولا يعنيها تماماً العائد المادى المُقدّم، أمام قُبلة الحياة التي قد يُسديها المشروع لجمال الحى.


لم تتعاون بعد سهام مع المشروع، إذ هي لاتزال في طور استيعاب الفكرة، غير أن الفهم الذي كونته حتى الآن بشأن المنفذ أنه درع الحى الأخير أمام ما سمته «سلوك نقض الزبالين»، وهو السلوك الذي يُعانى منه الحى مورثاً حنقاً من السُكان على طائفة جامعى القمامة، ومُترجماً إلى سلسلة شكاوى إلى الحى، حسب سهام، لم تؤت ثمارها في الاحتفاظ لشوارع الحى بمظهر جمالى، لتُعول ربة المنزل الأربعينية على المُبادرة لتأدية هذه الخدمة للحى المُبتلى.

تمتد أمارات الاحتفاء بالمنفَذ أمتارا معدودة من بداية الشارع الكائن فيه، إذ أسهم متطوعو قصر ثقافة مصر الجديدة في فرش الجدران حول المنفذ برسوم وألوان زاهية، وصولاً إلى الكُشك الذي لا يتعدّى سُكناه في المنطقة سوى أيام معدودة. لدى المنفذ يتواصَل العمل على قدم وساق، مُتداخِلاً مع كاميرات الإعلام التي حرصت على تسجيل بواكير نشاط المُبادرة البيئية الناشئة. ببِشر وحماس الأيام الأولى يستقبِل «هانى مكرم»، رجُل المهام الواحِد داخِل المنفذ، الجمهور، فيما يُعينه عدد من العُمال على الحمل والتشوين والنقل.


رغم جِدية الفكرة، واستلزام ذلك فقرات شرح مُطوّلة لكافة المُستفسرين بالتفصيل عن فكرة المنفذ، وكيفية الفصل، وطريقة حساب أسعار المُخلفات المُشتراة، لا يتوانى مكرم عن سرد آلية عمل المنفذ، وفض محتويات دفتر يوميّاته متناهية القصر. يستعيد الموظف الثلاثينى النشيط أولى الصفقات التي كان شاهداً على إتمامها في الكشك محدود المساحة قبل يومين، والذى يعتبره مُلخصاً لفلسفة المشروع، إذ بادرت سيدة بسيطة بالتعاوُن مع المنفَذ، حاملةً إلى القائمين عليه جوالا من الكارتون من مخلفاتها المنزليّة، لتحسِب مُباشرةً ما قد تسُده هذه الصفقة من الاحتياجات الأسرية «3 جنيه أجيب بيهم باكو شاى».

يعتقد هانى أن الإدراك الذي وصلت إليه السيدة البسيطة هو فلسفة المُبادرة بوضوح «من بيتك ماترميش في الشارع، ومن مخلفاتك الصلبة حاجات بتحطها على الميزان وتاخد حقها». أما عن تقدير الرجُل لتجاوب الجمهور مع المنفذ، فيرى أنه مُبشِّر «فى اليوم الأول الساعة خمسة طلبنا من الناس نغلق المنفذ ونستلم المخلفات بكرة، جينا تانى يوم الصُبح لقينا الناس راكنة حاجاتها». وفضلاً عن زيادة مستوى التفاعُل يوما بعد الآخر، يستطيع الرجُل أيضاً رصد تبنٍ متسارع لثقافة الفصل من المنبع، المنشودة من قبل السُكان، بتحسُن مهارة «النقض» لدى الجمهور المُتعامل مع المنفذ يوما بعد الآخر «فى اليوم الأول استلمنا المخلفات من الناس مش منقوضة، تالت يوم الناس بقت بتنقض مخلفاتها بنفسها».


اعتاد هانى مكرم، في أيام المنفذ الأولى، الرد على كافة الاستفسارات والزيارات الاستطلاعية من المارة. الحاجة صفيّة، ربة منزل ستينية، تعثرت في المنفذ في طريق عودتها من السوق وعرجت عليه لفهم وظيفته. تحتمل ميزانية صفية المنزلية 10 جنيهات شهرياً بالتمام لصالح بند التخلُص من القمامة، تُفصّلها هي على النحو التالى «8 جنيه وصل نور، و2 جنيه للزبّال»، وعلى الجنيهات العشرة التي تؤديها بانتظام لصالح النظافة والجمال، تكاد تنسى أنها تسكُن في حى مصر الجديدة الراقى من تناثُر المُخلفات على نحو مُعكر لرُقى الحى، فيما تُقدِر مُبادرة الفصل من المنبع وتنتوى المُشاركة فيها، بصرف النظر عن المُقابل، على حد تعبيرها، غير أن واجهة المنفذ تتقدمها قائمة أسعار يتم تحديثها بصفة دورية شبه أسبوعية وفق «بورصة المخلفات»، لا يتحرّج طيف مُتنوّع من الجمهور في التعامُل بها.

حسب هانى مكرم، فإن أعلى صفقة أتمها المنفذ منذ بداية نشاطه تصِل قيمتها إلى 150 جنيها، فيما يرصُد الرجُل تفاعُلا من شرائح اجتماعية أعلى مع المنفذ على غير المُتوقّع «عربية كارينز في أول يوم نزل منها راجل شيك عشان يبيع مُخلفات بيته»، مُرشحاً معدل التفاعُل للارتفاع بمرور الوقت، بإدراك ربّات البيوت أن الثقافة التي يُروّج لها المنفذ من شأنها دعم مصروف البيت، وأن سلال القمامة تحتوى على عناصر لها قيمة. أما محمد على فهو صاحب محل عصير، كان يتكلف يوميا قرابة 100 جنيه للتخلص من قمامة المحل، لكنه أدرك أنه يستطيع أن يحول التكلفة إلى مكسب، فقد باع القمامة إلى المنفذ وحصل على 150 جنيها خلال يومين فقط.

محمد الشبينى، واحد من قلائل يُدركون تماماً كنوز سلال النفايات، إدراك جعله يربُط مساره المهنى بإعادة تدوير عنصر واحد من عناصر صناديق القمامة، وهو عُنصر البلاستيك، إذ يمتلك مصنع إعادة تدوير، ويذهب لمنفذ «افصلها» يوما بعد يوم لتسلُم أجولة البلاستيك ويقوم بنقلها إلى مصنعه للدخول في دورة إعادة تدوير تُحيل البلاستيك لحُبيبات صالحة للاستخدام الآدمى، وفُرصة تصديرية لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.


يشرح الشبينى بدقة وإيجاز دورة إعادة تدوير مادة الـPET الموجودة بالبلاستيك «بتتكسّر وتتعقم وتتعالج»، فيما يصف المنتج النهائى بخبرته المهنية «ذهب في البيوت». أما عن انطباعاته عن مؤشرات نجاح المُبادرة البرلمانية لدعم ثقافة الفصل من المنبع وإعادة التدوير، فلا يتحرّج الشبينى في الإفصاح عن انطباعه الأول الذي تبدّل أخيراً «قُلت بينى وبين نفسى شهر والمنفذ هيقفل»، غير أنه ما لبث أن تراجع بناءً على مشاهداته في المنفذ «بواب مثلاً لمّ زبالة العمارة ونقضها وجه باعها وأخد 120 جنيه».

بانتهاء العمال من وضع أجولة البلاستيك في السيارة نصف النقل، استأذن الشبينى من مسؤولة المنفذ «نيرمين طلعت» متوجهاً للمنفذ الآخر بميدان ابن سندر، ومُذيّلاً الحوار بملحوظة كاشفة عن تفاعُل الجمهور مع المنفذ «لو حسيتوا بتراكُم البلاستيك كلمونى، أنا مستعد أبعت عربية نقل كل يوم بدل يوم بعد يوم».

رغم أنها ربة منزل لم يكُن النزول للعمل ضمن خططها المستقبلية القريبة، إلا أن منشورا مشتركا على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» نشرته صفحة نائبتى مجلس النواب عن دائرة مصر الجديدة: شيرين فرّاج ونادية هنرى، عن اعتزامهما تدشين مبادرة فصل قمامة الدائرة من المنبع وبيع المخلفات، ليذكرها المنشور بمحتوى تسجيلى تليفزيونى شاهدته عن مراحل عملية الفصل العشوائية بمصر، والتى تصفُها نيرمين بـ«غير الآدمية»، ومعاناتها وأولادها من حساسية من النفايات وحرق القمامة، لتُقرر من فورها التواصُل مع نائبتى مجلس النواب، وتكريس وقت ومجهود ورأس مال لإنجاح المُبادرة.

في يوم العمل الثالث للمُبادرة، تعترف نيرمين طلعت بإدراكها- كمديرة للمنفذ- التكلُفة المرتفعة للمشروع، والمُخاطرة التي ينطوى عليها، كاشفةً حسابات القائمين على المشروع الواقعية بشأن ربحيته «متوقعين إننا نكون أول شهر بندفع بس ومش بنكسب»، وعلى ذلك، فإنها تعتبر متوسِط القيمة اليومية للبيع (350 إلى 400 جنيه يومياً) مؤشراً إيجابياً، غير أن اتهام المشروع بقطع عيش جامعى القمامة هو أبرز ما يؤرقها، وتعقيب «نقيب الزبالين» التليفزيونى الغاضب بشأن المبادرة.

من نافذة المنفذ، يتدخل سامح، أحد جامعى القمامة غير المنظمين من منطقة عزبة المُسلمين، بملحوظة خبيرة بشأن أداء المنفذ، مُسدياً إياها إلى نيرمين «المشروع هيفشل عشان إنتوا مش عارفين تتعاملوا مع الزبالة صح»، لتطلُب إليه مسؤولة المنفذ الثلاثينية مزيداً من التوضيح، فيتحوّل الأمر لما يُشبه المناظرة حول منظومة التخلص من النفايات المصرية برُمتها.


تدفع نيرمين أولاً ببراءة المشروع من قطع عيش جامعى القمامة، مُعللة الأمر بأن المُضارين هم حيتان إعادة التدوير من الزبالين، على حد تعبيرها، والذين لا يعنيهم نظافة العملية أو سلامتها على العاملين، فيما يُفرق سامح بين نمطين من العمل في جمع القمامة، «الزبالين والنبّاشين»، على حد تسميته، مُبرراً نزوح «الزبالين» لنمط النبش أو فصل المخلفات وحمل القيّم منها فحسب بضعف الشهريّة التي يتلقاها جامع القمامة من السُكان (10 جنيهات كحد أقصى)، وعدم ديمومتها، وعدم توفُر أدوات النظافة أو الصناديق اللازمة لتسهيل مهمة جامع القمامة.

في مُحادثة هاتفية مع «المصرى اليوم» تتفهم النائبة البرلمانية نادية هنرى مخاوف بعض العاملين في قطاع جمع القمامة، وتُعزى الأمر في الأصل إلى صعوبة تقبل الأفراد للجديد: «العادة تغلب ما هو صحيح»، تؤكد «هنرى» أن بعض العاملين في جمع القمامة لايزالون غير متقبلين لنمط شراء المُخلفات من أكشاك الشراء، على الرغم من اختصارها عمليات فصل المواد الصلبة وتصنيفها على العامل، ما يوفر كميات «الهادر» نتيجة لاختلاط المُخلفات الصلبة بمصادر التلويث والمُخلفات العضوية.

«إحنا بندعو جامعى القمامة للدخول في المنظومة لحمايتهم وحماية أسرهم من المخاطر البيئية ودعمهم بالأدوات لتحسين أدائهم ومهنتهم»، من وجهة نظرها تسهم المنظومة في دفع جامعى القمامة التقليديين لتطوير أدواتهم المهنية، بل وتشكيل أنظمة عمل خاصة وشركات لإعادة التدوير عبر زيادة الدخل وتوفير طاقة العاملين وحمايتهم من المخاطر الصحية: «المبادرة فيها خير للكل، مافيهاش قطع أرزاق ولا احتكار للمهنة».

مُبادرة «افصلها»- بحسب «هنرى»- ثمرة سنوات عدة من العمل على تطوير منظومة مصرية لفصل القمامة من المنبع، دعمها العديد من الشخصيات العاملة في المجال العام وشهدت التجارب الأولى في مُحافظتى بورسعيد والفيوم: «إحنا بدأنا حيث انتهى الآخرون»، تُلخص النائبة تجربتها الوليدة، النابعة عن تعاون فيما بينها وبين النائبة شيرين فراج، الحاصلة على دكتوراة في الهندسة البيئية، ومثَّل التعامل الآمن مع النفايات شغلها الشاغل لأعوام عديدة، والرغبة في تأصيل ثقافة الفصل في المنبع لدى الجمهور، وهو ما اتفق الثنائى على تجسيده أخيراً عبر أكشاك «افصلها»، فكانت فترة إعدادها للتنسيق مع رئاسة حى مصر الجديدة أولاً، ثم مًحافظة القاهرة، والجهات المسؤولة كهيئة النظافة والتشجير، والمتعهدين وأصحاب المصانع المتوقع مُشاركتهم في التجربة.

تُقسم النائبة المشروع الوليد إلى 5 مراحل مُتتابعة، تمر الآن بأولاها، مرحلة الانتشار، وخلالها سوف يتم تعريف الجمهور بالمُبادرة، ونشر الأكشاك على مستوى القاهرة، بالتعاون مع رؤساء الأحياء، وفقاً لتقارير يقدمونها تتضمن الكثافة السُكانية لمناطقهم وتعداد العاملين في مجال جمع القمامة ومدى انتشارهم لتحديد أعداد الأكشاك المُتطلبة في كل حى ومواقعها السليمة، تستهدف المرحلة الثانية دمج العاملين في جمع القمامة داخل المنظومة، تليها المرحلة الثالثة وتستهدف التوسع في التعامل مع مصانع وشركات إعادة التدوير، ثم في المرحلة الرابعة تكوين مُنتج من المواد المُعاد تدويرها يكفى الاحتياجات المحلية من الورق والمُنتجات البلاستيكية ويصلح للتصدير، وأخيراً مرحلة الدفع بالمنظومة لداخل السياق التشريعى المصرى.

وفقاً لـ«هنرى» تعمل المُبادرة على دعم الاقتصاد الدائرى بديلاً عن حركة الاقتصاد الخطى، فضلاً عن الاقتصاد الأخضر، عبر جذب الاستثمار لمشاريع صديقة للبيئة تسهم في تحقيق التنمية المُستدامة، فإدارة المشروعات في المُبادرة تعتمد نهج اللامركزية، دعماً للراغبين في الاستثمار على هيئة مشروعات متوسطة، صديقة للبيئة وتوفر فرصا للعمل والإنتاج، دون الإضرار بالموارد الطبيعية: «المواطن كدا هيسترد ماله، ولو هيرميه هيرميه من غير ما يضر حد تانى».

لا تعبأ، شادية مُحمد، سيدة خمسينية من سُكان نطاق منطقة ابن سندر بالمُقابل المادى العائد من التجربة على الإطلاق، «المُهم ننضف البلدنا».. «أم أحمد» كما تُفضل أن نُطلق عليها، تعرفت على مُبادرة افصلها عبر إعلانٍ تليفزيونى في بادئ الأمر، فتوجهت مُباشرة إلى مقر المنفذ لتحصل على المعلومات اللازمة عن المُبادرة، وتعرفت على كيفية فصل النفايات في المنزل وجلبها في أجولة مُختلفة، الأسعار أيضاً أطلعها عليها العاملون في الكُشك، لتأخذ المعلومات المُكثفة وتنتقل لجوار الصديقات والجارات، حيث قامت بإقناعهن بخوض التجربة وفصل القمامة في المنزل ثم جلبها إلى منفذ «افصلها»، يكسر موكب النساء الصغير الصمت النسبى لميدان ابن سندر في مصر الجديدة، ليشتركن في عملية بيع مُهملات المنزل من زُجاجات مياه غازية فارغة، والحاويات الكرتونية وغيرها.

تحصلت «أم أحمد» في رحلتها على 10 جُنيهات من منفذ الشراء مُقابل 6 كيلو من النفايات المتنوعة، المبلغ ذاته المُقدم من قبل أسرتها لجامع القمامة بشكل شهرى مُقابل حملها من المنزل، كما توضح، قبلت السيدة يدها قائلة: «10 جنيه فضل وعدل، ولو 5 جنيه، أو من غير فلوس خالص»، تأمل السيدة أن تسهم المُبادرة في تحسين مظهر شوارع المنطقة ومواجهة نابشى القمامة ومُفرقى حقائبها لدى الصفائح المُخصصة من الحى لاستيعابها.

على مقربة من «افصلها» تُساعد شيماء البحراوى صغارها فتى وفتاة على إفراغ مُحتويات صندوق السيارة، حقائب مُتفرقة، تعج بالعُلب الكرتونية والحاويات الزُجاجية الفارغة، جمعها الأطفال من المنزل بفردهم- حسب الأم- وأصروا على القيام برحلة لكُشك افصلها لتقديمها، كان الصغار قد تعثروا في الكُشك أثناء رحلة العودة من المدرسة، فأعجبوا به واستخدموا المنشورات للتعرف على أنواع المُهملات وكيفية فصلها، زجاجية وبلاستيكية وورقية.

كان قد سبقهم سلوك فصل المُخلفات إلى المنزل منذ أعوام فتقول الأم: «اتعرفت على الفصل من زمان وكنت بعمله في البيت، لكن الزبال كان بيرفض ياخد الإزاز»، لاحقاً عرضت «البحراوى» على جامع القمامة حمل الزجاج التالف وغيره من المُهملات مُقابل مبلغ إضافى من المال قَبِل لكن لم يفى بالاتفاق، ما جعل تجربة المنفذ الجديدة تنال إتمامها بشكل شخصى، إضافة لإسهامها في تطوير وعى الصغار فيما يتعلق بحماية البيئة بأنفسهم، تتوقع الأم أن تزور المنفذ بشكل أسبوعى، ما سوف يسمح بتراكم كمية تستدعى النقل من المُخلفات الصلبة، لا يُبدل ذلك من تفاصيل اتفاق منزلى حدد الصغار ملامحه: «الولاد اتفقوا خلاص، اللى هيشيل شنطة هو اللى هياخد فلوسها».

تسكن منى مُحمد، إخصائية اجتماعية، على مقربة من الميدان، حيث يقبع منفذ الشراء، ما سمح لها بمتابعة مراحل تشييده خطوة تلو الأخرى، منذ شهر على وجه الدقة، وحسبما تُحدد، ما أثار حماستها كوسيلة ملائمة للتخلص من مُهملاتها المنزلية، كانت قد دأبت سابقاً على فصلها، ثم تركها لجامع القمامة، الذي يترفع بدوره عن حمل بعض المواد خارجاً بينها المواد الزجاجية، لذا كانت تلجأ لاستخدام صناديق القمامة العمومية لإلقاء المُخلفات الصلبة: «أنا موظفة وبحب النظام في كل حاجة، وكدا هيبقى عندنا نظام وأسلوب حضارى للتخلص من القمامة».

تترقب منى تطبيق المنظومة الوليدة في أحياء أخرى لمست فيها تعثر الأهالى في التخلص من القمامة بشكل آمن، وبالتالى تراكمها في الميادين والشوارع الجانبية على حد سواء، كالحلمية والمطرية حسبما تُحدد: «أنا عاوزة أقول لزمايلى على التجربة دى، لكن لازم يكون عندهم أكشاك في مناطقهم»، خلال زيارتها الثانية للمنفذ تحصلت السيدة على 4 جنيهات نظير مُخلفاتها المنزلية، تؤكد كذلك أن العائد المادى لا يقع في قمة أولوياتها: «أنا مواصلاتى اليومية 10 جنيه، 4 جنيه مش حاجة، المهم الأسلوب الحضارى».

استنفذ «عم شامى»، جامع القمامة السبعينى، خُطاه منذ عام 1968 في شوارع منطقة ابن سندر، وعلى الرغم من تُصالحه التام مع مهنته كجامع قمامة، إلا أنه طلب إلى مُحررة المصرى اليوم تغيير اسمه، اتقاءً لغضب أبنائه الستة الذين أتم تربيتهم وتعليمهم من أموال جمع القمامة. سنوات الخبرة الأربعون التي تقف خلفه تُوفِر له مهمة رقابية إدارية لمجموعة عمل من جامعى القمامة الصغار، الذين يصل عددهم إلى 5 أو 6، يُشرف على عملهم وتدريبهم، فيما تؤهله كذلك لفرز المبادرة البرلمانية من منظور خبير، والتعقيب عليها.

وعلى عكس ما عليه الأمر من موقف جامعى القمامة الغاضب إجمالاً في مُحيط منفذ مبادرة «افصلها» بعزبة المُسلمين، يتبنى شامى رأياً مُغايراً. يُقدر الكهل السبعينى عدد المنتفعين من قمامة العاصمة وفصلها وإعادة تدويرها بنحو 30 ألف فرد بمنطقتى عزبة النخل ومنشأة نصر بأحياء الزبالين هُناك، فيما يعتبِر أن مُبادرة مماثلة تمتلك دعماً حكومياً ويعنونها حرص عام على معايير الأمان والنظافة، من شأنها تحسين شروط المُنافسة في مجال جمع النفايات وتدويرها الذي ينتمى إليه، مؤكداً بخبرة مهنية وإنسانية «محدش بياخُد رزق حد».

يستبعد شامى بدوره أن تُسهِم المبادرة في قطع أرزاق جامعى القمامة، والذين يشيدون سمعتهم المهنية بمزيد من الأمانة والإخلاص تعفى مستقبلهم المهنى من التأثر بالطوارئ المُشابهة، فيما يحرص شامى على تلقين صبيانه سلوكيات مهنية محفوظة أثناء نوبات جمع القمامة، الأمر الذي يرفع من أسهمهم في بورصة السُكان مقابل «السريحة» أو النباشين «العيال السرّيحة اللى بيلموا البلاستيك عاملين زى نظام الشقة المفروشة عيشهم بيتقطع كل شوية، وهم دول المعترضين على الكشك الجديد».

الكلمات المتعلقة
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.