«التحقيق فى وفاة عالمة النانو تكنولوجى المصرية.. صدفة أم جريمة مدبرة؟!
أخبار مصرية | الأهرام
السبت ١٨ مارس ٢٠١٧
فى ختام عموده اليومى « مجرد رأى» المنشور بالصفحة الأخيرة بالأهرام يوم الخميس الموافق 9 مارس الحالى كتب الأستاذ صلاح منتصر يقول: تدهورت حالة منى الصحية فجأة عقب عودتها من مؤتمر علمى بالصين وألم فى ساقيها تطور إلى تورم باللون الأزرق تم تشخيصه بأنه مرض نادر أصاب المناعة استدعى جرعات «الكورتيزون» أثرت على تدهورها وتوقفت مسيرة عالمة شابة مصرية كنا ننتظر منها اختراعات جديدة فى علمها ، لتنضم إلى قائمة سميرة موسى ويحيى المشد وسعيد بدير وسلوى حبيب وغيرهم من علماء مصر الذين توفوا فى ظروف غريبة .. هل هى المصادفة ؟!
الدكتورة منى المهدى الأستاذة بصيدلة أسيوط وإحدى صديقاتها قالت لنا: كنت دائما أتابعها فى أبحاثها حتى علمت بمرضها الأخير وهو إصابتها بمرض نادر فى جهاز المناعة وهو ما يتطلب البحث عن أسبابه الحقيقية وعوامل الإصابة به مؤكدة أنها قد تقوم بعمل دراسة لمعرفة ذلك وراحت تلفت انتباهنا إلى أنها كانت فى زيارة لليابان وفوجئت بأن علماء اليابان يحذرونها بأن تأخذ احتياطياتها من أى طعام وشراب تتناوله بعيدًا عن أرض الوطن.
وفى اتصال هاتفى معه ثم على صفحته الشخصية بالفيسبوك، الدكتور أحمد اليمنى استشارى التحاليل الطبية ورئيس جمعية الكيمياء الحيوية وأبحاث الدم قال: إنها الحرب البيولوجية واكتشاف مرض جديد شبيه بالإيدز، للأسف لم أتشرف بلقاء د. منى بكر عالمة النانوتكنولوجى أو بمعرفتها سابقا ولم أطلع على نتائج التحاليل الطبية الخاصة بها، ولكن من خلال قراءة ما تداوله عدد من مواقع التواصل الاجتماعى عن إصابتها بمرض مناعى ذاتى أدى الى تكسير كرات الدم الحمراء أدى الى وفاتها ، يجعلنى أعتقد أن حالتها مطابقة لما توصل اليه بعض العلماء أخيرًا، وهو اكتشاف فيروس شبيه بالإيدز يؤثر على المناعة الذاتية ويؤدى إلى تكسير ذاتى لكرات الدم الحمراء.
يضيف اليمني: الاحتمال الأكبر أنه تم تصنيعه بالهندسة الوراثية وعند إجراء التحاليل الطبية تكون النتيجة سلبية والاحتمال الأكبر لوفاة د.منى بكر هو إصابتها بهذا الفيروس مصادفة أو عمدا وهذا هو تحليل رأيي العلمى فى الحالة وليس حقيقة أو يقينا، لكن علينا ألا نغفل بأننا نعيش الآن حربا بيولوجية بتطوير هذه الفيروسات المصنعة، ورغم ظهور حالات قليلة مصابة بهذا المرض بأوروبا وأمريكا، لكن البعض يعتقد ان الهدف من تطوير هذا الفيروس هو ضرب عدد من الدول الآسيوية بيولوجيا وفى مقدمتها الصين واليابان وسنغافورة، ويكشف عن حقيقة خطيرة أن غالبية دول العالم لديها مركز متخصص لكشف هذا الفيروس hivlik إلا مصر للأسف، مؤكدًا أن المركز الصيني كشف عن ذلك الفيروس، وراح ينشر على صفحته مقالة كاملة عن المرض نقلا عن "نيويورك تايمز" لمن يريد مزيدا من الاطلاع والتفاصيل العلمية حول هذا المرض.
تشخيص خاطئ ونفى قاطع
فى المقابل تساءل شقيقاها محمود ويحيى بكر، من أين جاءت الصحافة وأجهزة الإعلام بمعلومة أن الدكتورة منى كانت فى الصين، فقد كانت فنلندا هى آخر بلد سافرت إليه د. منى فى يونيو من العام الماضى وقبلها بشهور قليلة كانت فى الكويت وهذا مثبت بالتأشيرات وأختام الدخول والخروج فى جواز سفرها وذلك في إشارة إلى استبعاد سيناريو اغتيالها، وراح الشقيقان يؤكدان لـ "الأهرام" أن هذا كلام عار تمامًا عن الصحة، فحقيقة ما حدث أنها أصيبت بمرض نادر فى شهر نوفمبر الماضى، ونتيجة للتشخيص الخاطئ بإحدى المستشفيات الجامعية تدهورت حالتها بسرعة، مما جعلنا نقوم بنقلها لمستشفى خاص وإجراء العديد من الفحوصات والتحاليل الطبية لها كشفت فى النهاية عن هذا الفيروس.
الطبيب نبيل عبد المقصود، مدير قصر العينى الفرنساوى ينفى ما تردد حول إهمال الأطباء للعالمة المصرية وإعطائها علاجًا خاطئًا، مؤكدا أن هذا كلام ليس له أساس من الصحة، فقصر العينى الفرنساوى استقبل المريضة وهى فى حالة سيئة تماما ليس لها علاج بعد أن ظلت فترة تتلقى علاجها بمستشفى خاص بمدينة 6 أكتوبر.
د. علا البرادى زميلتها المقربة والتي تكاد تكون شريكة كفاحها فى تأسيس شركة خاصة للنانو تكنولوجى نفت نفيا قاطعا أن تكون هناك أى شبهة جنائية وراء مرضها ووفاتها، كما نفت أن يكون المرض بسبب تعرضها للإشعاعات فى المعمل كما أشيع .. الغريب والمثير للتساؤل، أن د.برادى تعترف بأن د. منى هى صاحبة الفضل الكبير فى انتشار وتطور علم النانو تكنولوجى فى مصر، وتستحق بحق لقب بركان النانو فى مصر، ونجحت فى سعيها أن تقوم بتحويل النانو تكنولوجى لعلم مطبق لا أن يكون حبيس الأدراج.
مبنى نانو
الخلاصة هى 120 يومًا فقط أخمدت «بركان نانو».. فمن ظاهرة بشرية متفردة لا تعرف المستحيل استرعت انتباه علماء العالم كله منذ أن خرجت من بلدتها وتخرجت من جامعتها اسيوط وهى تلعب دورا عظيما وتسابق الزمن فى تحويل علمها لخدمة وإنقاذ الفقراء فى وطنها إلى مصابة بمرض نادر غامض إختارها من بين الملايين واستعصى عليها معرفته، كان لابد أن يكون مشهد رحيل هذا البركان عصيبا غامضا مفاجئا مثيرا للجدل والارتباك والتساؤلات، مشهد إستحق هذه الاقوال والشهادات والآراء وإن اختلفت وطالت .. مشهد تراجيدى محزن استدرجنا إلى القيام بمهمة بحث وتقصى حقائق عن مفاجاة وفاتها وغموضها وما هى الحقيقة .. لكن الذى نعرفه جيدا أننا بدأنا مشوار البحث وكانت مقر شركة نانوتك بمدينة دريم هى البداية.
كانت الساعة قد قاربت على الحادية عشرة صباح السبت الماضى عندما وصلنا وشقيقاها إلى مقر الشركة، وسمح لنا موظف الأمن بالدخول، صعدنا إلى الطابق الثانى، حيث جلسنا فى مكتب الدكتورة منى بكر، فالمبنى مكون من طابقين، الطابق الأرضى به عدد من المعامل والمختبرات، ومعمل يوجد به الميكروسكوب النافذ عالى الدقة وهو من أحدث أجهزة فحص العينات التى كانت الدكتورة منى تقضى بصحبته غالبية وقتها مع طلابها وباحثيها
وحين جلسنا، بادرنا شقيقها محمود بالشكوى من إصرار الاعلام على أن هناك شبهة جنائية وراء وفاة شقيقته، وراح شقيقه يحيى بأسى شديد يعرب عن استيائه من هذا العناد الاعلامى والصحفى لإثبات أن هناك جريمة فى الموضوع، والمفاجأة التى لايعرفها الكثيرون أن د. منى بكر لم تسافر إلى الصين أصلًا منذ ثلاثة أعوام.
يقول شقيقها يحيى: لدينا جواز سفرها استلمته قبل ساعات سفارة مالطة يثبت أن فنلندا كانت هى آخر دولة سافرت إليها.
ويتذكر شقيقها محمود: لقد بدأت حكاية تأسيس المكان الذي نجلس فيه تقريبا فى عام 2009، وقتها كانت لجنة السياسات بالحزب الوطنى تمنح امتيازات وتسهيلات لرجال الأعمال الذين يدعمون البحث العلمى وكان نجم د. منى ساطعا فى سماء هذا التخصص الجديد على مصر فتلاقت أفكارها وأحلامها بأفكار وتشجيع احد رجل الأعمال المشهورين ليتم تأسيس هذه الشركة وتطبيقاتها العملية.
كانت الدكتورة منى دائما مهمومة بفكرة التطبيق العملى للبحث العلمى ومحاولة العثور على الحلقة المفقودة بين مراكز البحث العلمى وسوق العمل، وبجهد فردى استطاعت أن تقوم –حرفيا- بنقل تجربة عاشتها فى سنغافورة، حيث يتم التعاون بين وزارة البحث العلمى والصناعة ورجال الأعمال، فهناك معهد "استار" وظيفته أخذ براءات الاختراع من الجامعة، وتصنيعها تصنيعا نصف صناعي، ثم يروِّج لها، ويقنع رجال الصناعة بشرائها، ويكون الباحثون شركاء بنسب متفاوتة وهو ما يحقّق دخلا إضافيّا للباحثين.
وظيفة الشركة أن تكون قريبة من المصانع المحلية خصوصا فى المواد التى يتم استيرادها بالعملة الصعبة والعمل على تصنيعها من النانو تكنولوجى بأسعار رخيصة مع مطابقتها للمواصفات الصحية وتقديمها للمصنع ثم متابعة تطبيقها داخل المصنع ومعالجة أى عقبات أو ثغرات حتى تتم الاستفادة القصوى منها فى رحلة كانت تتم شبه يوميا نسيت فيها د. بكر حياتها الشخصية مكرسة جل وقتها للعمل وتنمية الاقتصاد.
لكن وللأسف وعندما اندلعت ثورة يناير تم إلغاء صندوق تطوير الصناعة والذى كان يقوم تمويله على التعاون بين الدولة ورجال الأعمال وتوقفت عدة مشروعات علمية كان بدأ العمل فيها منها المشروع القومى لتحلية مياه البحر عن طريق الطاقة الشمسية ومشروع تصنيع الشاشات، ورغم ذلك آثرت أن تكمل مسيرة أبحاثها واستمرت مسيرة العطاء تتدفق والتعاون مع كل الجامعات المصرية والمراكز البحثية وتقديم يد العون ونقل الخبرة لجميع الباحثين.
وفى محاولة منه أن نكف عن طرح المزيد من علامات الاستفهام التى تدور حول موتها المفاجئ يتذكر شقيقها يحيى كيف أن إحساسها بدنو الاجل يلاحقها وأن المسألة يمكن تشخيصها على أنها حالة من الشفافية او الزهد الصوفى، ولكن ما ذكره يحيى زاد رغبتنا وشكوكنا وإصرارنا بأن هذا الملف لابد ان يظل مفتوحًا.
ففى نوفمبر الماضى يقول يحيى: كانت على موعد مع لقاء يضم كبار الباحثين وطلاب العلم وتستعد د. منى لتلقى كلمة حول موضوع المؤتمر لتفاجئ الجميع بالحديث عن مسيرتها العلمية وسيرتها الذاتية والصعوبات التى واجهتها فى رحلة البحث العلمى والذى كانت تسابق فيه الزمن على حد تعبيرها لانجاز أبحاث تخفف من آلام الفقراء والتوصية بالاهتمام بالصناعة وهو ما جعل المحيطين بها يستشعرون أنها تقدم وصية وداع أكثر منها محاضرة علمية وذلك حسب وصف د. لطفيه مهدى.
فيكفى أن تعرف مثلا أن إنتاجها العلمى وصل من حيث الأبحاث المنشورة بالدوريات والمجلات العلمية لـ 70 بحثا، وعدد الأبحاث والأوراق البحثية المنشورة بالدوريات الخاصة بالمؤتمرات العلمية الدولية تفوق 12 ورقة بحثية و3 من المؤلفات والكتب العلمية الدولية و4 براءات اختراع.
معمل جامعة القاهرة للنانو تكنولوجى بالشيخ زايد والذى تكلف 100 مليون جنيه، وكان معطلا قامت بتشغيله وهناك المركز القومى لعلوم الليزر بجامعة القاهرة قامت بتشغيله وتنشيطه.
وقامت بتحميل مركبات النانو على الأعشاب والعصائر الطبيعية لعلاج كثير من الأمراض. كما قامت بعمل تركيبة تعالج جميع أمراض الدم بأسعار زهيدة.
لقد كانت للراحلة مدرسة علمية كبيرة تضم أكثر من 1000 طالب وباحث وتعمل فى تصنيع وتوصيف المواد النانوية وتطبيقاتها المختلفة فى الخلايا الشمسية، وتنقية المياه وتحلية المياه والتطبيقات الطبية الحيوية.
ووفقًا للمؤشر الدولى والذى يصنف كل العلماء طبقا لتخصصاتهم فإن الرقم «20» الذى حققته الدكتورة منى بكر يضعها ضمن قائمة العلماء المرجعيين فى مجال النانو تكنولوجى حيث تم الاستشهاد بأبحاثها والرجوع اليها وفقا لمؤشرات البحث لنحو 5380 مرة.
من المشروعات البحثية المهمة التى عملت بها الدكتورة منى، بالتعاون مع عدد كبير من العلماء، استحداث عقار جديد يساعد على زيادة نسبة الهيموجلوبين فى الدم أملا فى علاج أكثر من 70% من سكان مصر المصابين بالأنيميا وخاصة الأطفال والسيدات. وهو مسجل كبراءة اختراع دولية عن طريق المنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية WIPO وبسعر رخيص كما أن المريض لا يحتاج منه سوى جرعة واحدة كفيلة بمعالجة المرض بعكس العلاجات الموجودة والتى يصل العلاج فيها إلى شهور طويلة.
وتوصلت لتركيبة تعالج جميع أمراض الدم رخيصة السعر ولا يتجاوز سعرها خمسة جنيهات.
أيضا يحسب لها تنفيذ المشروع القومي بتحويل قش الأرز إلى مواد أكثر استفادة والتخلص الآمن منها، وكذلك التخلص من قش الأرز بطريقة آمنة على البيئة وهو مشروع يتم بالتعاون مع عدة جهات وبدأ فعليا تنفيذه.
كانت قد انتهت من دراسة إدخاله فى صناعة الأعلاف مما يزيد من كفاءتها ورفع السعرات الحرارية وهو ما يمثل ثورة فى تسمين الماشية وزيادة الإنتاج.
كذلك قامت الراحلة بدراسة أهم مشكلة تواجه المبانى فى القرى الساحلية وهى صدأ حديد التسليح مما يقلل وتعرض البنايات للرطوبة فقامت بالفعل بتصنيع تركيبتين من المواد المحلية
بطبيعة الحال وبعد كل هذه الانجازات العلمية التى حققتها أن نشعر بعمق المأساة على رحيلها وعمق المأساة فى قصة وفاة د. منى بكر يلخص جانبًا من جوانب عمق إحباط العلماء المصريين والعرب، وأعتقد إنك مثلى قد تتشح بالسواد لأنك كنت تحلم بأن تحقق فتاة النانو الذهبية أحلامك، بأن أن يكون لبلادنا ولو مخلب صغير ينهش به مخالب الذين يغتالون أحلامنا.