الأقباط متحدون - مباحث البنطلونات المُقَطَعة
  • ٠٢:٢٦
  • الاربعاء , ٢٢ مارس ٢٠١٧
English version

مباحث البنطلونات المُقَطَعة

سعيد السنى

مساحة رأي

٥٦: ٠٧ ص +02:00 EET

الاربعاء ٢٢ مارس ٢٠١٧

البنطلونات المقطعة
البنطلونات المقطعة

سعيد السني
الأخت الدكتورة آمنة نصير الأستاذ بجامعة الأزهر، وعضو مجلس النواب، بارك الله فيها، ونَصرَّ بها الإسلام، وجعلها ذخراً للأمة، راحت تفتش في دفاترها، عما يشغل بال المصريين، ويخفف «المعاناة» التي أحالت «حياة» الغالبية منهم، جحيماً لا يُطاق، وحمدا لله.. فقد اكتشفت لغز مشكلاتنا كلها، من غلاء للأسعار، وافتقاد الشباب لفرص العمل والزواج، وانهيار السياحة ومرافق الصحة، والتعليم العام والجامعي، وشيوع التطرف الديني والعنف، ورفض دول عديدة لصادراتنا الزراعية، لتلوثها.. تبين لها، أن الحكومة، وقراراتها المؤلمة، وعشوائية سياساتها الإسكانية والتعليمية والثقافية والصحية والاقتصادية، أبرياء تماماً من هذه «الأزمات والآلام»، وأن سبب كل هذا البلايا، وربما الغضب الإلهي، هو ظهور كام بنت، من طالبات جامعة القاهرة، يرتدين في الحرم الجامعي المُقدَس، «بنطلونات مقطعة»، تكشف العورات وتخدش الحياء العام(!!).

بهذا التشخيص العبقري.. فإن «الست الدكتورة آمنة» رأت أن الحل المأمون لكل هذا، هو تسخين قضية «البنطلونات المقطعة»، وإشعالها، والدفع بها إلى حرم «جامعة القاهرة»، بالضغط إعلامياً على الدكتور جابر نصار رئيس الجامعة، لإصدار قرار عاجل، وصارم، بمنع دخول أمثال هؤلاء الطالبات المارقات بالبنطلونات المقطعة، القبيحة.. لم يكن ينقص «آمنة»، سوى المطالبة بتعيين مباحث للبنطلونات، للتفتيش بملابس الجامعيات، عن قطع هنا أو هناك بالبنطلون، مما يظهر «العورات»، مع ملاحظة أن الفقه السلفي يعتبر جسد المرأة بالكامل عورة يجب تغطيتها، بالملابس الفضفاضة والنقاب، وحبذا لو نظارة سوداء على العيون.

الدكتور «نصار» سارع بالرد، قاذفاً كرة اللهب المشتعلة إلى ملعب البرلمان، واصفاً مطلب «آمنة»، بأنه تقييد لحرية الملبس، ويستدعي تدخلاً برلمانياً، بإصدار قانون للمنع، مؤكداً التزام الجامعة به حال صدوره.. وزارة التعليم العالي، لم تترك الفرصة تمُر دون اقتناصها، وأطل متحدثها الرسمي الدكتور عادل عبدالغفار، للتذكير ب«الأعراف الجامعية»، وكان الأولى بوزارته، الانشغال بكيفية استعادة مَجد وسمعة جامعاتنا، التي تحتل المراكز المتأخرة جدا في التصنيفات الدولية لأفضل الجامعات، بل وصارت شهاداتها، تستجدي الاعتراف (!!).. هكذا اشتعلت «فتنة البنطلونات المقطعة»، وتمددت إلى اللجان التشريعية والدينية اصطفافاً بالبرلمان، والجامعات، ووسائل الإعلام، وكأنها «أم المعارك»، واكتملت بتصدي النائب عبدالكريم زكريا عضو اللجنة الدينية، متوعداً بإصدار قانون مُلزم لطلاب الجامعات بارتداء زي موحد مثل الشرطة والجيش.. أي نعم (!!).

«آمنة» لم تتوقف وتراجع نفسها، استرشاداً بـ«فقه الأولويات».. لكنها أصرت على المضي قُدماً فيما ذهبت إليه، ولو بالمغالطة، تنويهاً لرئيس جامعة القاهرة، بأنه أصدر قراراً بمنع المنتقبات من دخول الجامعة، مع أن «منع النقاب»، كان مقصوراً على الأساتذة اللاتي يقمن بالتدريس، وهو ما أيده القضاء.

حالة الأخت آمنة، ليست وحيدة.. فقد اتحفنا الزمن الردىء الذي نعيشه بنوعية غريبة من الأعضاء بمجلس النواب، يُطل علينا الواحد منهم بافتكاسات مُدهشة، وإنتاج موضوعات وفتن لإلهاء الناس، أو مُبالغاً في إظهار الولاء لأهل الحكم، بالمناداة بإسكات الأصوات، وكتم الأنفاس، على شاكلة نائبي البرلمان المطالبين بإنزال عقوبة الإعدام، آه والله «الإعدام»، لنشطاء فيس بوك، والمحرضين ضد الوطن على صفحات التواصل الاجتماعي واعتبارهم خونة، وعملاء أخطر من الجواسيس، بل وإعدام كل مواطن يقوم بتشيير (مشاركة) البوست المُحرِض، دون مراعاة أن كلمة «التحريض» فضفاضة ومطاطة، سيئة السمعة يتم إساءة استغلالها للزج بالمعارضين إلى السجن.. لا تنشغل بأن مجرد ذكر سيرة «الإعدام» هنا، هو مبالغة جنونية، إذ إننا بصدد «رأي» مختصر في بضع كلمات صفحة اجتماعية شخصية، وليس قتلاً أوعنفاً أو تفجيراً أو إرهاباً.. المُهم هو إثبات أصحابنا النواب، أنهم موالون بشدة للحُكام، وليس للشعب الذي يمثلونه، وحرية التعبير(!!).. وقبل هذان النائبان كانت حكاية النائب إلهامي عجينة الذي أهان المرأة المصرية، مطالباً بتوقيع كشوف العذرية على الطالبات قبل دخولهن الجامعات، مُفترضاً أنهن «مُنحرفات» بالطبع والضرورة، مثلما هاجم النائبات، واصفاً ملابس بعضهن بعدم الاحتشام، وتأييده لـ«ختان الإناث»، بحجة أن «رجالتنا بتعانى من ضعف جنسى ولو بطلنا نعمل ختان هنحتاج رجال أقوياء» (!!).

يكون مُفيداً للنواب مجلساً وأعضاءً، إدراك أن دورهم ليس تربيتنا ولا تعليمنا ديننا، ولا تعريفنا بمواطن العورات، ولا إشغالنا وإلهائنا بتوافه الأمور.. بل إن مهمتهم محددة دستورياً، بالرقابة على السلطة التنفيذية، والتشريع، ومراجعة وإقرار الموازنة العامة، صوناً لحياة «الناس»، وحمايةً لهم من عسف وجبروت الحكومة، تخفيفاً لمعاناتهم التي تتضاعف يومياً، ودعماً للحريات وحقوق الإنسان وصولاً إلى الرفاهية للمواطن سكنا وصحة وتعليماً وأماناً.

نسأل الله السلامة لمصر.

Saidalsonny2@gmail.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد