الأقباط متحدون - ثلث المصريين فى دائرة الفقر؟!
  • ٠١:٥٣
  • الخميس , ٢٣ مارس ٢٠١٧
English version

ثلث المصريين فى دائرة الفقر؟!

مقالات مختارة | بقلم : مكرم محمد أحمد

١٤: ١٠ م +02:00 EET

الاربعاء ٢٢ مارس ٢٠١٧

مكرم محمد أحمد
مكرم محمد أحمد

 ما من شك أن إعلان الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عن تزايد نسب الفقر فى مصر خلال العقدين الأخيرين لأكثر من 27% وارتفاع معدلاته على نحو متزايد تظهره الدراسات الدورية التى يقوم بها الجهاز مرة كل عامين لمتابعة مشكلة الفقر، يشكل متغيراً مهماً يلزم الحكومة إعادة النظر فى أولوياتها بحيث يكون حصار الفقر وتصفية آثاره على رأس أولوياتها، لأن ارتفاع نسبة الفقر لأكثر من 27% من حجم السكان الذى جاوز 92 مليون نسمة يعنى باختصار أن هناك ما يقرب من 30 مليون مواطن مصرى لا تمكنهم دخولهم من الحصول على الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية التى تتمثل فى متطلبات الغذاء والشراب والكساء والمأوى بصرف النظر عن نوعية هذه المتطلبات، وهو رقم كبير للغاية يدعو إلى سرعة الانتباه والاهتمام واتخاذ تدابير عاجلة ومهمة تحاصر هذه المشكلة وتحول دون تفاقم آثارها وبذل كل الجهود للتخفيف من حدتها وخطورتها، فى إطار خطة شاملة تتكاتف على تنفيذها أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى باعتبارها المشكلة الأَوْلى بالرعاية التى تستحق أولوية مطلقة، وتتطلب قدراً كبيراً من الجهد واليقظة والاهتمام بحيث لا يتكرر مرة أخرى ما حدث نتيجة قرار وزارة التموين الأخير بخفض حجم الرغيف المدعم دون دراسة دقيقة تؤكد أن هذا الخفض لن يؤدى إلى حرمان شريحة من المواطنين من الحصول على حقها فى الرغيف المدعم.

 
ومع اعترافنا بأن قرار وزارة التموين كان قراراً صحيحاً لأن نسبة غير قليلة من أصحاب المخابز يستخدمون دقيق الخبز المدعم فى غير الأغراض التى خصص لها ليحققوا مكاسب مهولة يقدرها خبراء وزارة التموين بأكثر من مليار ونصف المليار جنيه، لكن مقتضيات الحساب الدقيق كانت تفرض ضرورة تأجيل تنفيذ القرار إلى أن يتم إعادة تنظيم إصدار بطاقات التموين وضبطها بحيث تقتصر بالفعل على من يستحقون الدعم، خاصة أن نسبة غير قليلة من المقررات التموينية تذهب إلى غير مستحقيها، فضلاً عن عمليات التزوير واسعة النطاق التى تمكن عصابات عديدة من الحصول على عشرات الآلاف من المقررات التموينية بالتواطؤ مع البقال التموينى.
 
ويزيد من وطأة مشكلات الفقر ارتفاع نسب التضخم إلى حدود تقترب من 30% وفقاً لتقارير جهاز التعبئة والإحصاء الذى يُجرى دراسات دورية على ارتفاع مستوى الأسعار فى مصر مرة كل ثلاثة شهور تلتزم معايير الإحصاء الدولية وتتسم بالدقة العلمية الكاملة، وتتابع أسعار أكثر من ألف سلعة وخدمة فى أسواق التجزئة فى الريف والحضر لتخلص من دراسة هذه الأسعار إلى تحديد معدل التضخم الذى تتصاعد مؤشراته شهراً بعد شهر ليصل إلى حدود 27.8% فى المتوسط، تبلغ مستوياتها العالية فى ارتفاع أسعار مجموعات الأغذية ابتداء من اللحوم والدواجن إلى الخضر والفاكهة والزيوت والخبز والدقيق بنسبة تضخم تصل إلى 37% يليها الإنفاق على الصحة والدواء الذى ارتفع بنسبة 32%، ثم المواصلات التى ارتفعت أسعار خدماتها بنسبة 25%، بما زاد من وطأة الفقر الذى يعض فئات واسعة من المجتمع.. وفى ضوء الارتباط الوثيق بين أسعار السلع ومستويات الدخول فى مصر، يدخل فى دائرة الفقر طبقاً لدراسات الجهاز كل فرد يقل دخله عن 482 جنيهاً بما يعنى أن الحد الأدنى لدخل أسرة مصرية من خمسة أفراد لا يقل عن 2410 جنيهات لتغطية الإنفاق فقط على الغذاء والمأوى. صحيح أن شدة الحاجة تدفع نسبة غير قليلة من الأفراد إلى محاولة تحسين دخولهم بالبحث عن عمل ثانٍ يزيد من دخولهم ويساعدهم على اجتياز مصاعب الحياة على حساب حقهم فى المحافظة على صحة أبدانهم ونفوسهم، وصحيح أيضاً أنه رغم الحديث عن ارتفاع نسب البطالة إلى حدود تتجاوز 13%، ثمة أنشطة عديدة فى المجتمع تعانى من نقص فادح فى العمالة، حيث ارتفع متوسط الأجر اليومى للعامل الزراعى غير الماهر إلى حدود 70 جنيهاً فى اليوم، لكن ما من شك أن دائرة الفقر تزداد اتساعاً فى مصر وتتوطن غالباً معظم محافظات الصعيد، وثمة دراسات عديدة فى مصر الآن يمكن أن ترسم خارطة دقيقة لمستويات الفقر فى جميع محافظات الجمهورية.
 
ويزيد من خطورة مشكلة الفقر الفروق الضخمة بين مستويات الدخول ومستويات المعيشة فى عالم جديد تمكنت فيه أجهزة الإعلام وأدوات التواصل الاجتماعى من كسر حواجز العزلة بين طبقات المجتمع وفئاته المختلفة وبين أحوال المجتمع المصرى وأحوال غيره من المجتمعات الأكثر تقدماً، بما زاد من حدة الفروق الاجتماعية وأثرها المتزايد على استقرار المجتمعات فى ظروف يتطلع فيها الجميع إلى تحسين جودة حياته، ويستشعر الجميع أهمية التزام الدولة بحقوق المواطنة المتكافئة فى الخبز والحرية والعيش الكريم، الشعار الذى أطلقته ثورة 25 يناير تعبيراً عن الاحتياجات الأساسية لجموع المصريين التى ينبغى أن يلتزم بها الحكم تجاه فئات الشعب المختلفة ضماناً لتكاتف المجتمع والحفاظ على سلامه الاجتماعى.
 
ولا جدال فى أن الفقر فى حد ذاته ليس عورة وربما لا يشكل فى حد ذاته خطراً على السلم الاجتماعى إلا أن يصاحبه الوعى المتزايد بحقوق الإنسان فى العيش الكريم، وما من شك أن الدور الذى تلعبه مؤسسة القوات المسلحة فى هذا المجال من خلال المعونات الغذائية التى تقدمها لفئات واسعة فى المجتمع يمثل جهداً ملحوظاً فى هذا المجال يضاف إلى جهود خيرية لعديد من مؤسسات المجتمع المدنى فضلاً عن جهود الدولة المصرية المتمثلة فى مشروع (تكافل وكرامة) الذى يزداد تباعاً حجم المستفيدين منه، وما من شك أن لكل هذه الجهود الطيبة آثارها المهمة فى التخفيف من ويلات الفقر ومشاكله فى شرائح عديدة داخل المجتمع.
 
ومع ذلك يبقى السؤال: «هل نجحت هذه الجهود على كثرتها فى تغطية مشكلة الفقر فى مصر على اتساعها بعد أن تأكد أن نسبة الفقر قد تزايدت أخيراً إلى حدود 30% يشكلون أكثر من 30 مليون نسمة.. أم أن اتساع حجم المشكلة إلى هذا الحد يفرض ضرورة أن تكون هناك خطة شاملة متكاملة تتوفر على تنفيذها الدولة بكل أجهزتها والمجتمع المدنى بكل مؤسساته ورجال الأعمال وغيرهم من الفئات الأوسع حظاً، تحاصر الفقر فى جميع مواقعه بحيث تصل آثارها إلى جميع ربوع مصر فى إطار برنامج مشترك يحقق التكافل بين جميع فئات المجتمع، يستهدف رفع الظلم الاجتماعى عن فئات غير قادرة لا تمكنها إمكاناتها من تلبية أبسط احتياجاتها الأساسية، ويعزز وحدة المجتمع وتماسكه ويرسخ جذور السلام الاجتماعى بما يزيد من حماية أمنه واستقراره وتقدمه؟».
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع