الأقباط متحدون - جنيف بين طلاسم علاقة فتح الشام بأحرار الشام وغموض ما يجري في جوبر والجابون بأطراف دمشق
  • ٠١:٢٦
  • الخميس , ٢٣ مارس ٢٠١٧
English version

جنيف بين طلاسم علاقة فتح الشام بأحرار الشام وغموض ما يجري في جوبر والجابون بأطراف دمشق

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

٤٨: ٠٨ ص +02:00 EET

الخميس ٢٣ مارس ٢٠١٧

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

 ميشيل حنا الحاج

علاقة جبهة النصرة المسماة لاحقا بفتح الشام، وأخيرا باسمها الجديد وهو هيئة تحرير الشام...علاقتها بتنظيم احرار الشام القوية والمشكلة من قرابة مائة الف مقاتل،  تبدو على مدى سنوات علاقة غامضة وغير مثابرة على وتيرة واحدة. فهما أحيانا في حالة تحالف، ولكنهما أ حيانا في حالة اشتباك دموي كما جرى في محافظة ادلب  قبل أسابيع قليلة خلال صراع على المواقع، لتعودا الآن لحالة من التحالف لكن دون الاندماج الكلي، كما تطالب جبهة النصرة منذ الزمن الذي سميت فيه بجبهة النصرة، أي منذ عامي 2012 و2013 ، بل ورغم استبدال اسم جبهة النصرة أكثر من مرة في مسعى لاقناع أحرار الشام بالاندماج معها، لكن دون جدوى.
 
فمنذ زمن بعيد تحاول جبهة النصرة اقناع احرار الشام، أحد أقوى التنظيمات العسكرية في المعارضة السورية، بالاندماج الكامل مع جبهة النصرة عندما كانت تسمى بهذا الاسم. واشتدت تلك المطالبة بعد الخلاف الذي دب بين أبو محمد الجولاني، أمير تنظيم جبهة النصرة المنضوية تحت جناح القاعدة، وابو بكر البغدادي، امير دولة العراق الاسلامية الشقيقة لكونها  آنئذ منضوية أيضا تحت جناح القاعدة. وتوسع الخلاف بينهما عندما حاول الدكتور ايمن الظواهري، أمير تنظيم القاعدة ، حسم الخلاف بينهما باصداره الأمر للبغدادي  بالانسحاب من سوريا والاكتفاء بالقتال ضد ألأعداء في العراق ، آمرا اياه بترك حركة القتال في سوريا لجبهة النصرة. فرفض البغدادي الانصياع لآمر الظواهري معلنا انفصاله عن تنظيم القاعدة، ومستبدلا اسم تنظيمه من دولة العراق الاسلامية الى دولة العراق والشام الاسلامية أي داعش. 
 
الا أن كل محاولات جبهة النصرة باقناع أحرار الشام للاندماج معها، كانت تبوء بالفشل لرفض احرار الشام أن تصبح جزءا من تنظيم القاعدة  الذي كان الحال الفعلي لجبهة النصرة. وهنا قامت جبهة النصرة في مرحلة ما من عام 2016، وبعد رفض لضغوط متواصلة من قطر والولايات المتحدة وجهات أخرى تطالبها بفك ارتباطها بالقاعدة...قامت فجأة  بالاعلان عن فك ارتباطها بالتنظيم، بل ومبدلة اسمها الى جبهة تحرير الشام. ولكن ذلك الاجراء لم يقنع كثيرا أحرار الشام بصدق الخطوة التي اقدمت عليها جبهة النصرة، كما لم تثق كل من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة أيضا بجدية الخطوة التي أقدمت عليها جبهة النصرة.  
 
ومع ذلك، فان  تنظيم احرار الشام الذي يقوده الآن  "علي العمر" ، ظل مناصرا ومتحالفا مع جبهة النصرة حتى في مرحلة تسميتها بفتح الشام.  وقد التزمت بالتحالف مع فتح الشام والوقوف الى جانبها في أصعب أوقاتها، عندما كانت محاصرة في حلب، وتجابه معركة شرسة مع تحالف القوات الروسية والسورية والتي انتهت بفرض الانسحاب من شرق حلب. وكان المطلب الروسي المتكرر بابتعاد كل المجموعات العسكرية السورية غير المصنفة بالمجموعات الارهابية، عن مواقع فتح الشام المصنفة كتنظيم ارهابي. لكن تلك التنظيمات رفضت الانسحاب وترك فتح الشام لوحدها في الميدان. وكان من يقود حركة الرفض هذه، تنظيم احرار الشام الذي تشبث بتضامنه مع فتح الشام حتى اللحظات الأخيرة من الحصار الصارم.
 
ولكن ما ان  استقر الأمر للحكومة السورية واكتمل تحرير حلب، وبدأ التوجه نحو تفاهم روسي تركي تضمن عقد مؤتمر آستانه وجنيف، حتى تبدل كل شيء. فالمعارك قد نشبت  فجأة بين أحرار الشام وفتح الشام في محاولة من كل منهما لتعزيز مواقعه في محافظة ادلب. وكان سبب اندلاع القتال بينهما، أن تنظيم فتح الشام قد دعا لانشاء تحالف مواز للتحالف الذي ضم التنظيات التابعة أو الموالية لتركيا ومنها جيش سوريا الحر، ومنظمات أخرى عديدة كجيش الاسلام التي وافقت على المشاركة في مؤتمر الآستانه، لكنه تحالف رافض للآستانه ولجنيف.  ووقع على وثيقة تأسيس هيئة فتح الشام، ست منظمات هي  نور الدين زنكي، وجيش السنة، تنظيم أنصار الدين، ومجموعة الوروج،  وفتح الشام، واحرار الشام. وكانت هذه الأسماء قد وردت في تقرير بثته بي بي سي وأعده فراس كيلاني. لكن في تقرير آخر، لم يرد اسم الوروج بل ورد اسم لواء الحق في موقعه.  
 
كل ما في الأمر، أن تنظيم أحرار الشام بعد توقيعه على وثيقة  التأسيس، قرر الانسحاب من هيئة تحرير الشام لاعتباره خطوته تلك، مجرد محاولة أخرى من جبهة النصرة لدمجها في صفوفها، الأمر الذي رفضه أحرار الشام على مدى سنوات طوبلة. وكان رفضهم ذاك مشابه لرفض أحرار الشام أيضا المشاركة في مؤتمر الآستانة الا بشروطهم الخاصة، معتبرين شروط انضمام المعارضة المسلحة كالجيش السوري الحر وجيش الاسلام ومنظمات أخرى من تلك المعروفة بمجموعة  الرياض... ليست شروطا كافية أو ملائمة أو قادرة على تحقيق السلام الفعلي والكامل والذي تريده احرار الشام، أقوى التظيمات الأخرى بعد داعش وجبهة النصرة. 
 
وذكر تنكر احرار الشام لتوقيعها على وثيقة تأسيس هيئة فتح الشام... ذكر بتنكر سابق متكرر، ورافض دائما لانضمام كتائب احرار الشام الى صفوف فتح الشام ولصفوف جبهة النصرة من قبل....هذا  التنكر المتكرر، أثار غضب هيئة تحرير الشام، مما ادى لوقوع اشتباكات دامية متوالية ومتكررة  بين احرار الشام وهيئة تحرير الشام حديثة الظهور. وشارك في القتال الى جانب أحرار الشام والذي دار في محافظة ادلب، جيش المجاهدين وقائده هاشم الشيخ. كما تردد بأن حركة الفجر وتنظيم الطليعة الاسلامية، قد قاتلا أيضا الى جانب أحرار الشام.  بينما قاتل ضد احرار الشام الى جانب هيئة فتح الشام.. فيلق الرحمن ، والناطق باسمه هو وائل علوان. ولكن اسم فيلق الرحمن لم يرد بين الفيالق الموقعة على وثيقة تأسيس هيئة فتح الشام كما وردت في تقرير للبي بي سي الذي اعده  فراس الكيلاني السابق ذكره، أو في تقارير اعلامية أخرى.. ولكن كان هناك جيش السنة من بين الموقعين. وقد يكون فيلق الرحمن أحد فيالق جيش السنة... في أحد الاجتهادات،  وفي اجتهاد آخر مع غياب المعلومة الدقيقة، ربما لم يكن فيلق الرحمن بين المنضوين فعليا تحت هيئة فتح الشام، لكنه متحالف مع الهيئة، وبالتالي يقاتل الى جانبهم. وفي بيان أصدره فيلق الرحمن في شهر آذار ويحمل الرقم 56 ، كشف "وائل علوان" أن الهدف من مشاركة تنظيم فيلق الرحمن الى جانب هيئة فتح الشام في القتال ضد القوات السورية اعتبارا من 19 آذار، في محاولة هيئة فتح الشام اقتحام حيي جوبر والجابون الواقعين في ريف دمشق في مسعى للوصول الى ساحة العباسيين في داخل دمشق...كان تعزيز موقف المعارضة في مؤتمر جنيف أربعة الذي سينطلق الخميس 23 آذار. وربما يكشف هذا عن بعض التناقض بين الموقفين، موقف  هيئة فتح الشام التي تريد احباط مؤتمر جنيف كليا، واصابته بالشلل التام وافشال مساعيه في التوصل الى سلام ما  مهما كانت درجته، في الوقت الذي يريد فيه فيلق الرحمن تعزيز موقف المعارضة في محادثات السلام القادمة. وهناك احتمال أن هذا أحد أوجه الخلاف أيضا بين أحرار الشام وفتح الشام. ففتح الشام كمنتمية لتنظيم القاعدة رغم انكار انتمائها له، تريد الغاء مساعي السلام الغاء كليا، بينما تريد أحرار الشام كتنظيم سوري، الابقاء على مساعي السلام، خصوصا لكونها الأوفر حظا دون معارضة مؤتمر الرياض، في لعب دور هام في حكومة انتقالية قادمة. ولذا لا تريد الغاءه نهائيا، بل تسعى لتأخيره وتعطيله فحسب، بغية التوصل الى شروط تفاوضية أفضل في ظروف أفضل.
 
والغريب في الأمر، أن هيئة فتح الشام  عندما قررت في 19 آذار (أي عشية مؤتمر جنيف المتوقع انعقاده في 23 آذار) مهاجمة حي جوبر والغابون من أحياء ريف دمشق، في مسعى لاختراق العاصمة الدمشقية والوصول الى ساحة العباسيين في دمشق بغية تعطيل أو الغاء مؤتمر جنيف، وجدت نفسها تفعل ذلك بمؤازرة أعداء الأمس، أي بمشاركة أحرار الشام. وشارك في القتال الى جانبهما فيلق الرحمن الذي قاتل قبل أيام ضد أحرار الشام. وهكذا بات الآن أعداء الأمس حلفاء اليوم في القتال ضد الدولة السورية لتحقيق هدف واضح، وهو تعطيل وتأخير مؤتمر جنيف، رغم رغبة هيئة فتح الشام بالذهاب الى أبعد من ذلك وهو الغاء مؤتمر جنيف الغاء كليا.
 
وبدأت التطورات المتسارعة في سوريا مع بداية مؤتمر الآستانة، عندما قامت هيئة تحرير الشام باسقاط طائرة ميغ 25 سورية اثناء تحليقها في مناطق قريبة من ادلب. وقد أسقطتها بصاروخ أرض جو محمولا على الكتف،  مما كشف عن وجود تعاون مع دولة ما زودت فتح الشام بذاك الصاروخ.  وتبع ذلك ثلاثة تفجيرات انتحارية في مدينة حمص بعد يوم أو يومين من اسقاط الطائرة، تلاه  تفجيران انتحاريان في مدينة دمشق أولهما داخل وزارة العدل والثاني في احد ارياف دمشق. وحصل هدوء نسبي بعد انقضاء آستانة واحد وآستانه اثنين ومن ثم جنيف ثلاثة.  ولكن في مرحلة الانتظار لجنيف أربعة وقبل موعد انعقاده بثلاثة أيام (موعده الخميس 23 آذار)، شنت هيئة فتح الشام (في 19 آذار) بمؤازرة فيلق الرحمن، بل وبمشاركة أحرار الشام وحلفائها المشكلان من تنظيم الفجر وقوات الطليعة، هجوما مباغتا على حيي جوبر والغابون. واستخدمت الانفاق السرية للوصول الى قلب الحيين الواقعين في أطراف دمشق. وعبرهما وبعد تفجير عدة سيارات بعمليات انتحارية، حاولت هيئة فتح الشام وحلفائها، التوغل الى داخل العاصمة، فوصلت فعلا الى كراج العباسيين داخل العاصمة، لكنها لم تفلح  في الوصول الى ساحة العباسيين في قلب دمشق. 
 
 لكن القوات السورية تمكنت من رد الهجوم على أعقابه في اليوم التالي. فعادت هيئة فتح الشام بمؤازرة فيلق الرحمن ومشاركة أحرار الشام... عادت لتكرار الهجوم في اليوم الثالث، أي في 21 آذار، لتتصدى لهم القوات السورية بهجوم مضاد مستخدمة سلاح الجو لمجابهتهم بقوة، خصوصا لدى تقدمهم ووصولهم الى شركة الكهرباء ومعمل الغزال.   وشارك في الهجوم كتائب الفجر وتنظيم الطليعة الى جانب هيئة فتح الشام باعتبارهما من حلفاء أحرار الشام..   وحقق الهجوم نجاحا كبيرا قبل ان تقوم القوات السورية بهجوم مضاد آخر وبمؤازرة سلاح الجو السوري لكن دون تدخل سلاح الجو الروسي. الا ان الهجوم المخطط له جيدا تكرر في اليوم الرابع ، أي في 22 آذار، وكان يتم مرة أخرى عبر أنفاق تتبعها تفجيرات انتحارية، وهو نهج معروف لدى جبهة النصرة والدولة الاسلامية. 
 
ومرة أخرى حقق الهجوم  سيطرة على بعض المواقع قيل أنه كان بينها في اليوم الرابع للقتال، الوصول الى شارع فارس الخوري أهم الشوارع الدمشقية.  وهنا مرة أخرى، بدأت القوات السورية في محاولة ردهم مستخدمة سلاح الجو وقوات أخرى متعددة لم تكن قد استخدمت بعد، خصوصا وأن الحكومة قد قدرت الآن وجود مخطط كبير ومدروس، خصوصا وأن هيئة فتح الشام، مع استشعارها لاحتمالات فشل الهجوم في حيي جوبر والغابون ، بدأت الآن عملية جديدة  في شمال حماة، وأطلقت عليها عنوان "وقل اعملوا"، بعد أن أطلقت على عمليتها في جوبر عنوان "وقل اسكتوا". وكانت هيئة تحرير الشام قد مارست نشاطا واضحا منذ منتصف شباط (فبراير)  للتخريب على مؤتمر الآستانة عندما شرعة بعملية عسكرية في حي المنشية بدرعا وأطلقت عليها "الموت ولا المذلة"، فهي بارعة في اطلاق التسميات على عملياتها القتالية.   
 
ولكن يظل التساؤل قائما حول غموض العلاقة بين هيئة فتح الشام واحرار الشام. فهما قد يتقاتلان حيانا ولكنهما يعودان دائما للتعاون فيما بينهما.  ويبدو أن طموح أمير جبهة النصرة وسنه الشاب الذي يزوده  بطموح كبير، ويجعله أكثر عناصر المعارضة تصلبا وتشبثا في المواقف.   فهو كما بينت صورة له اثناء القائه خطابا في بعض انصاره، قد يكون في الثلاثينات من عمره  ويتطلع الى القيادة بشغف. وكانت بداية دلالات تصلبه ورغبته في القيادة، هو خلافه مع أبو بكر البغدادي منذ عم 2013 ، وتشبثه بالاحتقاظ بعلاقته الوطيدة والانتماء الدائم لتنظيم القاعدة رغم كل الضغوط التي شجعته على مغادرة التنظيم. ويرجح البعض أن طموحه أبعد من مجرد الظهور كبطل يقاتل باصرار في سوريا، فهو يتطلع ليصبح أمير القاعدة اثر رحيل الظواهري عنها والذي يتوقعه، كما يبدو ، أن يحدث قريبا.