- المستشار طارق البشري ورئاسة لجنة تعديل الدستور
- غضب قبطي وقلق حقوقي من تشكيل لجنة التعديلات الدستورية
- "أسماء محفوظ"الفتاة التي أشعلت ثورة 25 يناير: عصر الأماني راح نحن في عصر التنفيذ
- جبرائيل يتقدم بطلب للمشير طنطاوي بعدم إشراف البشري على اللجنة المكلفة بوضع الدستور
- المنظمة المصرية تنشر أسماء شهداء ثورة 25 يناير
المستشار طارق البشرى فى كتابه الأحدث: الكنيسة والدولة جماعة وطنية أم عزلة طائفية؟
ما يكتبه المستشار طارق البشرى لابد أن يُقرأ بتأنٍ شديد، مع انتباه كبير، فلا ينفع مع كتبه الكسل أو استقطاع وقت القراءة، فى نظرة إلى كتاب آخر.
هو واحد ممن اتفق عليه الجميع، حتى المختلفين معه يحترمون آراءه، لأنه ممن يعرفون قدر الكلام، وأهمية فعل الكتابة. هو أيضا مرجع ــ حسب وصف الكاتب فهمى هويدى ــ فى مسألة العلاقة بين المسلمين والأقباط فى مصر. بالطبع يوجد من يعلق بالسلب على التحول الكبير فى فكر البشرى، لكن هذا من صفات البشر، ومن سمات المفكر أن يراجع تفكيره ويهذبه، ويمكن أن يغيره طالما كان ذلك على أرضية بحثية.
خلال أيام، سيصدر الكتاب الأحدث للمستشار طارق البشرى تحت عنوان «الدولة والكنيسة»، عن دار الشروق. وهو الكتاب الذى نشرت أجزاء منه فى جريدة «الشروق» أكتوبر الماضى، بالإضافة إلى نشر أجزائه الأخرى فى الأسبوع، وصوت الأمة، ومجلة وجهات نظر. وهذا هو ثالث كتاب يصدر للمستشار فى موضوع الجماعة الوطنية، كان أولها «المسلمون والأقباط فى إطار الجماعة الوطنية» فى عام 1981، وكان ثانيها «الجماعة الوطنية العزلة والاندماج» فى سنة 2005.
وعن ذلك يقول البشرى فى مقدمة كتابه: «وهذا هو الكتاب الثالث يجمع ما أظنه طرأ على العلاقة بين الدولة فى مصر وبين إدارة الكنيسة القبطية فى السنوات الأخيرة، بمراعاة التمثيل المؤسسى للجماعة الوطنية والظهور المؤسسى للكنيسة كمؤسسة تنشد التعبير عن الأقباط لا فى الشأن الدينى الاعتقادى وحده».
والسؤال الذى يجىء أولا هو ما الاختلاف بين كتابه الأول والثالث؟، وهل هناك تحول فى فكره؟ وفى محاولة منه يدلنا المستشار البشرى فى السطور الأولى للكتاب «أن من يقرأ الكتاب الثالث فلن يجد فيه تحولا فكريا لكاتبه، بالنسبة إلى موازين النظر ومعايير الحكم على الأحداث، لن يجد تحولا ما عما كان عليه من قبل 1981 عندما كان ينشغل ويكتب فى هذا الموضوع».
وعن هذه الموازين والمعايير يؤكد البشرى أن موازين النظر ومعايير الحكم كانت دائما هى إقرار بالتداخل والاندماج بين عناصر الأمة واستيعابا لها، وإنكارا للعزلة والفرقة».
انتشرت فى الآونة الأخيرة كلمات الحب والود والكلام المعسول بين الأقباط والمسلمين فى مصر بعد الحادث الإرهابى، الذى تعرضت له كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس السنة. وذلك مطلوب بالطبع، ولكنه لا يكفى. فكما نحتاج إلى الكلمات المعسولة، يجب مناقشة قضايا الأقباط، خاصة فى جانب مهم وهو علاقة الكنيسة والدولة موضوع الكتاب الجديد للمستشار البشرى.
ولعل استشعر المستشار أن البعض سيعلق حول التعرض لهذا الموضوع، أى موضوعات كتابه «الكنيسة والدولة»، فقال: «إن بعض الأقلام تعيب علينا أننا نتعرض لهذه الموضوعات، ولكن على هؤلاء أن يراجعوا تتابع الأحداث، وينظروا فى كل حدث كيف بدأ ومن بدأه، وسيلحظون أننا فيما نكتب لا ننشئ أحداثا ولكننا نعلق عليها بعد أن تكون قد جرت، نحاول بذلك أن ننبه الأذهان وأن نساهم فى منع تكرار ما يسىء إلى قوة التماسك المجتمعى. والمخطئ لابد أن يقال له إنك أخطأت».
يبدأ الكتاب بفصل عن «الإدارة الكنسية بين الجماعة الوطنية ونظام الملة»، يشير فيه المستشار البشرى إلى حكم المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، وهو الحكم الذى يلزم الكنيسة الأرثوذكسية والبابا شنودة باستخراج تصريح زواج لشخص مسيحى مطلق، مستعرضا، وفقا لصحف يومية مصرية، تصريحات قداسة البابا شنودة والأساقفة على ذلك الحكم، ومنع تنفيذه كنسيا.
وفى أحد تعليقاته على ذلك قال البشرى: «إن المسألة التى ينبغى تناولها فى هذا المقام هى مسألة مدى خضوع الكنيسة المصرية بوصفها إحدى هيئات المجتمع المصرى لسلطة الدولة المصرية المعبرة عن الجماعة الوطنية المصرية بجمعها كله، ولكى نتصور الموضوع الذى نتكلم عنه، فإن الأصل أن جميع المصريين بوصفهم أفرادا وهيئات خاصة هم خاضعون لسلطات الدولة وهيئاتها العامة، وهم يتعاملون معها حسب تنوع هذه الهيئات العامة وتوزيع اختصاصاتها، والأصل أيضا أن الدولة ليست كيانا واحدا، إنما هى تتكون من سلطات ثلاث، تنفيذية وتشريعية وقضائية، وكل من هذه السلطات الثلاث يتولى مهام محددة ويخضع لرقابة السلطتين الآخريين فى مجالات حددها القانون ورسمها، وكل من هذه السلطات الثلاث أيضا تتكون من هيئات عديدة توزع اختصاصات العمل عليها جميعا، وكل من هذه الهيئات تخضع لغيرها من الهيئات الأخرى فى نوع اختصاص كل هيئة وهكذا، وعلم القانون لا يعرف إلا السلطات المقيدة، لأن كل سلطة تمارس عملا جزئيا وتخضع فى غيره إلى غيرها من السلطات وهكذا. ومن هنا يبدو موقف الكنيسة فى الشأن الذى سبق إثباته عجيبا، لأنه ينظر إلى الدولة بحسبانها كلا شاملا وإلى الكنيسة بحسبانها كلا شاملا مفارقا ومغايرا».
وفى إشارات يحاول البشرى أن يلمح إلى سلطة الكنيسة التى تعمل بعيدا عن سلطة الدولة، مثل رفضها تنفيذ الأحكام القضائية، وما حدث لوفاء قسطنطين، أو ما يفعله الأساقفة من إجبار من يريد الزواج على استخراج بطاقة انتخابية (وهدف ذلك السياسى واضح، وهو أن البطريرك بعد أن امتلك ناصية الغالبية الغالبة من القبط بغير منافس له عليهم، يريد أن يجعلهم قوة انتخابية تثقل موازينه لدى رئاسة الدولة فى انتخابات الرئاسة أو المجالس النيابية، ولكن ما أريد الإشارة إليه هنا هو أنه يضغط بوصفه الدينى المؤسس على القبطى الراغب فى الزواج ليحقق له هذه المكنة. ولم يعرف بأى حكم فى الإنجيل يجرى هذا الأمر وبأى تأويل لأى نص يعتبر ذلك فرضا كنسيا).
وهذا كلام واضح وصريح يقوله المستشار البشرى وغيره من الكتّاب والمفكرين، مسلمين وأقباطا. ولعل تنفيذ هذه السلطة تتضح وتظهر وتنمو فى ظل الدولة الرخوة.
ونقاط الكتاب كثيرة ومتشعبة لا يمكن أن يعرضها كلها هذا العرض. يشير فى بعضها إلى آراء بعض الكتّاب مثل الصحفى إبراهيم عيسى والروائى علاء الأسوانى الذى رأى أن: «الأقباط إذ يعانون مما يعانى منه المصريون جميعا، إلا أن الناشطين منهم (يطالبون بتحقيق مطالب الأقباط بمعزل عن مطالب الأمة»، وأن «الاقتصار على المطالبة بها سلوك سلبى يخرج الأقباط من السياق العام للحركة الوطنية ويجعل منهم مجرد طائفة صاحبة مصلحة مستقلة)».
وختم البشرى فصله الأول ــ والذى يحتاج إلى مناقشات كثيرة من جانب مفكرين آخرين مسلمين وأقباط ــ بقوله: «إن تصريحات المسئولين عن الكنيسة القبطية بمصر فى الآونة الأخيرة، والتصريح بعدم الخضوع للقوانين وللقضاء المصرى إلا ما كان موافقا لما تراه الكنيسة رأى المسيحية فى كل حالة، إن من شأن ذلك على مدى زمن ما أن يخرج جماعة من المصريين من مجال الجماعة الوطنية العامة، كما أن الاستشهاد فى هذه التصريحات الانعزالية بفقه الشريعة الإسلامية، إن ذلك من شأنه أن يعيد نظام الملة إلى سابق عهده، وهو يخرج عن مفهوم المواطنة، الذى نرفعه عبر أجيال مضت وتجىء ونقيمه على أسس نظرية وشرعية يقوم بها الاندماج الحياتى بين المصريين جميعا. لقد بذلنا الجهود ليتسع الفقه الإسلامى لاستيعاب مفهوم الجماعة الوطنية بالمساواة الكاملة بين مكوناتها، فإذا جاء اليوم فى تصريحات هؤلاء المسئولين ما يعيد نظام الملة، فعلينا أن نوضح للجميع أن ليس هذا فى صالحهم».
أما الفصل الثانى فحمل عنوان «الكنيسة والانعزال القبطى»، وهو فصل نُشر من قبل فى صحيفة الأسبوع نوفمبر 2005، يتحدث فيه عن شكوى الأقباط ضد الدكتور محمد عمارة بسبب اعتدائه على العقيدة المسيحية.
وأكد البشرى أنه يذكر هذا الموضوع؛ لأنه يريد أن يقارن بينه وبين ما كان من أمور بسبب عرض المسرحية التى مثلت فى كنيسة محرم بك، وهى المسرحية التى أساءت إلى الإسلام.
ويسرد البشرى بعض الأحداث مثل نشر رواية «وليمة لأعشاب البحر»، و«فضيحة الراهب المنشورة بصحيفة النبأ»، وفى النهاية يعلق عليها. كما علق على كتاب «وطنية الكنيسة القبطية» للراهب أنطونيوس الأنطونى، قائلا: «إنه عمل ضار بالجماعة الوطنية المصرية». وفى فصله الثالث يتحدث البشرى عن موضوع تمت مناقشته بكثرة وهو «الشريعة الإسلامية والمسألة القبطية».
وما يهمنا هنا أن نشير إلى أن المستشار البشرى استعرض مواقف لأقباط مصريين من موضوع الإسلام والشريعة الإسلامية: «ومن حقنا اليوم أن نذكر مثيرى هذا الأمر بيننا وبعضهم من المسئولين فى الكنيسة القبطية نذكرهم بمواقف آبائهم على امتداد قرون». ولعل الفصل الرابع الذى يتناول المادة الثانية من الدستور يربط بشكل من الأشكال بالفصل الثالث.
أخيرا الفصل الخامس «حدث وَحد الأمة مشروع النهضة المصرية 1911»، وهو الفصل المنشور فى مجلة وجهات نظر يونية 2000. يتناول فيه الكاتب مجموعة من وثائق تاريخ مصر الحديث التى تناولت الشأن القبطى، ومنها برنامج الحزب الوطنى القديم. ويشير البشرى أيضا إلى وثيقة المؤتمر القبطى الذى انعقد فى 24 فبراير عام 1910 وتضمن عدة مطالب أهمها المساواة فى الوظائف والتمثيل فى الهيئة النيابية وضريبة الـ5% وراحة يوم الأحد ومحاكم الأحوال الشخصية القبطية والتعليم الدينى.
وتناول البشرى لهذه الوثائق كان يهدف إلى عرض مجموعة أعمال المؤتمر المصرى الأول المنعقد فى هليوبوليس أبريل 1911. وقد يحتاج هذا الفصل إلى حديث موسع فى مرات مقبلة عن هذا المؤتمر وأعماله وقراراته.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :