الأقباط متحدون - تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ الى جزيئات صغيرة في سوريا. أسبابه ومبرراته؟
  • ٠٧:١٨
  • السبت , ٢٥ مارس ٢٠١٧
English version

تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ الى جزيئات صغيرة في سوريا. أسبابه ومبرراته؟

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

٤٢: ٠٧ ص +02:00 EET

السبت ٢٥ مارس ٢٠١٧

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

ميشيل حنا الحاج
يتساءل المراقب عن الأسباب التي تستدعي وجود هذا العدد الضخم من التنظيمات المسلحة وغير المسلحة التي تقاتل في سوريا ضمن ما يوصف بالحرب الأهلية، علما أنه بدأ يظهر الأمر للمراقب، أن ما يجري على أرض سوريا هو اكبر من مجرد حرب أهلية. فقد شهدت منطقة الشرق الأوسط منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية أكثر من حرب اهلية كان احدها في الاردن  وأخرى في لبنان وثالثة في السودان، ومع ذلك لم تستدع اي من هذه الحروب الأهلية تواجد هذا العدد الكبير من التنظيمات المسلحة وغير المسلحة التي تقاتل في حرب كهذه ، كنما يجري حاليا ضد الدولة السورية.

فاالحرب الأهلية في الأردن في أيلول 1970 والتي عاصرتها وغطيتها اعلاميا، لم تستغرق الا بضعة ايام لم تتجاوز الأسبوعين، ولم   يشارك فيها ضد القوات الأردنية التي تمثل السلطة الرسمية، الا  ستة أو سبعة تنظيمات مسلحة أيرزها حركة فتح، الجبهة الشعبية، الجبهة الدمقراطية، (حماس لم تكن قد تواجدت بعد) اضافة الى تنظيمات أخرى قليلة وصغيرة.   لكن مجملها لم يزد على عدد أصابع اليدين بل أقل.

وكذلك كان الأمر في الحرب الأهلية اللبنانية التي عاصرتها وغطيتها ايضا اعلاميا، حيث بدأت عام 1975 وانتهت عام 1989 ، وكانت في مرحلة منها حتى نهايات عام 1982، امتدادا للحرب الأهلية الأردنية، اذ كانت تسعى لتصفية القوة الفلسطينية التي انتقلت من الأردن الى لبنان.... هذه الحرب أيضا كانت تضم في الجانب اللبناني في مرحلة ضعف الحكومة اللبنانية الرسمية، مجموعات مسلحة تدافع عن الشرعية اللبنانية وتتكون من حزب الكتائب، القوات اللبنانية - الجناح العسكري لحزب الكتائب الذي انشق لاحقا على قيادة الحزب، مقاتلي النمور التابعين لمجموعة الرئيس السابق كميل شمعون، ويعض التيارات الأخرى الصغيرة.  أما في الجانب الآخر  فقد كانت تضم القوات الفلسطينية المشتركة التي جمعت في قيادة موحدة التكتلات الفلسطينية القليلة سابقة الذكر، وقوات الجبهة الوطنية اللبنانية التي ضمن مقاتلين من الحركات والأحزاب الوطنية  كالمقاتلين الدروز المنتمين لمجموعة كمال جنبلاط، ومقااتلي الحركة القومية الناصرية المنتمين للنائب السابق نجاح واكيم، وقوات الحزب الشيوعي، وقوات الحزب القومي الاجتماعي ومجموعة مرابطون التي يقوددها ابراهيم قليلات والتي كانت تقوم بعمليات استعراضية وأمنية داخلية لكن لا تقاتل على جبهات القتال.

أما الحرب الأهلية في السودان، فقد كانت مع الجنوب السوداني المطالب بالاستقلال. كما كانت هناك حروب جانبية كما في دارفور وجنوب كردوفان اضافة الى جبهة النيل الأزرق.   لكن في كل من هذه الجبهات كانت هناك القوات الحكومية في جانب،   يقابلها في الجانب الآخر فئة او فئتين او ثلاث فئات مقاتلة في أقصى الحالات. وهذا يعني أن عدد المتقاتلين رغم تعدد الجبهات ربما  يتجاوز عدد أصابع اليدين.

أما على صعيد الحروب الأهلية القائمة حاليا كما في اليمن وفي لبيبيا، فلا بد ان نلاحظ أن الأطراف المتقاتلة في اليمن هي  المجموعات الموالية للرئيس المعترف به دوليا وهو عبد منصور هادي وقواته من الجيش الوطني والمليشيات المؤيدة والمؤازرة من قبل التحالف الخليجي،  يقابلها الحوثيون وجماعة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبين هؤلاء وهؤلاء يقف الحراك الجنوبي، وجماعة الدولة الاسلامية، اضافة الى تنظيم القاعدة.  ومع ذلك فان عدد هؤلاء مجتمعين لا يتجاوز عدد اصابع اليدين. وبالنسبة لليبيا ورغم أن ما يجري فيها لا يمكن تسميبته بالحرب الأهلية بل بالاضطراب السياسي، فان عدد المتخاصمين لا يتجاوز أصابع عدد اليد الواحدة وليس أصابع اليدين معا.  فهناك في طرابلس الحكومة المعترف بها دوليا والتي تسلمت السلطة استنادا لاتفاق الصخيرات، وهناك الحكومة التي كانت قائمة، لكنها لم تسلم تماما السلطة للحكومة الجديدة. كما أنه توجد هناك حكومة أخرى في طبرق التي انبثقت عن انتخابات شرعية اعترف بها دوليا.  وهناك جماعات الدولة الاسلامية في بعض المناطق الليبية القليلة. وهكذا تظل مراكز الصراع وأطرافه، قليلة ولا تتجاوز اصابع اليد الواحدة.

فاذا كانت تلك هي الظروف المعروفة لعدد الجهات المحاربة التي شاركت في الحروب الأهلية السابقة في المنطقة، وتلك الجارية حاليا، ينبغي أن نتوقف طويلا امام هذا العدد الهائل من مجموعات المعارضة المسلحة التي تشارك في الحرب الأهلية في سوريا. فما هو السبب وراء هذا العدد الكبير من التكتلات المعارضة سواء كانت مسلحة، ومعظمها تنظيمات مسلحة، مع وجود بعض أحزاب أو تجمعات معارضة غير مسلحة. ومن بين المجموعات المعارضة غير المسلحة معارضة القاهرة وتضم مجموعتين او ثلاث   وهناك مجموعة معارضة موسكو وهذه تضم مجموعتان وربما اكثر.  كما توجد معارضة دمشق  وتمثل حزبا أو حزبين معارضين ومتواجدين داخل دمشق، ولكنها تعارض معارضة سلمية.

مقابل هرلاء هناك نوعين من المعارضة المسلحة يتجاوز عددها المائة تنظيم. فهناك ما يقارب المائة منهم منضوون تحت راية مؤتمر المعارضة في الرياض. فهذه المجموعة تشمل معارضي القاهرة ومعارضي موسكو  السلميين لكونها معارضة لا تحمل السلاح، ولكن ليس بينهم المعارضون الأكراد كقوات الحماية الكردية او قوات جيش سوريا الدمقراطي ذو الغالبية الكردية، مع وجود مجموعة كردية صغيرة تعتمدها المعارضة المسلحة كممثلة للأكراد.   والى مجموعة الرياض التي تضم مائة مجموعة تقريبا كما رددت الأنباء ومنها من الأسماء البارزة: جيش الاسلام  وجيش سوريا الحر وكتائب الأقصى ونور الدين زنكي وغيرها أسماء عديدة يصعب تذكرها.  ولكن مقابل معارضة الرياض هناك معارضة أخرى مسلحة لم تشارك في الرياض، وبعضها مصنف بالمعارضة الارهابية كفتح الشام التي باتت  تضم بعد تسميتها الجديدة المعروفة بهيئة تحرير الشام، اربع تنظيمات اخرى اضافى للنصرة التي تقود التنظيم الجديد.  وفي مقابل اولئك هناك تنظيم احرار الشام الذي لم يشارك في مؤتمر الرياض أو شارك لكنه انسحب لاحقا. وهؤلاء لا يصنفون بالارهابيين مع أن روسيا تميل الى تصنيفهم بتلك الصفة.  ويضم  احرار الشام في صفوفهم  ثلاثة تنظيمات مسلحة متحالفة معهم.  أضف الى كل هذه المجموعات التي تقاتل على الأرض السورية، مجموعة أخرى في غاية الأهمية، وهي الدولة الاسلامية التي تقاتل الجميع في آن واحد، وذلك دون ان ننسى قوة الحماية الكردية وجيش سوريا الدمقراطي.

هل تعتتقدون بعد ذلك انني ابالغ عندما اقول ان الدولة السورية تجابه قرابة المائة وعشرينا تنظيما معا معظمها مسلحة، وتواجههم في آن واحد (دون الأخذ في الحسبان احتمال وجود خلايا سرية موالية للولايات المتحدة أو لاسرائيل)، الأمر الذي يستدعي التوقف عنده لكونه يشكل سابقة نادرة في تاريخ الحروب الأهلية في المنطقة، سواء الماضي منها أو الحروب الحالية، ويجعل الحرب الأهلية في سوريا نموذجا غريبا من الحروب الأهلية السابقة  او الحالية.   وهنا لا بد من مراجعة المسببات التي تستدعي هذا الموقف النادر في ظروفه وملابساته:

1) هل المطلوب عدم الاكتفاء بتجزئة سوريا الى دويلات صغيرة ، دولة سنية، دولة علوية، دولة شيعية، دولة مسيحية، دولة درزية، دولة كردية، بل المطلوب انشاء مائة وعشربن دويلة، كل تنظيم يقيم نظامه الخاص به على مساحة صغيرة من بقعة الأرض التي يسيطر عليها بمجموعته المسلحة.  فهذه هي الضمانة الوحيدة التي باتت لاسرائيل  لتطمئن الى امنها واستفرارها بعد ما حدث في حرب اوكتوبر 1973 عندما اجتاحت القوات السورية   بسرعة البرق هضبة الجولان ووصلت الى مشارف صفد.   وقد عبرت رئيسة وزراء اسرائيل آنئذ جولدا مائير         عن مخاوفها في مذكراتها، فكتبت تقول أنها في لحظة ما قد أحست بأن اسرائيل قد انتهت.  وبالتالي بات الساسة الاسرائيليون غير راغبين في بقاء سوريا دولة موحدة، بل لم يعودوا واثقين من بقائها دولة مجزأة الى دويلات، فهذه قد تتفق فيما بينها. أما عندما تتجزأ الى مائة دويلة، فأي احتمال يبقى أمامها  للتوحد؟

2) وراء التعدد الكثيف أهداف أخرى، منها احباط محاولات التوصل الى سلام والى انهاء حالة الاقتتال.   فكلما تقرر انعقاد مؤتمر جنيف  تتدخل بعض الفصائل لاعادة اثارة الاضطراب والحيلولة دزن بقاء الحوار مستمرا في المؤتمر, وغالبا ما ينتهي الأمر ، كما بحدث الآن مع انعقاد جنيف أربعة، الى توقفه عن العمل بعد الهجمة الكبرى على بعض أحياء دمشق وفي ريف حماه، وهي هجمة تشارك فيه تكتل احرار الشام  وتكتل هيئة فتج الشام  ويشاركهم في ذلك فيلق الرحمن حديث الظهور كلاعب عسكؤي وسياسي هام اضافة الى كونه ضمن الوفد المعارض المتواجد للمشاركة في المفاوضات في جنيف.  فعندما تكون بصدد مائة وعشرين تنظيما معارضا معظمهم من المعارضة المسلحة، بصبح عندئذ من المتعذر على هؤلاء التفاهم  على خطة واحدة   سواء خطة سلام او خطة حرب. فالمطلوب هو بقاء الفوضى الخلاقة ...  خلاقة.  ترى الم ترو الكتب الدينية ان الله عندما اراد ان يعاقب بناة بابل الساعين لبلوغ عنان السماء، أن أصابهم بلوثة تعدد اللغات وعدم فهم أحدهم على الآخر بسبب تعددهم وتشتتهم.

3) ان سوريا هي الخطر الأهم على اسرائيل بعد تحييد الجيشين المصري والأردني باتفاقيتي سلام.   أما العراق فهي خطر آخر لكنه اقل الحاحا بسبب بعد العراق الجغرافي. كما أن حرب 1991 ضدها ثم غزوها عام 2003  وظهور الدولة الاسلامية لاحقا لتسيطر على ثلثي أراضيها،  قد تسبب للعراق بما يكفي  من ضرر وانشغال باصلاح المتاعب التي افرزتها للعراق. فاذا اشتد عود العراق ثانية،  ستكون هناك تدابير أخرى، ربما هي الآن طور الاعداد، كما تحافظ اسرائيل على أمنها والاطمئنان الى أيام سلام قادمة لا محالة.

قد يعتقد البعض أن الحرب الدائرة في العراق ضد الدولة الاسلامية  وآخر مراحلها في الموصل، وكذلك الحرب ضد الدولة الاسلامية القائمة في سوريا، ستنهي فعلا الدولة الاسلامية او فكرها الارهابي. لكن ذلك لن يحدث، لأن الفكر المتشدد لا بد أن يقابله فكر مقابل. فاذا لم يوجد، فان المنتمين للدولة الاسلامية،  والذين انشقوا اصلا عن انتمائهم لتنظيم القاعدة، سيعودون أدراجهم الى تنظيم القاعدة...الى جبهة النصرة، وعندئذ لا يكون الغرب قد فعل شيئا غير تقوية جبهة النصرة تقوية كبيرة  مما يجعلها أكثر خطرا على سوريا وعلى دول الجوار، ويجعل قدرتها على رفض الحلول السلمية وعلى احباطها، في مستوى سيفوق كل التوقفعات، علما أن الاعتماد الروسي على الحجليف التركي، قد يكون اعتمادا خاطئا. فتركيا لا تسعى من وراء تحسبن علاقتها بروسيا، الا ابتزاز مزيد من أموال دول الخليج،  والحصول على تنازلات من الدول الأوروبية. فالحرب السورية كانت ولم تزل مصدر رزق لها كما يبدو، ويرجح بأنها لا تنوي التخلي عن منافعها بدليل ظهور صاروخ أرض جو المفاجىء لدى جبهة النصرة والذي به أسقطت طائرة ميغ 25 سورية، وأستحدمت أساحة حديثة أخرى وصلتها لتتجرأ على مهاجمة دمشق ... عاصمة الدولة السورية ذاتها. 
كاتب ومفكر عربي
مستشار في المركز الأوروبي لمكافحة الارهاب والاستخبار - برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي - واشنطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع