حديث آخر الشهر

د. مينا ملاك عازر
أحدثكم اليوم أصدقائي القراء عما ليس له علاقة بالوراثة، وما له علاقة بانتقال الثروة، وإن كنت أرى تشابه بين انتقال الثروة وانتقال السلطة إلا أنني أفضل في حديث آخر الشهر الحديث عن انتقال الثروة فيما يعرف بالإرث.

فهناك من يورث للأجيال التالية ديوناً وقروضاً، وهناك من يورثهم جهله وغبائه، وهناك من يورثهم استبداديته وديكتاتوريته، والعجيب أن في كل المواريث لا يلفت الانتباه إلا ما تم توريثه من مال، والورث الحقيقي من أخلاق وعقل راجح يتجاهله الجميع.

ستقول لي صديقي القارئ، أنت نفسك قلت سأتكلم عن ورث انتقال الثروة، ولم تتحدث عن الباقي، ما يعني أنك أنت نفسك تهتم فقط بالمال، أقول لك هذا ليس صحيح صديقي، فمن قال أن الثروة مال؟ فالثروة علم ينتفع به أو جهل يجيب الجميع ورا، أو عند، وأسوء ما يورث هو العند، والعند يورث  الكفر، وحضرتك تعرف أجيال توارثتا فيها العند عن بعضها والجهل والفقر، وسلمت الغموض لبعضها البعض، حتى أصبح  ذلك دأبهم وديدنهم.

وفي لحظات تورث الأجيال لبعضها البعض ما هو أسوء من الديون المالية ألا وهو فقر الفكر وانعدام الرؤية والتصلب في الرأي، بل أنني أعرف أنظمة سياسية توارثت عن سابقيها ذلك الشيء المقيت وهو الاختلاف مع الشعب والمنطق والفكر وثقتها في أنها صح، ما يجعلها تتعامى عن أي ضوء يقودها في ذلك النفق الدامس الذي تجر إليه وفيه الوطن.

وبمناسبة الأنظمة السياسية المتوارثة كل ما هو رديء عن سابقيها، أعرف نظام يعاير شعبه بأنه ورث تركة مثقلة بالديون، فقرر أن يزيدها، وورث العند في تعديل الوزراء واختيارهم، وورث الإصرار على أن رجاله هم الوطنيون الوحيدون في البلد، وورث أيضاً إهمال التعليم وإبقائه  في أدنى مستوياته، بل أنه يحاول زيادة ما ورثه سوءً على سوئه ليبقى شعبه تائه وكأنه لم يتعظ من ثورة الشعب حتى أنه يرث كل أخطاء الأنظمة السابقة ويكررها بنفس الطريقة، بل في بعض الأحيان بطرق أسوأ، وأكثر فجاجة للأسف.

دعك عزيزي القارئ، مرة أخرى من الأنظمة وما تورثه لبعضها البعض، ولنأتي للشعوب وما تورثه، فالشعوب تتوارث أمثال شعبية رديئة تكفل لحاكميها دلدلة رجليهم، وتتوارث الشعوب أيضاً الصبر ما يزيد حكامهم ظلم وطغياناً، وتتوارث الشعوب تدليل حكامها وتصديقهم وتبرير خطاياهم وأخطاءهم حتى يستبيحوا هؤلاء الحكام فعل كل شيء للأسف.

المختصر المفيد اختاروا ما ترثوه وإلا ورثتم نفس الأنظمة بأشكال أخرى.