طارق البشرى...المتـحول
عماد توماس
٤٣:
١٠
ص +02:00 EET
الاربعاء ١٦ فبراير ٢٠١١
كتب: عماد توماس
منذ اختيار المستشار الدكتور طارق البشرى من قبل المجلس العسكري الحاكم في مصر كرئيس للجنة صياغة وتعديل بعض مواد الدستور المصري، وحالة من الجدل الشديد انتابت المصريين بين مؤيد ومعارض، فالمؤيدين يعتبرونه فقيها قانونيًا وله إسهامات فكرية ويحظى بتاريخ مهني مميز، فقد شغل منصب نائب برئيس مجلس الدولة، ورئيس الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع عدة سنوات.
أما المعارضون لاختياره فيرونه احد كوادر تيار الإسلام السياسي، بل واحد المروجين للمرجعية الدينية، وهو ما يتناقض مع الدولة المدنية الحديثة التي يشدو إليها عدد كبير من المصريين، وأبدت بعض جمعيات حقوق المرأة قلقها من اختيار البشرى فلم يظهر للرجل من قبل اى بوادر عن مساواة الرجل مع المرأة. وكما يرى المعارضين أن اختيار البشرى مغازلة من القوات المسلحة للإخوان المسلمين لإرضائهم، وهو ما دعي البعض أن يتذكر نفس السيناريو الذي حدث بعد ثورة أو انقلاب 1952 عندما تحالف الجيش مع الإخوان ثم بعد ذلك استغنى عنهم
المحايدون يرون أن اختيار البشرى سيكون فقط لتعديل بعض المواد الخاصة بالانتخابات الرئاسية، وبالتالي فلن يكون هناك تطرق إلى المادة الثانية من الدستور، كما لا يتوقع كثيرون أن يصيغ البشرى مع لجنته بعض العبارات التي تحول من ترشح المرأة والقبطي للرئاسة-مثلما جاء في برنامج الإخوان المسلمين منذ عدة سنوات.
البشرى وموقفه من الكنيسة القبطية
في أكتوبر الماضي، كتب البشرى سلسلة مقالات مطولة بصحيفة "الشروق" القاهرية، تحت عنوان " الإدارة الكنسية .. بين الجماعة الوطنية ونظام الملة " وفى هذه المقالات راوغ البشرى فيها حتى يصل إلى فكرة أن الكنيسة "دولة داخل دولة" باعتبار أن الكنيسة لا تنفذ أحكام الزواج والطلاق التي تتعارض مع شريعتها أو أن الكنيسة تقوم بتعداد أتباعها عن طريق كشوف الافتقاد بعيدا عن الجهاز القومي للتعبئة والإحصاء
ففي حكم المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بإلزام الكنيسة الأرثوذكسية والبابا شنودة باستخراج تصريح زواج لشخص مسيحي مطلق. اعتبر البشرى : "عدم تنفيذ الكنيسة حكما نهائيا، خروج على الدولة قضاء وقانونا بما تمثله الدولة من تعبير عن الجماعة الوطنية، وهو خروج على الشرعية السائدة في المجتمع، بمعنى أن القول السابق من شأنه أن يخرج الكنيسة بإرادتها من الخضوع للدولة الممثلة للجماعة الوطنية".
في تعليقه، على أزمة دير "أبو فانا" –الذي تعرض رهبانه إلى الاعتداء من قبل بعد الإعراب- يقول البشرى : "لم تجر العادة أن تحاط الأرض الزراعية بأسوار حجرية. ولكنه نوع من «الإفراط في الحرص على الخصوصية»، نسميه كذلك متبعين طريقة أحمد لطفي السيد إمام مؤتمر سنة 1910 من وصفه التشدد القبطي في مواجهة الجماعة الوطنية بأنه «إفراط في التضامن» وكلا التعبيرين يفيد العزلة".
وكان عليه إن يسأل ما الذي يجعل الرهبان يطلبون تعليه السور إن كانوا آمنين فيه ولم يتعرضوا لاعتداءات، وهو نفس التساؤل المطروح ما الذي جعل المصريين جميعا في هجمة البلطجية الأخيرة أن يخرجوا بالشوم والسكاكين ويغلقوا أبواب منازلهم ؟
الجماعة الوطنية ونظام الملة
في حديثه عن الجماعة الوطنية، يدس البشرى السم في العسل، فهو يرى أن تصريحات المسئولين عن الكنيسة القبطية بمصر في الآونة الأخيرة، والتصريح بعدم الخضوع للقوانين وللقضاء المصري إلا ما كان موافقا لما تراه الكنيسة رأى المسيحية في كل حالة، إن من شأن ذلك على مدى زمن ما إن يخرج جماعة من المصريين من مجال الجماعة الوطنية العامة، كما أن الاستشهاد في هذه التصريحات الانعزالية بفقه الشريعة الإسلامية، إن ذلك من شأنه أن يعيد نظام الملة إلى سابق عهده، وهو يخرج عن مفهوم المواطنة الذي نرفعه عبر أجيال مضت وتجيء ونقيمه على أسس نظرية وشرعية يقوم بها الاندماج الحياتي بين المصريين جميعا.
ويضيف "البشرى" : لقد بذلنا الجهود ليتسع الفقه الإسلامي لاستيعاب مفهوم الجماعة الوطنية بالمساواة الكاملة بين مكوناتها، فإذا جاء اليوم في تصريحات هؤلاء المسئولين ما يعيد نظام الملة.
في احد مؤلفاته، يؤكد "البشرى" على أن أسس المساواة والمشاركة تأتى من داخل الفقه الإسلامي"
وأن "مصر دولة إسلامية " .
التحول من العلمانية للإسلام السياسي
في احد حواراته يقول طارق البشرى، أن لحظات تحوله كانت بعد هزيمة 1967 التي جعلته يفكر ويسأل نفسه، عن مسلماته وعن أسباب الهزيمة، وبدأت قراءاته وأفكاره تختلف فبعد أن كان الاهتمام بالأدب العربي ثم الأدب الأجنبي والمسرح والقصة فقد اهتمامه بالمتابعة الأدبية وأصبح يشعر بأنها لا تغذيه ولا تجيب على الأسئلة التي في ذهنه وبدأ يسأل نفسه
كيف تكون إرادتنا السياسية ملكًا لنا، فوجد أن ذلك يمكن إن يحدث من خلال الجانب العقيدي والتاريخي والحضاري وبدا يترك العلمانية، ففي رأيه أن العلمانية حينما تقول له استقل سياسيًا واقتصاديًا تفقده الهوية وإرادة الاستقلال، من هنا بدا له أن الفكر العلماني في مأزق لأنه يؤدي إلى تجريد الإنسان من هويته المرتبطة بعقيدته وحضارته، بالإضافة إلى أنها مناقضة لقيم الديمقراطية لأن الديمقراطية في النهاية تكوينات شعبية لها استقلالية ذاتية-بحسب رأيه.
محاولة لفهم الواقع والحاضر
فى مقال بالشروق تحت عنوان "محاولة لفهم الواقع والحاضر" نشر منذ حوالى عام – تحديدا 26 فبراير 2010، تحدث فيه "البشرى" عن اختيار رئيسا للجمهورية قال فيه " من الصعب جدا على المصريين أن يجدوا من بينهم من يصلح رئيسا للنظام المرتجى، وبغير إدراك أيضا لأن القوى السياسية التى ستزيح الوضع القائم وتغيره، هى ذاتها التى سيخرج من ثناياها من يعبر عن الوضع الجديد ويصلح لرئاسته، وبغير إدراك لبديهة سياسية وهى أن من ينتصر هو من سيتولى".
سيرة ذاتية
يبقى أن نذكر، أن الدكتور طارق البشرى، ولد في 1 نوفمبر 1933 بحي الحلمية بالقاهرة في أسرة البشري التي ترجع إلى محلة بشر في مركز شبراخيت في محافظة البحيرة في مصر.
تولى جده لأبيه سليم البشري، شيخ السادة المالكية في مصر - شياخة الأزهر، وكان والده المستشار عبد الفتاح البشري رئيس محكمة الاستئناف حتى وفاته سنة 1951، كما أن عمه عبد العزيز البشري أديب.
تخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة سنة 1953، عين بعدها في مجلس الدولة واستمر في العمل به حتى تقاعده سنة 1998.