الأقباط متحدون - تحولات العولمة الليبرالية: الدول والسياسات العامة فى الشرق الأوسط (7)
  • ٠٤:٢٠
  • الأحد , ٢ ابريل ٢٠١٧
English version

تحولات العولمة الليبرالية: الدول والسياسات العامة فى الشرق الأوسط (7)

مقالات مختارة | بقلم :جهاد عودة

٢٧: ١١ ص +02:00 EET

الأحد ٢ ابريل ٢٠١٧

جهاد عودة
جهاد عودة

 في أواخر عام 2013، تصاعدت حدة الصراع بين الأوكرانيين المؤيدين للاتحاد الأوروبي والأوكرانيين الموالين لروسيا، حتي بلغت مستويات عنيفة، ما أدى إلى رحيل الرئيس فيكتور يانوكوفيتش في فبراير عام 2014، وتأججت نيران أكبر مواجهة بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة.

 
من العوامل الرئيسية التي تداخلت في الأزمة والتي أدت إلى انطلاق احتجاجات دامية، كان إقصاء يانوكوفيتش من منصبه، بسبب رفضه لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي التي كان من شأنها أن تفتح أبواب التجارة وتزيد من تكامل أوكرانيا مع هذه الكتلة الأوروبية.
 
 هذه الإتفاقية كانت مربوطة بقرض بـ17 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. ولكن بدلاً من ذلك، اختار يانوكوفيتش حزمة مساعدات روسية بقيمة 15 نتيجة بحث الصور عن جهاد عودةمليار دولار، بالإضافة إلى خصم بنسبة 33 % على الغاز الطبيعي الروسي.
 
ثم تغيرت العلاقة مع المؤسسات المالية الدولية بسرعة في ظل الحكومة المؤيدة للاتحاد الأوروبي التي تشكلت في نهاية فبراير 2014، والتي قبلت حزمة مالية من صندوق النقد الدولي بملايين الدولارات في مايو 2014.
 
وعند إعلانه عن برنامج مساعدات بقيمة 3.5 مليار دولار يوم 22 مايو، أشاد رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم، بالسلطات الأوكرانية لوضع برنامج شامل للإصلاحات والتزامها بتنفيذه بدعم من مجموعة البنك الدولي، لكنه لم يذكر الشروط الليبرالية الجديدة التي فرضها البنك الدولي لإقراض المال ومن بينها أن تحد الحكومة من سلطتها الذاتية عن طريق إزالة القيود التي تعيق المنافسة والحد من رقابة الدولة علي الأنشطة الاقتصادية.
 
هذا الاندفاع لتقديم حزم مساعدات جديدة إلى البلاد تحت الحكومة الجديدة، والذي يتماشى مع أجندة الليبرالية الجديدة، كان يعتبر بمثابة مكافأة من المؤسستين "البنك الدولي وصندوق النقد الدولي".
 
بيد أن الواقع هو أن المنافسة بين الشرق والغرب عبر أوكرانيا تنصب علي السيطرة على الموارد الطبيعية، بما في ذلك اليورانيوم والمعادن الأخرى، وكذلك القضايا الجيوسياسية مثل عضوية أوكرانيا في منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، كذلك الرهانات حول القطاع الزراعي الواسع النطاق في أوكرانيا، - ثالث أكبر مصدر للذرة وخامس أكبر مصدر للقمح في العالم- تشكل عاملاً حاسماً جري تجاهله، فبحقولها الوافرة من التربة السوداء الخصبة التي تسمح بحجم عالي من الإنتاج، تعد أوكرانيا سلة الغذاء لأوروبا. 
 
في العقد الماضي، اتسمت القطاع الزراعي بالتركيز المتزايد علي الإنتاج في إطار الحيازات الزراعية الكبيرة جداً التي تستخدم نظم الزراعة المكثفة واسعة النطاق، ليس من المستغرب إذن، تواجد الشركات الأجنبية هذا في القطاع الزراعي وحجم الحيازات الزراعية، وكلاهما ينمو بسرعة، بأكثر من 1.6 مليون هكتار لحساب الشركات الأجنبية للأغراض الزراعية في السنوات الأخيرة.
 
والآن الهدف هو وضع السياسات التي تفيد الشركات الغربية، ففي حين أن أوكرانيا لا تسمح باستخدام الكائنات المعدلة وراثياً في الزراعة، تتضمن المادة 404 من اتفاقية الاتحاد الأوروبي، والتي تتعلق بالزراعة، شرطاً لم يلتفت إليه أحد عموما: أن يتعاون الطرفان على توسيع نطاق استخدام التكنولوجيات الحيوية. 
 
والآن، نظراً للتناحر من أجل الموارد في أوكرانيا، وتدفق المستثمرين الأجانب في قطاع الزراعة، يصبح السؤال المهم هو ما إذا كانت نتائج البرنامج ستفيد أوكرانيا ومزارعيها من خلال تأمين حقوق ممتلكاتهم، أم أنها ستمهد الطريق أمام الشركات للحصول بسهولة أكبر علي الملكية والأراضي.
 
وهكذا، من خلال تشجيع الإصلاحات مثل تحرير أسواق البذور والأسمدة، يجبرون القطاع الزراعي في أوكرانيا علي الانفتاح علي مصراعيه أمام الشركات الأجنبية مثل "مونسانتو" و "دوبون"،  وكذلك يبدو أن أنشطة البنك الدولي وبرامج القروض والإصلاح في أوكرانيا تعمل نحو توسع الحيازات الصناعية 
 
صورة ذات صلة
الكبيرة في الزراعة الأوكرانية المملوكة لجهات أجنبية.
 
وفي خضم الاضطرابات الحالية، يضغط كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الآن لمزيد من الإصلاحات لتحسين مناخ الأعمال وزيادة الاستثمار الخاص.
 
 وفي شهر مارس عام 2014، رحب رئيس الوزراء المؤقت السابق، أرنسينيج ياتسينيوك، بالإصلاحات الهيكلية الصارمة والمؤلمة كجزء من حزمة قروض البنك الدولي بقدر 17 مليار دولار، نافياً الحاجة إلى التفاوض بشأن أي شرط من الشروط.
 
إصلاحات التقشف هذه التي يفرضها صندوق النقد الدولي تؤثر على السياسات النقدية وسعر الصرف والقطاع المالي والسياسات المالية، وقطاع الطاقة، والحكم، ومناخ الأعمال. كما أن القرض هو أيضا شرط مسبق للإفراج عن مزيد من الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة،  فإذا تم اعتمادها بشكل كامل، قد تؤدي هذه الإصلاحات إلى زيادات كبيرة في أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية، وزيادة بنسبة47-66 % في معدلات ضريبة الدخل الشخصي، وزيادة بنسبة 50 % في فواتير الغاز، ويخشي أن تأتي هذه التدابير بتأثير إجتماعي مدمر يؤدى إلى انهيار مستوى المعيشة وزيادة كبيرة في الفقر.
 
 ورغم أن أوكرانيا بدأت في تنفيذ الإصلاحات المواتية لقطاع الاعمال في عهد الرئيس يانوكوفيتش من خلال مشروع "مناخ الخدمات الاستثمارية وتبسيط إجراءات التجارة ونقل الملكية في أوكرانيا"، لم تتبلور طموحه في تقييد البلاد بمعايير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، في مجالات أخرى من السياسات والولاء لروسيا، ما أدي في النهاية إلى إبعاده من منصبه.  وهكذا، بعد تنصيب حكومة موالية للغرب، تم التعجيل بتنفيذ عملية التكيف الهيكلي التي تقودها المؤسسات الدولية جنباً إلى جنب مع زيادة في الاستثمار الأجنبي، بغية تحقيق مزيد من التوسع في مجال الاستحواذ واسع النطاق على الأراضي الزراعية من قبل الشركات الأجنبية ومزيد من نفوذها على الزراعة في البلاد.
 
تفيد تجربة برامج التكيف الهيكلي في جميع أنحاء العالم النامي، أن ذلك سيزيد من السيطرة الأجنبية على الاقتصاد الأوكراني، فضلاً عن زيادة الفقر وعدم المساواة، وهكذا يصبح من غير الواضح كيف سيؤدي تأهب القوى الغربية لفرض عقوبات على روسيا لما تعتبره تجاوزات في أوكرانيا، وكذلك هذا البرامج والشروط التي فرضها البنك الدولي.
 
مع أن النصف الثاني من القرن العشرين كان غارقاً في وحول الحرب الباردة، إلا أنها كانت فترة ارتفعت فيها مستويات المعيشة عبر الكوكب بشكل كبير، واعتمدت كثير من التطورات التقنية والصناعية، خلال هذه الفترة، على قدرتنا على الحصول على الموارد الطبيعية غير المحدودة وترويضها واستثمارها، وبينما يبدو أن هذه الموارد حفّزت النمو في الكثير من أنحاء العالم إلا أنها توجد في بعض أكثر المناطق هشاشة على المستوى الاجتماعي والسياسي والبيئي.
 
وكثيرًا ما تجد الدول الغنية بالموارد نفسها في قاع مؤشر الدول الفاشلة، وكي تزداد الأمور تعقيدًا حدثت أكثر من 90 % من الصراعات المسلحة الكبرى في دول لديها مناطق تنوع حيوي مشتعلة - مناطق تنوع حيوي بها مخزون كبير من التنوع الحيوي يقع تحت تهديد البشر - تقع في غرب وشرق أفريقيا وعبر البحر المتوسط والقوقاز وجنوب شرق أسيا وفي مناطق كبيرة من أمريكا اللاتينية.
 
وتقوم الحرب في أوروبا اليوم بشكل أقل بين الأطراف المتنافسة، لكن في مستعمراتها السابقة الغنية بالموارد يكون لدى المتحاربين عادة احتياجات وشكاوى وأهداف محليّة، وقد ساعدت المؤسسات الدولية، في القرن العشرين، على إرشاد العالم عبر فترة من النمو غير المسبوق، ولكنها لم تنجح في مجابهة تهديدات القرن الواحد والعشرين من قبيل ارتفاع عدم المساواة والصراعات عبر الدول والاحتباس الحراري. 
 
يمكن للموارد الطبيعية أن تقوم بدور المحفّز للصراعات أو التعاون أو أن تطيل من أمد صراع دموي أو أن تلعب دورًا أساسيًا في عملية ما بعد الصراع.
 
إن مجال الحفاظ على السلام البيئي الصاعد - والذي يدمج إدراة الموارد الطبيعية مع منع وتخفيف وحل الصراع والتعافي منه لبناء القوة في المجتمعات المتأثرة بالصراع - يقدّم استراتيجيات معاصرة تستطيع مخاطبة المشكلات المتصلة بتطوير الموارد الطبيعية في المناطق المعرّضة للصراعات.
 
وكثيرًا ما يؤثّر الصراع في العالم النامي على الفقراء وبشكل أساسي على سكان الريف الذين يناضلون للحفاظ على إمكانية وصولهم إلى الموارد التي 
 
نتيجة بحث الصور عن العولمة 
يعتمدون عليها في كسب قوتهم.
 
في تقييم الأمم المتحدة للتنمية في الألفية تم إبراز اعتماد الإنسان على "توافر" خدمات النظام البيئي - الماء والطعام والأغذية والطاقة ومواد البناء - التي توفّر للإنسان البضائع والخدمات التي يعتمد عليها والأساسية بالنسبة لحياته ورفاهيته.
 
تعتمد كثير من الدول النامية في دخلها بشكل كبير على الموارد الطبيعية ويمكن أن يكون للسيطرة على الموارد الطبيعية تبعات مهمة للمجتمعات المحلية في دول كثيرًا ما تُحكم بشكل ضعيف.
 
ادعاءات أصحاب المصلحة المتنافسين بالأحقية في ثروات الموارد الطبيعية أو في الحصول على موارد شحيحة يمكن أن تزيد من جدوى أو إمكانية حدوث الصراعات.
 
وشهدت جواتيمالا ونيبال وسيراليون صعود انعدام العدالة في الوصول إلى الأراضي، كسبب ضمني لصراعاتهم كل بحسب دوره، الموارد مرتفعة القيمة، مثل النفط والغاز والمعادن، يمكن أن تدعم الحركات الانفصالية والمجموعات غير الرسمية الأخرى التي تسعى للسيطرة على الاقتصاد الإقليمي وتطويره.
 
المشاركة في ثروات الموارد الطبيعية كانت مصدر شكوى مهم في الأزمة القائمة في اليمن، وخلال حركة انفصال جنوب السودان، وفي الانتفاضة بسبب عوائد النحاس في بابوا غينيا الجديدة.
 
الصراعات عبر الدول كثيرًا ما تتضمن عدة متصارعين محليين أو إقليميين  - انظر إلى الكونجو الديمقراطية واليمن والسودان - وجميعهم يحتاج إلى وسائل لشراء الأسلحة والدفع للجنود وتأمين الولاءات، ومثل هذا البحث عن الدخل قد يمكن تطبيقه عبر "فرض الضرائب" على الصناعات الموجودة أو بأن تتولى مجموعة السيطرة المباشرة على مورد طبيعي.
 
وقد كان للثروة الآتية من موارد متصارع عليها تأثيرًا كبيرًا على الصراعات في سيراليون (الماس) وليبريا (الخشب) وأفغانستان (الخشخاش).
 
وفي خضم الصراع وبينما تسعى المجموعات لإضعاف منافسيها يمكن أن تصبح الموارد الطبيعية والبيئية ضحية للدمار المتعمّد والعرضي، كما حدث في كولومبيا عندما رمى ثوار فراك بإثنين مليون برميل من النفط عبر أحواض الأنديز والمستنقعات الاستوائية بعد مهاجمة البنية التحتية لخطوط الأنابيب، ويوضح برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن اللاجئين والمهاجرين الداخليين يمكن أن يؤثروا سلبًا على البيئة حيث إنهم يضعوا ضغطًا على مناطق جديدة بينما نتيجة بحث الصور عن العولمة يفرّون من مناطق الصراع.
 
كما تغيّرت الصراعات في الفترة التالية على الحرب العالمية الثانية كذلك تغيرت استراتيجيات بناء السلام التي تم تبنيها كي تعكس المباديء والاحتياجات لمن هم في مناطق الصراع المعاصرة.
 
يمكن للموارد الطبيعية أن تشكل الظروف التي كثيرًا ما تزيد من الصراع ومن جدوى الثروات التي يمكن أن يتم جنيها أو أن تمد من أمد الصراع وتعقده، وإن كان للموارد الطبيعية مثل هذا التأثير على الصراع فما الذي يمكن أن يكون عليه وقعها في منع الصراعات أو في المصالحة؟.
 
إن مجتمع بناة السلام البيئي المتنامي - وتقوده UNEP ومؤسسة القانون البيئي ELI وجامعة ماك جيل وجامعة طوكيو - يبدأ في التعامل بشكل أكثر فاعلية مع الدور الذي تلعبه الموارد الطبيعية في المناطق التي تتأثر بالصراعات عن طريق دمج التحكم في البيئة والموارد الطبيعية مع بناء السلام التقليدي ومنع الصراعات وتخفيفها وحلها والتعافي منها لمساعدة المجتمعات المعرّضة للصراع حول الموارد في أن تصبح أكثر صلابة أمام الأزمات المستقبلية.
 
إن أغلب مبادرات السلام الواعية للبيئة تقع في أحد هذه التصنيفات المتداخلة جزئيًا:
 
- المبادرات المصممة لمنع الصراعات المتعلقة بشكل مباشر بالبيئة؛
 
- المجهودات في بدء والحفاظ على الحوار حول التعاون البيئي عبر الحدود بما في ذلك خلق المناطق المحمية العابرة للحدود (TPA)؛
 
- المبادرات الساعية إلى سلام مستديم بتشجيع شروط تنمية الموارد المستدامة والمنصفة؛
 
- التعاون بين الأطراف المتعادية حول الشؤون البيئية والتنمية المنصفة للموارد الطبيعية يهدفان إلى خلق عائدات سلام من خلال إطار يضمن جميع المجتمعات في أي دولة صلبة ولديها دافع للمساهمة في سلام طويل الأمد وفي مبادرات استقرار.
 
أوضح السكرتير العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أهمية دمج الموارد الطبيعية في صناعة السلام في تقريره لعام 2010 عن بناء السلام في الأعقاب المباشرة للصراع حيث قال إن الموارد الطبيعية هي أحد وجوه "القلق المتزايد حيث سيكون هناك احتياج لجهود أكبر"، ودعى عددًا من الدول إلى جعل "تخصيص الموارد الطبيعية وملكيتها والحصول عليها جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات بناء السلام". 
 
وقد تم القيام بأبحاث كثيرة عن دور الموارد الطبيعية في بداية الصراعات واستمرارها ولكن هناك أبحاث أقل عن كيف يمكن أن تستخدم في محيط ما بعد الصراعات. والدول الخارجة من الصراعات العنيفة يمكن أن تواجه فرصة تبلغ احتماليتها 44 % في أن يعود الصراع خلال عشر سنوات، أما في حالة الصراعات المتعلقة بالموارد الطبيعية فإن العودة للصراع تكون بمعدل أعلى، مما يدل على أن هناك احتياج ملحّ للتوجه على نحو أكثر فعالية في بناء سلام بعد الصراعات.
 
على مدار العقد المقبل سينمو سكان العالم من 7 مليارات إلى 9 مليارات نسمة، وسيؤدي الطلب المتزايد على الموارد الطبيعية، الناتج عن ذلك النمو السكاني الهائل، إلى تشكيل ضغوط غير عادية على أسواق المواد الأولية، كما يمكن أن يؤدي لحدوث صراعات على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، خصوصاً على أساليب الوصول لتلك الموارد وطرق استغلالها والتحكم فيها.
 
وقد انتهت "أكاديمية ترانس أتلانتك" في الآونة الأخيرة من طبع بحث علمي حول هذه الموضوعات (وكنت أحد المشاركين في إعداده)، تحت عنوان "صلة الوصل بين الموارد على المستوى العالمي: الصراع من أجل الأرض والطاقة والطعام والماء والمعادن".
 
والنقطة الأساسية في ذلك البحث، هي أنه كي يمكن لنا تقدير التأثير الكامل للطلب المتزايد على الموارد الطبيعية المتعددة، فإن تحليلاً يحدد أسس وأنماط التفاعل بينها سوف يكون ضرورياً للغاية.
 
وإذا ما نظرنا على سبيل المثال، إلى الإنتاج المتزايد لمادتي النفط والغاز الطبيعي، في مختلف أنحاء العالم، فإننا سنجد أن تلك الزيادة الإنتاجية تمثل خبراً جيداً في حد ذاتها، إذ ستحيل إلى الاستيداع تلك التنبؤات المتشائمة التي سادت زمنا حول ما يعرف بـ"نقطة ذروة النفط"، ونفاذ الغاز الطبيعي من العالم. فبفضل التقنيات الحديثة أصبحنا نقرأ عن اكتشافات حديثة للنفط والغاز الطبيعي، وعلى وجه الخصوص النفط الثقيل والغاز الصخري، على نحو شهري تقريباً. 
 
لكن يجب علينا في هذا الخصوص أن نعرف بأنه لكي نتمكن من استخراج الغاز الصخري فإن هناك حاجة لاستخدام كميات ضخمة من المياه العذبة، وهو أمر يمثل مشكلة كبيرة في واقع الأمر، وذلك نظراً للحاجة الماسة إلى تلك المياه من أجل الاستخدام البشري، خاصة وأن المياه تعتبر مصدراً حيوياً لإنتاج الأغذية التي يحتاجها هذا العدد المتزايد من سكان العالم.
 
وفي المناطق التي تقل فيها كميات المياه العذبة، مثل جنوب غرب الولايات المتحدة الأميركية والشرق الأوسط، فإن التنافس على استخراج المياه والحصول عليها، يمكن أن يتحول لمشكلة خطيرة في المستقبل. فخلال صيف عام 2011 كانت ظروف الجفاف في ولاية تكساس تعني أن منتجي الغاز الصخري والمزارعين هناك كانوا مضطرين للتنافس على الوصول لنفس مصادر المياه العذبة المتناقصة.
 
وفي النهاية، وحلا لتلك التنافسات والإشكالات التي حدثت، تم التوصل لعدة اتفاقيات، ورغم التزام الجميع بتلك الاتفاقيات إلا أن المحصلة النهائية كانت هي نتيجة بحث الصور عن العولمة أن الإنتاج الصافي للغاز في تلك المنطقة قد انخفض، كما فقد المزارعون هناك محاصيلهم وماشيتهم، أي أن النتيجة كانت سلبية في العموم.
 
وهناك مثال آخر على تلك التغييرات يتعلق بـ"ثورة الوقود الحيوي" فمن المعروف أن أنواع الوقود الحيوي، يتم إنتاجها من بعض مكونات "الكتلة الحيوية"، مثل قصب السكر، والذرة، والعلف، والأشجار، والحشائش (نظرياً حتى الآن بالنسبة للمكونين الأخيرين).
 
وأهم استخدم للوقود الحيوي هو استخدامه كمكمل للبنزين في السيارات، وقد كانت البرازيل رائدة في استخدام أنواع الوقود الحيوي في تلك الأيام التي كان عليها أن تستورد كل ما تحتاج إليه من نفط من الخارج.
 
ومنذ ذلك الوقت أصبح الوقود الحيوي بمثابة إضافة واسعة الاستعمال في البرازيل، والولايات المتحدة، وأوروبا.
 
ورغم أن أنواع الوقود الحيوي تعتبر مصدراً مستداماً للطاقة، إلا أنها هي ذاتها تتطلب قدراً كبيراً من الطاقة من أجل إنتاجها، وفي حالة الوقود الحيوي المستخرج من الذُّرة على وجه الخصوص، فإن الوقود في هذه الحالة يتنافس مع المنتجات الغذائية في وقت يعاني فيها العالم من أزمة غذاء واسعة النطاق ومن طلب متزايد على محصول الذُّرة تحديداً.
 
ومن هنا أصبح البعض ينظرون إلى ازدهار أنواع الوقود الحيوي على أنه من مسببات ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهذا ما تترتب عليه بدوره أصداء وتداعيات سياسية واسعة النطاق.  وهناك أدلة قاطعة على أن الزيادة في استخدام أنواع الوقود الحيوي كانت سبباً من أسباب الزيادة الكبيرة في الأسعار، والتي أدت إلى الانتفاضات التي وقعت في بعض الدول العربية خلال عامي 2011 و2012.
 
وهناك تناقضات أخرى في عالم الموارد يمكن لنا استكشافها في الصراع المتوقع على استخدام المياه العذبة، خصوصاً الأنهار الكبرى، لري الأراضي من جانب ولتوليد الطاقة الكهربائية من الشلالات والسدود المائية المقامة في مجرى تلك الأنهار من جانب آخر.
 
وهذا الأمر يمثل سبباً ضمن الأسباب الداعية للقلق في دول شمال شرق أفريقيا، حيث يعتمد عدد من الدول هناك على نهر النيل في البقاء، كما أن هذا الأمر يمثل موضوعاً من الموضوعات التي يثور بشأنها النزاع بين الصين وجيرانها الجنوبيين، حيث تنشأ المنازعات والخلافات حول السيطرة على نهر ميكونج ودلتاه، في الوقت الراهن ويمكن أن تترتب عليها تداعيات في غاية الخطورة مستقبلا.
 
إن ما يعنيه ذلك هو أنه من المستحيل تقريباً تحليل تأثير الزيادة المتنامية في الطلب على مصدر معين من المصادر الطبيعية، دون الأخذ في الاعتبار كيف يمكن أن يؤثر ذلك بطريقة سلبية على إمدادات المصادر الأخرى، وبدون حوكمة أفضل للموارد المتعددة، فإن البحث المحموم عن مصادر جديدة للطاقة، وعن الأرض والمياه، يمكن أن يقود إلى الصراعات، وإلى الحرب بين الدول في بعض الأحوال.
 
وتشكل النزاعات في بحر الصين، على سبيل المثال، مؤشراً على ما يمكن أن يحدث في المستقبل حيث يمكن أن يؤدي مزيج من النزاعات والصراعات على حقوق الصيد، وحقوق التنقيب عن النفط والغاز في المناطق المتنازع عليها، إلى توفير الظروف التي تؤدي لنشوب الصراعات والحروب بين الدول المتجاورة في كل منطقة، وهي دول تتمتع جميعاً بنزعات قومية قوية، وتسعى جاهدة لبناء جيوشها الوطنية لحماية ما تعتقد أنه مواردها الخاصة التي لا يجب أن ينازعها فيها أحدٌ.
نقلا عن مصر المحروسة 
 

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع