الأقباط متحدون - ما الغاية من مجزرة الموصل؟
  • ١٣:١٨
  • الأحد , ٢ ابريل ٢٠١٧
English version

ما الغاية من مجزرة الموصل؟

د. عبد الخالق حسين

مساحة رأي

٢٠: ١٠ م +02:00 EET

الأحد ٢ ابريل ٢٠١٧

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

د.عبدالخالق حسين
كل العراقيين يعرفون أن البعثيين هم أكثر من يطبق مبدأ ماكيافيلي (الغاية تبرر الوسيلة)، وعلى استعداد تام لتنفيذ أبشع الوسائل خسة ودناءة وبشاعة، بما فيها التضحية بالشعب كله، في سبيل بقائهم بالسلطة. فبقاؤهم بالسلطة بحد ذاته يعتبر عندهم انتصاراً ومهما كانت التكاليف الباهظة. وباعتراف البعثي السابق حسن العلوي ان البعثيين حرقوا القرآن الكريم سنة 1961 في الاعظمية، وصوروا الحادث، وطبعوا الصور بالآلاف، ووزعوها وكتبوا تحتها ان الشيوعيين حرقوا القرآن ليثيروا العراقيين ضدهم، وذكر العلوي الكثير من هذه الأعمال الشنيعة للإيقاع بخصومهم .

كذلك الكل يتذكر كيف تم طرد القوات العراقية من الكويت، وسقوط 14 محافظة من 18 خلال الانتفاضة الشعبانية/آذار 1991، ومع كل هذا الدمار الشامل، اعتبر صدام ذلك انتصاراً له لمجرد أنه بقي في السلطة، و راحت مرتزقته تصدع رؤوس الناس بأغنيتهم النشاز (يا محلى النصر !) ليل نهار. وإثناء تلك الحرب قد نصبوا المدافع المضادة للطائرات الحربية على سطوح المؤسسات المدنية المحرم ضربها مثل المستشفيات والمدارس، والملاجئ، واتخذوا من الأوربيين الذين تم حجزهم عنوة، ومن تطوع منهم من المعارضين للحرب من أجل أن يحموا المستشفيات، والملاجئ، ولكن بدلاً من وضعهم في تلك الأماكن، وضعوهم كدروع بشرية في الأماكن العسكرية الإستراتيجية الخطيرة الأكثر تعرضاً للقصف، من أجل تعريضهم للقتل، ليتخذوا من موتهم ذريعة لحملة إعلامية واسعة ضد القوات الدولية وبالتالي لإيقاف الحرب.

وهذا ما حصل بعد قصف ملجأ العامرية، الذي زاره صدام في منتصف الليل للحظات من أجل أن يوهم عملاء أمريكا المندسين في حاشيته، ليبعثوا إشارة إلى مركز العمليات العسكرية للتحالف الدولي، مفادها أن صدام سيبات في ذلك الملجأ، وفعلاً تم قصفه، وقتل المئات، ولكن بعد أن غادره صدام. وكانت الغاية الرئيسية من هذه الزيارة الخاطفة هي إغراء القوات الدولية لقصف الملجأ وقتل المئات من الأبرياء، ليتخذوا من تلك المجزرة ذريعة لحملة إعلامية واسعة يكون وقعها كاف في خلق صدمة نفسية عامة للرأي العام العالمي، و لتتصاعد أصوات المتعاطفين والداعمين لصدام مطالبين بإيقاف الحرب. وهذا ما حصل حيث تم إيقاف الحرب بعد طرد الإحتلال من الكويت، ولكن قبل إزالة مسببه الرئيسي وهو صدام حسين، لأن بوش الأب كان مترددا، وهذه طبيعته، ولم يكن حاسما في إنهاء صدام. وقد طلب منه الجنرال شوارزكوف قائد قوات التحالف الدولي، تأخير قرار إيقاف الحرب لمدة يومين فقط لإسقاط صدام فرفض، وندم فيما بعد.

ونفس اللعبة يقوم بها اليوم البعثيون الدواعش في الموصل، فيرتكبون المجازر البشعة ضد المدنيين الذين اختطفوهم، و اتخذوهم دروعاً بشرية كما عمل سيدهم المقبور صدام من قبل. وأضافوا إلى لعبتهم حيلاً جديدة وهي قيامهم بتفخيخ الأبنية التي احتجزوا فيها المئات من الأبرياء، إضافة إلى إيقاف عربات مفخخة بالمتفجرات بجوار هذه الأبنية، فما أن تمر طائرة حربية في تلك الأماكن حتى ويقوموا بتفجيرها عن بعد بالريموت كونترول، ليوهموا الناس والإعلاميين أن طائرات التحالف الدولي هي التي قصفت هذه الأبنية وتسببت في قتل المئات من الأطفال والنساء والشيوخ المحتجزين فيها. والغرض من هذا التكتيك الخبيث هو الضغط على رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الدكتور حيدر العبادي من قبل شركائه في الحكومة من ممثلي الدواعش أو سماسرتهم، والذين قفزوا ليتهموا الجيش والحشد والقوات الدولية  بإرتكاب هذه المجازر، ومصدرهم ودليلهم الوحيد هو الدواعش أنفسهم، مطالبين بإيقاف الحرب.

وقد يسأل سائل: (ألم يعترف الأمريكيون أنفسهم بأن طائراتهم تسببت في تلك المجزرة؟) الجواب: كلا، الأمريكان قالوا سنتحقق. وبعد التحقيق تبين أن الدواعش هم وراء هذه المجزرة كما بينا أعلاه.
وفي هذا الخصوص (قال متحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في قتال داعش للصحفيين أمس الخميس (30/3/2017) إنه يسعى لإزالة السرية عن تسجيل مصور يظهر داعش وهم يدخلون مدنيين في مبنى بغرب الموصل "كطعم يغري التحالف على الهجوم". وقال الكولونيل جوزيف سكروكا "ما يحدث الآن ليس استخدام المدنيين كدروع بشرية، لأول مرة نكتشف هذا من خلال تسجيل مصور أمس إذ أرغم مقاتلون مسلحون من داعش مدنيين على دخول مبنى، وقتلوا واحدا أبدى مقاومة ثم استخدموا ذلك المبنى كموقع قتال ضد وحدة مكافحة الإرهاب."(1)

وكان وزير الدفاع عرفان الجيالي قال خلال استضافته الثلاثاء الماضي في البرلمان حول الحادث قال ان "التحقيقات الاولية تشير الى ان الذي يقف وراء الحادث في الموصل الجديدة هو داعش،" مشدداً على ان "لا مصلحة لتوجيه الاتهام ضد اي جهة دون أدلة ولن نتأخر في كشف الحقائق أمام الراي العام". (نفس المصدر-1)

كما وتدخل بعض الكتبة من أعداء العملية السياسية على الخط وبمنتهى الخبث، يحاولون تشويه سمعة الحشد الشعبي، باتهامه بالانتقام من أهل الموصل في الضفة الغربية، وسرقة بيوتهم وإحراقها. وفي هذا الخصوص كتب أحدهم وهو سيار الجميل بعد أن غير نبرته من هجوم مباشر، كما في السابق، إلى التملق للقائد العام في بداية المقال، ليسوِّق اتهاماته التسقيطية فيما بعد. فكتب مقالاً بدأه بالتودد الكاذب واللكلكة بعنوان: ((رسالة عاجلة الى السيد رئيس وزراء العراق  المحترم،
تحية طيبة وبعد، كنا وسنبقى نبارك خطوات الجيش العراقي الباسل في تحرير الموصل ومحافظة نينوى من شرور داعش وجرائمها بحق العراقيين عموما، وبحق الموصل وأهلها الذين صمدوا وعانوا كلهم مهما كان دينهم وعرقهم وثقافتهم خصوصا.. لقد كان تحرير الساحل الايسر نقطة وضاءة في تاريخ العراق المعاصر.. ويأتي اليوم تحرير الجانب الايمن والموصل القديمة مباركين كلّ خطوة يخطوها الجند الابطال الشرفاء الذين جعلوا العراق والعراقيين في قلوبهم اولا واخيرا  .. ))

وبعد هذا النفاق المفضوح، يأتي السم الزعاف والفبركة ضد من وصفهم بـ"الجند الابطال الشرفاء" ليناقض نفسه فيقول:
((ولكن معلومات مؤكدة وصلتنا منذ يومين، وتوثقنا منها بشكل دقيق تقول، بأن  مجاميع متنوعة من الشرطة الاتحادية وقوات الردّ السريع، ضباطا وجنودا بأسلحتهم وسياراتهم الرسمية يقومون بمداهمة المناطق المحررة، وخصوصا في الجانب الأيمن منذ ايام وبالذات في مناطق وأحياء الجوسق  والمنطرد والطيران والدواسة  والدندان والحاج يونس وغيرها، ويخرجون الناس من بيوتهم تحت حجج واهية وكاذبة منها حدوث انفجارات كيمياوية مع سلسلة اهانات وسباب وشتائم  طائفية مقذعة، ويأمروهم بالنزوح والرحيل والطرد ليدخلوا البيوت المأهولة واغلب البيوت لعائلات معروفة في الموصل، كي يسرقونها ويحملون سرقاتهم في سيارات ولوريات حكومية تمضي نحو جهات مجهولة))... ويضيف لا فظ فوه: (ان هذا ما توقعه ابناء الموصل ، فالنار لم تأتهم من طرف واحد، بل ان النار تأتي  أيضا من قبل مليشيات  تلبس ازياء رسمية، وتستخدم عجلات واسلحة حكومية)(كذا).

وبعد كل هذا اللف والدوران، يريد أن يقول لنا أن الحشد الشعبي هو الذي يقوم بهذه الأعمال الطائفية الإنتقامية!!! ويختتم رسالته العاجلة بالقول: (... راجيا من كل العراقيين الشرفاء الوقوف ضد كل المعتدين والآثمين والقتلة كما هي وقفتنا جميعا ضد الدواعش الارهابيين المجرمين... وتفضلوا بقبول خالص الاحترام والتقدير)) انتهى.

هل حقاً أدان الكاتب أعمال داعش ووقف ضدها منذ البداية؟ فالذي نعرفه أنه قبل شهرين نشر مخططاً يطالب فيه تحويل محافظة نينوى إلى دولة شبه مستقلة، عاصمتها مدينة الموصل، وتحويل جميع أقضيتها إلى محافظات، ليجعلوا هذه الدويلة لقمة سائغة يسهل ابتلاعها من قبل تركية إردوغان. ولما احتلت داعش الموصل أطلقوا عليهم (الثوار) الذين حرروا المدينة من حكومة بغداد الصفوية الإيرانية ومن جيش المالكي الإيراني، والجيش الشيعي الرافضي الذي كانوا يحرضون الناس ضد جنوده فيرمونهم بالحجارة إذا ما خرجوا إلى شوارع المدينة.

خلاصة القول، إن البعثيين الدواعش لن يتورعوا عن ارتكاب أبشع المجازر ضد أبناء الموصل وإلقاء تهم المجزرة على القوات المشتركة، وتشويه صورة الحشد الشعبي الذي اعترف بجهوده وإخلاصه والتزاماته الأخلاقية حتى المسؤولون الأمريكيون والإعلام الغربي. والغرض من هذه المجازر هو فرض الضغوط على القائد العام للقوات المسلحة، الدكتور العبادي، لإيقاف الحرب ومد حبل النجاة لهم، بعد أن صار النصر عليهم قاب قوسين أو أدنى، وهزيمة الدواعش ونهاية أسطورتهم باتت حتمية. لذلك حذار من وقف الحرب قبل تحقيق النصر النهائي والتحرير التام، وإنهاء البعث الداعشي إلى الأبد.