جاءت نتائج زيارة «السيسى» إلى «واشنطن» واجتماعه مع «ترامب» أكبر من توقعات مؤيديه، وأبعد ما تكون عن أمنيات كارهيه، سواء من جماعة الإخوان أو بعض معارضيه الذين ضلوا البوصلة بين انتقاد النظام وكره الدولة، حتى الصحف الدولية التى هاجمت «السيسى» قبل اللقاء استسلم أغلبها للواقع، وركزت على كلمات «ترامب» للرئيس المصرى: «يقوم بعمل رائع وسط ظروف صعبة».. «لديك صديق وحليف عظيم فى الولايات المتحدة».. «أريد أن أعلم الجميع فى حال كان هناك أى شك، أننا نقف وراء الرئيس السيسى».. «سنكون أصدقاءً لفترة طويلة جداً».. «أمريكا تدعم مصر وشعبها» كما لم يفُت الصحف الغربية التركيز على لغة الجسد بين الرئيسين، فزاد الحديث عن الحفاوة والدفء.. والعلاقات الإيجابية وعبارات الإعجاب المتبادلة، ورصدوا أيضاً: «ترامب هز بحماس يد السيسى مرتين أمام المصورين».. «ترامب صافح نظيره المصرى داخل البيت الأبيض، بينما امتنع عن فعل ذلك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى».. «أمطر الرئيسان بعضهما البعض بوابل من التحيات الحارة والابتسامات المتبادلة».
خلاصة اللقاء أن «ترامب» أعطى «مصر - السيسى» تأشيرة لفتح علاقات قوية مع «واشنطن»، ولم يتطرق فى أحاديثه إلى أى خلاف يُغضب الرئيس المصرى.. والجميع يعلم أن التوافق بين الرئيسين كبير حول ملفات سوريا وليبيا والتعاون الثنائى العسكرى والاقتصادى والسياسى ومكافحة الإرهاب وإدانة «الإخوان»، ويبقى ملفا حقوق الإنسان والقضية الفلسطينية أهم الخلافات، فإذا بالرئيس الأمريكى لم يتطرق نهائياً إلى ملف حقوق الإنسان، أما الملف الثانى وهو القضية الفلسطينية، فقد بادر «السيسى» بأن قال لـ«ترامب»: «أراهن عليك فى حل قضية القرن، وأثق فى قدرتك على حسمها».. فرد الرئيس الأمريكى: «بل نحن سنعمل معاً لحلها».
«تأشيرة ترامب» تحتاج إلى جهد كبير من الحكومة المصرية للإنجاز، وأن تملك مصر رؤية حقيقية لمكافحة الإرهاب فى المنطقة، ومناخاً جاذباً للاستثمارات، وأن تسرع فى تجديد الخطاب الدينى، لتستطيع تحديد ما تحتاجه من أمريكا، وما ستقدمه لها، فرجل «واشنطن» الحليف القوى لا يهمه سوى مكافحة الإرهاب وخلق فرص عمل.. وقد يكون من حسن حظ مصر أن لقاء القمة عُقد بعد التعديل الوزارى الذى احتوى على مجموعة اقتصادية أكثر تجانساً، ووزيرة للاستثمار هى د. سحر نصر، تملك رؤية وحماساً ودراية بالمفردات الدولية ولغة التجارة الأمريكية، وأن مصر قد خطت خطوات فى الإصلاح الاقتصادى تدفع «واشنطن» إلى الثقة فى مناخها، لكن الأمور تحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير، فما زالت قضية إعداد خريطة حقيقية بالفقراء تائهة بين الوزارات، مما يترتب عليه غياب العدالة الاجتماعية الحقيقية، وهو ما يزيد من أعداد ضحايا الإصلاح الاقتصادى، كما أن مناخ الاستثمار حتى الآن ليس الأمثل، ويحتاج إلى جهد حكومى كبير لتحسينه وإصلاحه.
«ترامب» وعد «السيسى» بدعم مصر فى المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولى الذى تساهم أمريكا بنحو 20٪ من تمويله، وأيضاً صندوق النقد الدولى، كما وعد بدعم بنوك التنمية الأمريكية لتمويل المستثمرين الراغبين فى الاستثمار بمصر، وحث الشركات الأمريكية للعمل فى القاهرة خلال الفترة المقبلة، لكن ذلك يحتاج بالطبع من الحكومة إلى الاستعداد الجيّد لهذه المزايا، خصوصاً أن المستثمرين الأمريكيين سيذهبون للشكوى إلى الرئيس الأمريكى مباشرة، وهو صديق لمعظمهم.
المهم أن أمريكا تغيرت مع مصر كلية بنمط علاقات جديدة، ونحن أمام فرصة قوية لاستثمار هذه العلاقة التى لم تحدث فى الماضى القريب، وهذا لن يتأتى بالكلام أو السياسة، ولكن بالعمل الجاد، فقد فتح «السيسى» الأبواب، وعلى الحكومة مسئولية ترجمة المشاعر إلى استفادة حقيقية للمواطن المصرى بعد «تأشيرة ترامب»!
نقلا عن الوطن