الأقباط متحدون - هل التوماهوك انتقاما للكيماوي أم لتصحيح صورة جماعة ترامب لدى مواجهتهم الكونجرس حول علاقتهم بموسكو
  • ٠٤:٢٩
  • السبت , ٨ ابريل ٢٠١٧
English version

هل التوماهوك انتقاما للكيماوي أم لتصحيح صورة جماعة ترامب لدى مواجهتهم الكونجرس حول علاقتهم بموسكو

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

٥٦: ٠٦ م +02:00 EET

السبت ٨ ابريل ٢٠١٧

صاروخ التوماهوك
صاروخ التوماهوك

هل كانت  هجمة صواريخ التوماهوك على القاعدة السورية "الشعيرات" قرب حمص انتقاما لما وصف  بقيام  بشار الأسد، الحليف والصديق لروسيا الاتحادية،   بقصف خان شيخون بالكيماوي  مما ادى الى مقتل 79 مدنيا، أم كانت له أهداف أخرى، بل وحيدة، وهي التمويه والتضليل وابعاد الأنظار عما يتوقع أن يواجهه قريبا حفنة من جماعة ترامب وبطانته، ومنهم صهره - زوج ابنته "جاريد كوشنار" ومستشارين عملا مع ترامب واضطرا للاستقالة ومنهم David Nunes  و مايكل فلين ، ويطالب أحدهما بالحصول على الحصانة ليقول كل شيء امام لجنة تحقيق في الكونجرس، ضمن  تحقيق أمام مجلس النواب والشيوخ بخصوص علاقتهم ومكالماتهم المشبوهة  مع روسيا الاتحادية خلال مرحلة حملة الانتخابات الرئاسية، بل وبعدها أيضا.

ويعزز القول بأن الهجمة لم تكن تهدف للانتقام لأولئك الضحايا، وبأنها كانت مجرد عملية استعراضية تمويهية، كونها لم تكن هجمة تدميرية يقصد بها الايذاء الشديد رغم استخدامها لثمانية وخمسين صاروخ توما هوك استهدفت القاعدة السورية، وكلفتها  (أي صواريخ توما هوك) الملايين ، أي أكثر من الدمار رغم جسامته، الذي الحق بالقاعدة السورية وتسبب بمقتل بعض الأبرياء.

فالولايات المتحدة قد اتصلت بالحكومة الروسية وأبلغتها مسبقا عن توجهها لقصف تلك القاعدة. وقام الروس  بانذار حلفائهم السوريين  الذين قاموا بدورهم باخلاء القاعدة من كل الطائرات الحديثة المتواجدة في القاعدة، اذ عمدت الى الاقلاع فورا متوجهة الى مطارات أخرى، فلم يبق في القاعدة الا طائرات قديمة او معطوبة.   وربما كانت تلك الخطوة  تنسعى لتجنب الصدام الشديد مع روسيا،  لكننها في ذات الوقت أفسدت المهمة وأهدافها، فلم تحقق الا الهدف الاستعراضي الذي كلف الولايات المتحدة ملايين الدولات ان لم يكن ملياراتها هي كلفة صواريخ توماهوك باهظة الثمن،  وكلفة العملية العسكرية ككل.  وربما كان هدفها أيضا تجنب الصواريخ الروسية المضادة التي كانت ستنطلق تلقائيا لمواجهة االصواريخ المهاجمة، مما كان سيؤدي الى صدام تناحري مباشر بين روسيا واميركا وتسعى اتفاقية التننسيق الروسية الأميركية المسماة باتفاقية سلامة الطيران، لتجنب حصوله  وقيام الطائرات أو الصواريخ الروسية بالتعرض للطائرات الأميركية التي تعبر الأجواء السورية في طريقها لقصف الدولة الاسلامية او مواقع ارهابية اخرى كمواقع جبهة النصرة.

وهذه الهجمة الأميركية غير المبررة،  قد نفذت دون الحصول على قرار من مجلس الأمن،  ودون انتظار نتيجة الحوار والنقاش والتحقيق حول قضية خان شيخون وتحديد المسؤولية عنها: هل هي سوريا أم جهات أخرى.  واتهم المندوب الروسي في مجلس الأمن الولايات المتحدة بأنها تخشى نتيجة التحقيق الدولي حول هذا الموضوع.   ويبدو بأنها نتيجة خشيتها تلك، قد استعجلت الضرية الصاروخية على القاعدة السورية لتحويل الانظار في اتجاه آخر. وكان وزير خارجية روسيا قد ذكر في موسكو  بغزو الولايات المتحدة للعراق دون استصدار قرار من مجلس الأمن واستنادا لتقارير استخبارية ثبت لاحقا عدم صحتها وفبركتها.   وها هي الآن تكرر الخطأ ذاته بقصفها القاعدة السورية قرب حمص دون انتظار نتائج التحقيق.

فكل المؤشرات تدل على أن سوريا هي المستهدفة من تلك العملية الكيماوية، لأن قواتها العسكرية تحقق النصر تلو الآخر مما أدى الى فرض وقف اطلاق النار ومؤتمر آستانة  بل ومؤتمر جنيف أيضا.  كل الأمور اذن كانت تسير لتحقيق مصلحتها. فلما تقوم اذن بتنفيذ ضرية كيماوية غبية لا تؤد الا لايذا مصالحها، خصوصا وأن الولايات المتحدة قد قبلت للتو المبدأ القائل بأن تنحية الرئيس الأسد لم يعد من ألووياتها. فالارهاب هو في مقدمة أولوياتها.

وفي المقابل  كانت المعارضة المسلحة غير المشمولة بوقف اطلاق النار، وعلى مدى شهرين أو أكثر،  تسعى بالتحالف مع حلفائها من أحرار الشام وغيرهم، لاحباط مشروع السلام  الذي بدأ بوقف اطلاق النار الذي لا يشملهما.  فمع بداية  شباط قامت جبهة النصرة، اي فتح الشام كما تسمى أحيانا،  وهيئة تحرير الشام كما تسمى الآن، باسقاط طائرة ميغ 25 سورية،  بهدف افساد عملية السلام  والتذكير  بوجودها في الساحة  وبوجوب عدم تجاهلها.  وبعدها بايام ، وبالذات في14  شباط (فبراير)، افتعلت معركة في حي المنشية من أحياء درعا الواقعة في جنوب سوريا، استمرت ثلاثة أسابيع  وأسقطت 89 قتيلا على الأقل.  وبمجرد انتهاء هذه المعركة دون تحقيق هدفها في اسقاط وقف اطلاق النار أو المؤتمرات التي تلته، لجأت النصرة لعمل استدراجي أكثر قوة وعنفا وتحديا. فهاجمت دمشق ذاتها قادمة من حي جوبار وحي الغابون،  محاولة الوصول الى ميدان رئيسي في دمشق. واستمرت المعركة عدة أيام بين كر وفر بين الجهتين انتهت أخيرا وبعد عدة أيام من القتال، بطرد المهاجمين بعيدا عن دمشق.   وهنا لجأت جبهة النصرة لخطة أخرى لاحقة معدة سلفا  كخططها السابقة والمتلاحقة، اذ هاجمت حماة وريفها وسيطرت على مطار وعلى أجزاء كبيرة من ريف وقرى مدينة حماة.

وبطبيعة الحال وكما هو متوقع،  شنت القوات السورية  هجوما مضادا  احتاج لأكثر من أسبوعين من القتال، لتستعيد  سوريا معظم المواقع التي خسرتها محبطة خطة جبهة النصرة الساعية لاسقاط اتفاق وقف اطلاق النار ومؤتمري الآستانة وجنيف  اللذان انفضا على اتفاق للعودة للاجتماع بعد وقت قريب.   وجاء ذلك في وقت أعلنت فيه اميركا بأنها لم تعد معنية باسقاط الرئيس بشار الأسد كأولوية،  فأولويتها تقتصر على مقاومة الارهاب.  وهنا أسقط في يد النصرة، كما يرى أحد المحللين، وأنا أميل لتأييد رأيه وتحليله، بأنه الآن بات من المتوقع ، بل الضروري، تنفيذ مخطط استخباري جريء  معد سلفا وينتظر اللحظة المناسبة لتنفيذه باعتباره الحل الأخير والضروري. وكان ذلك المخطط يقتضي تفجير كميية من المواد الكيماوية بطريقة توحي بأن سوريا كانت وراء ذاك التفجير. فكان هناك اعداد مسبق بوضع كمية من الأسلحة الكيماوية في مخزن ما أو موقع ما ، ووضعت شحنة ناسفة هناك  قربها  بانتظار قدوم الطائرات السورية للاغارة على ادلب.  وعندما حلقت الطائرات فعلا في الجو، قامت مجموعة أرضية بتفجير الشحنة الناسفة التي ادت لتفجير كمية المواد الكيماوية الموجودة الى جانب الشحنة الناسفة، سواء في مستودع ما، أو في موقع سكني مدني، وهو الأرجح، ليلحق أكبر ضرر بالمدنيين  كما حصل فعلا.

أسوأ ما في الأمر، ليس وقوع الشرخ بين روسيا وأميركا كما حصل الآن، بل احتمال تطوره الى الأسوأ. فالسي أن أن  تقتبس اقوالا صادرة عن البيت الأبيض، مفادها بأننا سنسمع عن مزيد من الضربات لسوريا، وكررت هذه الأقوال "نيكي هيلي" مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن.  وهذا الأمر اذا ما حصل، سيؤدي سريعا الى مواجهة تناحرية بين روسيا وأميركا، وقد يؤدي في غفلة من الزمن، الى حرب عالمية أو شبه عالمية،  وهذا بالطبع ما ترغب به النصرة وداعش، اذ أنه في خضم فوضى الحروب والمعارك، ستكون فرصتها للسيطرة على أجزاء أوسع من العالم. وكما قال Andrew Exum  المحرر في مجلة اتلانتيك، بأن هذه العملية قد وضعت أميركا في مركز الشريك لداعش (وللنصرة) الذين تحاربهم سوريا. ويقول علاء ابراهيم ، معلق سياسي سوري مستقل، في حوار له مع "سي ان ان" أجرته معه "كريستيان امانبور"  بأن الخوف الأكبر بأن تعتبر التنظيمات المسلحة هذا الموقف تشجيعا لها، فتقرر الاستمرار في القتال، واحباط وقف اطلاق النار، وعدم الدخول في مفاوضات سياسية باحثة عن الحل السياسي، مما يعني مزيدا من الدماء لسنوات أخرى. فلو حصل ذلك ولقي ترحيبا ودعما من أميركا ترامب، فانه قد يؤدي  لاحقا لاسقاط الأسد، ولكن ليحل محله نظام اسلامي متشدد من النصرة أو داعش، فكأنني بالرئيس ترامب يسعى لتحويل سوريا الى سوريستان،  على غرار افغانستان.  فهل هذا ما تريده أميركا حقا؟

لكن الرئيس ترامب قد لا يكون في هذه الدرجة من الغباء. نعم تصرف ببعض الغباء أو عدم الخبرة السياسية في ايامه الاولى،   لكن للغباء حدود كما للصبر حدود.   لقد أخطأ عندما أصدر أمره التنفيذي الأول بفرض حظر على قدوم رعايا ثمان دول عربية واسلامية الى أميركا، فرفضت محكمة عليا في ولاية واشنطن هذا الأمر التنفيذي وأعتبرته غير دستوري.  فأتبعه بقرار اتنفيذي آخر مشابه  ولكن فيه تعديلات استثنيت بموجبها العراق ومن يحملون تأشيرات مسبقة او غرين كارد.  لكن محكمة عليا أخرى رفضته  وايدتها محكمة أخرى في ولاية ماري لاند المحاذية لواشنطن. وتبع ذلك فشل الرئيس في تمرير مشروع قانون في الكونجرس لالغاء قانون "أوباما كير" الصحي، وذلك لعدم وجود أغلبية تؤيده في مجلس الشيوخ.  واليوم بالذات (الجمعة) فشل في تمرير قراره بتعيين أحد القضاة في المحكمة الأميركية العليا، لعدم حصول الاقتراح على ستين صوتا (حصل على 54) التي اقتضى العرف حصوله عليها   لتمرير  القرار.  ومن باب العناد، يسعى  الآن ترامب لاتخاذ قرار في الكونجرس بتغيير ذاك العرف السائد منذ أجيال، والاتفاق على اقرار تعيين القاضي المرشح لمحكمة العدل العليا من قبل الأكثرية في مجلس الشيوخ ، وليس من قبل ستين عضوا من أصل مائة عضو. 

فهذا التخبط وما يفرزه من خيبة آمال متلاحقة للرئيس الجديد، ربما دفعه، اضافة لما يواجهه أنصاره ومستشاروه من احتمال مواجهة نحقيق حول اتصالاتهم الغامضة بروسيا، للاستعجال في اتخاذ قراره بقصف سوريا بالتوماهوك، باعتباره قرارا تنفيذيا قابلا للتحقيق دون اعتراض من المعارضة أو من  محكمة عليا عليه، علما أن "السي أن أن"  قد أوردت  بأن "ستيف بانون" من كبار مستشاري ترامب، كان ضد الضربة الصاروخية. لكن ترامب كما يبدو لم يستمع اليه رغبة منه في تحقيق نصر ما.  والمأمول الآن أن يستمع الى جادة العقل ويفكر قليلا في خطواته القادمة، علما أن سلطاته التنفيذية تأذن له منفردا بتوجيه ضربة كهذه، لكنها لا تسمح له بتكرارها دون الرجوع الى الكونجرس والحصول على موافقته، مما يعني وجود احتمال بأن يلجم الكونجرس احتمال تهوره نحو الأسوأ اذا اعتبر تصرفه  تهورا، وليس ضربة استعراضية تمويهية تغطي على شيء ما.

ميشيل حنا الحاج
كاتب ومفكر  سياسي.
مستشار في المركز الأوروبي لمكافحة الارهاب والاستخبار - برلين.
الشخصية الاعلامية المتميزة لعام 2017،
كما اعلنته الأمانة العامة لمجلس الوحدة الاعلامية العربية  بمناسة بوم الاعلامي العربي في 7 نيسان.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع