قمة عمان ... التجمل .. والتشدق .. والعجز !!
يوسف سيدهم
مساحة رأي | بقلم: يوسف سيدهم
الأحد ٩ ابريل ٢٠١٧
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (630)
انعقدت القمة العربية في عمان بالأردن, ولا أظن أن أحدا كان يعقد آمالا كبارا علي قدرة القادة العرب علي إحداث تغيير حقيقي في الوضع العربي المشتت المتأزم, أو اتخاذ مواقف وقرارات تعكس تكتلا سياسيا يأخذ زمام المبادرة وينهي العجز والتبعية لموازين السياسة العالمية.
لم تخيب القمة ظنوني فلم تنطو سوي علي المظاهرة الكلامية المعهودة والعبارات الزخرفية الفضفاضة, ويكفي تأمل نص البيان الختامي للتحقق من القدرة الملفتة للقادة العرب علي الابتعاد عن جوهر أي قضية بدعوي عدم تفجير الخلافات بينهم والإيحاء بقدر زائف من التوافق -وليس الاتفاق- وصياغة التوصيات في عبارات نمطية لا تقدم جديدا ولا تحسم موقفا!!… تعالوا معي في قراءة ضمن جنبات بيان قمة عمان:
** فلسطين: استمرار العمل علي إعادة إطلاق مفاوضات سلام فلسطينية- إسرائيلية جادة وفعالة تنهي الانسداد السياسي وتسير وفق جدول زمني محدد لإنهاء الصراع علي أساس حل الدولتين الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية… التشديد علي أن السلام الشامل والدائم خيار عربي استراتيجي… رفض كل الخطوات الإسرائيلية الأحادية التي تستهدف تغيير الحقائق علي الأرض وتقوض حل الدولتين… رفض جميع الخطوات والإجراءات التي تتخذها إسرائيل لتغيير الوضع القانوني والتاريخي في المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة, ومطالبة دول العالم بعدم نقل سفاراتها إلي القدس أو الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
*** هذا ما سطره البيان عن فلسطين… ولست أدري ماذا يحمله من جديد ينبئ بالقدرة علي تغيير الواقع… هل تصارح القادة العرب بشأن الانقسام الفلسطيني وتشرذم السلطة بين أبومازن في رام الله وحماس في غزة؟!!… هل يخفي عليهم أن ذلك الانقسام هو الهدية التي يقدمونها لإسرائيل حتي تتذرع في جميع المحافل الدولية بأنها لا تستطيع الجلوس علي مائدة المفاوضات لأنها لا تعرف مع من تتفق؟!!… هل تحدثوا بشأن التناقض بين اعتدال أبومازن ورغبته في إدراك وحدة الصف الفلسطيني في مقابل صلف وتشدد حماس وتعويقها المصالحة الفلسطينية بما يخدم استراتيجية إسرائيل؟!!
** سوريا: التشديد علي إيجاد حل سلمي ينهي الأزمة السورية بما يحقق طموحات الشعب السوري ويحفظ وحدة سوريا ويحمي سيادتها واستقلالها وينهي جميع الجماعات الإرهابية فيها… فلا حل عسكري للأزمة ولا سبيل لوقف نزيف الدم إلا عبر التوصل إلي تسوية سلمية يفرزها مسار مفاوضات جنيف… مع تكليف مجلس الجامعة العربية وضع آلية محددة لمساعدة الدول العربية المستضيفة للاجئين السوريين بما يمكنها من تحمل الأعباء المترتبة علي استضافتهم.
*** البيان يشدد علي حتمية الحل السلمي لإنهاء الأزمة السورية وكأن القادة العرب يجهلون أمر المواجهات العسكرية الشرسة التي تجري علي الأرض بين الجيش السوري بدعم روسي والمجموعات الإرهابية المسلحة المدعومة من أمريكا وبعض الدول الأوروبية, والنتائج الحاسمة المترتبة عليها من استعادة الجيش السوري لمعظم الأراضي التي كانت سقطت في حوزة المعارضة المسلحة وآخرها مدينة حلب… يتشدق البيان بديباجات الحل السلمي بينما القادة العرب يعرفون تمام المعرفة كيف فشلت مائدة المفاوضات مرارا في جنيف عندما كانت شوكة الجماعات المسلحة قوية وكيف سكت الجميع علي كابوس تقسيم سوريا وعجزوا عن إيقافه لولا التدخل الروسي وترجيح كفة الجيش السوري… ولعل الاختبار الحقيقي مطروح الآن أمام الجامعة العربية في الأمر الوحيد الذي يمكنها التدخل فيه وهو وضع آلية لدعم الدول المستضيفة للاجئين السوريين الذين يقدرون بمليونين في لبنان و1.3 مليون في الأردن ونصف مليون في مصر… وستحمل لنا الأيام المقبلة هل تفلح الجامعة في ذلك أم تفشل فيه وتعجز عنه هو الآخر؟!!
** العراق: التأكيد علي أمن العراق واستقراره… الدعم المطلق للعراق الشقيق في جهوده للقضاء علي العصابات الإرهابية وتحرير مدينة الموصل من داعش… تثمين إنجازات الجيش العراقي… تأييد جميع الجهود المستهدفة إعادة الأمن والأمان إلي العراق وتحقيق المصالحة الوطنية.
*** مرة أخري يتستر القادة العرب وراء العبارات الزخرفية والتعبيرات الفضفاضة ليتفادوا مواجهة الخلل في السياسة العراقية والانقسام الذي أدي إلي ظهور واستفحال تنظيم داعش حتي استولي علي ما يقرب من ثلث مساحة العراق… لم يتطرق البيان إلي أوضاع الأكراد أو إلي مناطق الصراع بين الشيعة والسنة وغيرهم من القوي السياسية… أما المضحك هنا أنه بعكس سوريا لم يتحدث البيان عن الحل السلمي للأزمة العراقية فالواضح أن الحسم علي الأرض يتولاه السلاح!!!
** اليمن: مساندة جهود التحالف العربي في دعم الشرعية في اليمن وبما يحمي استقلال اليمن ووحدته ويمنع التدخل في شئونه الداخلية ويحافظ علي أمنه وأمن دول جواره الخليجية.
*** لست أدري إذا كان المسكوت عنه في الأزمة اليمنية قد تم تناوله -حتي في الغرف المغلقة- أم تم تفاديه صونا للوئام العربي(!!)… أتعرفون ما هو؟… إنه الصراع السعودي الإيراني الذي يجري علي أرض اليمن والذي أقدمت عليه السعودية منذ أكثر من عامين والذي لم يحقق نتائجه في دحر الحوثيين وباتت السعودية متورطة فيه لا تدري كيف الخروج منه…. أما عن حديث منع التدخل في شئون اليمن الداخلية فلست أدري هل ينطبق علي إيران وحدها أم علي السعودية أيضا؟!!
** ليبيا: التشديد علي ضرورة تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا من خلال مصالحة وطنية تحفظ وحدتها وتماسكها المجتمعي… وتأكيد الوقوف مع الأشقاء الليبيين في جهودهم من أجل دحر العصابات الإرهابية واستئصال الخطر الذي يمثله الإرهاب علي ليبيا وعلي دول جوارها.
*** لم يتطرق البيان إلي وقوع ليبيا ضحية مجموعات مسلحة إرهابية مرتزقة وتفتت الدولة الشرعية إلي حد غياب ملامح الدولة أصلا… واكتفي البيان بتأكيد العجز العربي بتأييد جهود الحوار الليبي- الليبي برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي!!
وأخيرا لا يسعني إلا أن أحيل القارئ إلي ما كتبه الأستاذ محمد عبدالهادي رئيس تحرير الأهرام بعد عودته من قمة عمان ومعايشته لفعالياتها وما دار داخل كواليسها لأنه يعكس الحقيقة المسكوت عنها حول الواقع العربي… واقتطع منه ما يلي:
* جاءت المناقشات والقرارات بالتوافق وليس الاتفاق والتعامل مع تداعيات الواقع دون طرح أفكار أو مواقف خلاقة.
* سيطرت علي أغلب المسئولين العرب حالة عربية مزمنة وهي الجزع من الاعتراف بوجود خلافات عميقة في قضايا مصيرية مثل سوريا واليمن وليبيا.
* حالة العجز العربي تجلت في الهروب من الإجابة عن سؤال: ماذا سيكون رد الفعل العربي في حالة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس علما بأن مجلس الجامعة العربية سبق أن أصدر قرارا عام 1991 بقطع العلاقات مع أي دولة تفعل ذلك وتم تنفيذه مع السلفادور… فماذا عن أمريكا؟!!
* الخلافات حول تعريف الإرهاب وحول تعريف المنظمات والجماعات التي تندرج تحت بند دعم وتمويل الإرهاب بدت واضحة وتم الالتفاف حولها في إطار الحفاظ علي الحد الأدني من التضامن العربي!!
* الوضع العربي العام علي هذا النحو يعني أن القمة التي وصفت بأنها قمة تقرير المصير في الظروف التي تمر بها المنطقة العربية قد أقرت تدويل القضايا ومتابعة سائر المفاوضات الدولية في هذا الشأن.
* سياسة التوازنات انعكست عندما تم تمرير إدانة التدخلات التركية في العراق في مقابل تمرير إدانة التدخلات الإيرانية في الشأن الخليجي!!
* المسكوت عنه في العالم العربي الآن هو غياب الإرادة السياسية الجماعية لإيجاد حلول عربية للأزمات العربية في مواجهة حلول وتحركات خارجية ودولية تغيب عنها الأطراف العربية!!
*** أليست قمة عمان هي قمة التجمل.. والتشدق.. والعجز؟!!