الأقباط متحدون - فتشوا الكتب
  • ١٤:٢١
  • الأحد , ٩ ابريل ٢٠١٧
English version

فتشوا الكتب

لطيف شاكر

مساحة رأي

٤٧: ٠٩ ص +02:00 EET

الأحد ٩ ابريل ٢٠١٧

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

 لطيف شاكر
لقد كثر البحث في وظيفة العقل البشري إزاء الحقائق الدينية - هل العقل حاكمٌ كفء؟ هل نستطيع الاعتماد عليه والرضوخ إلى أحكامه؟ هل يُحكّم المؤمن عقله تحكيماً مطلقاً؟ كلا! بل لا بد من وجود قوة مفكرة ومدبّرة فوق الطبيعة أو وراء الطبيعة، لا   تُدرَك بالعقل،  وهو الخالق 

ومع ذلك فللعقل مركز لا يُزدرى به، ووظيفة لا ينكرها ذوو الألباب - فما هي وظيفة العقل؟

وظيفة العقل هي إيصالنا إلى معرفة الفرق، والتمييز بين ما هو «أزلي» (وهو ما يختص بالخالق) وما هو «حادث» وهو صفة من صفات المخلوق  (لان الامور غير المنظورة تري منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية )" رو20:1

يقول الرسول  بولس إنه بواسطة التأمل في «المصنوعات» (الحادثة) نصل إلى معرفة القوة السرمدية التي خَلَقتْها، وهي اللّه الواجب الوجود منذ الأزل.

 لكن هل يكتفي الإنسان بهذه المعرفة العقلية؟
والاجابة : كلا. فالإنسان محتاج إلى وحي سماوي يعلّمه من هو الله، وما هي صفاته، وكيف يعلن إرادته لبني البشر، وكيف يتعامل الإنسان مع الله وكيف يتعامل الله مع الإنسان، وإظهار فساد الطبيعة البشرية مع إظهار محبة الله للناس الساقطين بالرغم من خطاياهم، وطريق الخلاص لتخليصهم منها. وبناءً على ذلك أعلن الله لنا أسفاره المقدسة اي الكتاب المقدس>.

ونؤمن أن الكتاب المقدس هو المصدر الوحيد لمعرفة هذه الأمور المذكورة، لأنه لا يوجد في كتاب آخر الخبر السار (البشارة) عن اتّخاذ السيد المسيح جسداً وموته لأجل جميعنا. ولهذا السبب نقدم الكتاب المقدس الذي فيه كُتبت أعمال المسيح وأقواله، حتى بقراءتكم إياها تكونون كأنكم قد شاهدتم المسيح نفسه وعاشرتموه. فالكتاب المقدس هو السَّند الأعظم الذي نبني عليه إيماننا .

 اذن  ما هي الأدلة على صحة الكتاب؟
     يشهد الكتاب المقدس لنفسه على أنه موحَى به من الله، لأننا نرى في أسفار موسى شهادات كثيرة على أن اللّه تكلم معه وأمرَهُ بكتابته، ونقرأ في أسفار الأنبياء الآخرين: «كانت كلمة الرب إلى النبي» وأيضاً: «هٰكَذَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ: ٱكْتُبْ كُلَّ ٱلْكَلامِ ٱلَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ إِلَيْكَ فِي سِفْرٍ»(ارميا ٣٠: 2)

    ;كما ان سموّ آداب الكتاب وروحانية تعاليمه وفاعليتها وجلالة عباراته وتعاليمه,  غرضه هو تمجيد الله وإعلان طريق الخلاص التي لم تُعلَن في كتاب سواه. وأما أفضاله التي تجل عن التمثيل فكل هذه أدلة قاطعة وحجج دامغة على أنه كلام الله

    وإتمام النبوات التي وردت فيه إتماماً مدققاً يقضي بالعجب، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله العالم  بكل شيء، فهو وحده كل شئ مكشوف امامه 

    وثباته وبقاؤه إلى هذا اليوم رغم الاضطهادات والأهوال العظيمة التي أثارت عليه حرباً عواناً، ولكنه خرج من ساحة الحرب ظافراً ، فإنه لا كتاب غيره في الوجود تجرَّدت عليه الأقلام والسيوف فلم تزده إلا ثباتاً وامتداداً بين الناس

.    فهو عظيم في تأثيره، فإنه الكتاب الوحيد القادر على إصلاح القلوب وترقية الآداب والمدنية الحقة

    وفوق هذا كله يشهد له الروح القدس لدى ضمائرنا، وكم اختبرنا صحة هذه الشهادة!! وقد قيل: «إِنْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ يَعْرِفُ ٱلتَّعْلِيمَ، هَلْ هُوَ مِنَ ٱللّٰهِ، أَمْ أَتَكَلَّمُ أَنَا مِنْ نَفْسِي» (  يوحنا ٧:١٧)

    فضلا عن كثرة الاقتباسات منه في كل عصر وجيل، فالشاعر الانكليزي الذائع الصيت «شكسبير» نقل عن التوراة والإنجيل ما يملأ كتاباً ضخماً، وأما الآباء الأولون فقد اقتبسوا في كتاباتهم كل آيات الكتاب المقدس..

    يوجد في المتحف البريطاني بلندرا (لندن) وفي متاحف أخرى نسخ خطّيّة قديمة جداً جداً.

وما  معنى إن كلّ الكتاب هو موحى به من الله؟
 معناه إن الله أرشد أذهان كاتبيه على نوعٍ خاص إلى إرادته، وعصمهم من الخطأ في ما كتبوه - فقال الرسول بطرس مشيراً إلى هذه الحقيقة إنه «لَمْ تَأْتِ نُبُّوَةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ ٱللّٰهِ ٱلْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (٢بطرس ١: ٢١) ويقول الرسول بولس: «كُلُّ ٱلْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ ٱللّٰهِ» (٢تيموثاوس ٣: ١٦) وفي لوقا ١: ٧٠ «كَمَا تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ ٱلْقِدِّيسِينَ». والمسيح نفسه صادَقَ على هذا فاستشهد بالتوراة بناءً على أنها قيلت بالروح القدس (قابل مزمور ١١٠ مع متى ٢٢: ٤٣ و٤٤).

وأما من جهة العهد الجديد فنجد أن المسيح وعد تلاميذه بإرسال الروح إليهم ليذكّرهم ويعلّمهم ويرشدهم إلى الحق (يوحنا ١٤: ٢٦ و١٦: ١٣). وشهد الرسل بذلك، وأظهروا أن ما كتبوه وعلَّموا به كان بإرشاد روح الله القدوس - قال بولس الرسول: «وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ ٱلْعَالَمِ، بَلِ ٱلرُّوحَ ٱلَّذِي مِنَ ٱللّٰهِ، لِنَعْرِفَ ٱلأَشْيَاءَ ٱلْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ ٱللّٰهِ، ٱلَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً، لا بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ» (١كورنثوس ٢: ١٢و١٣) 

و هل  كتب الكتاب المقدس دفعة واحدة؟
  كان إعلان هذا الكتاب يتقدَّم بالتدريج من الوعد الأول، وهو قوله في سفر التكوين (أول الكتاب) ما مضمونه أن «نسل المرأة يسحق رأس الحية» (تكوين٣: ١٥) (أي يسوع المولود من المرأة دون الرجل) إلى ختام ذبيحة الفداء للتكفير عن خطايا العالم التي قدمها المسيح على الصليب حين صرخ قائلاً: «قَدْ أُكْمِلَ» (يوحنا ١٩: ٣٠) وأسلم الروح. ومع أن هذا الاعلان كُتب بواسطة رجال مختلفين وفي أزمنة وأماكن مختلفة، إلا أننا نجد أجزاءه متفقة بعضها مع بعض، وكله يرمي إلى غرضٍ واحد ولا يتهيّأ لكَتَبَتِه ذلك إلا إذا اعتبرنا أنهم كتبوا ما كتبوه بإلهام الروح القدس..

في العهد القديم نجد الاستعداد لمجيء المسيح المجيء الأول بالنبوات والرموز الدالة عليه، والتي يمكن تطبيقها على أعماله وأحوال حياته.

 نجد المسيح جاء فعلاً وتمَّ فيه جميع ما هو مكتوب في أسفار العهد القديم. ففي البشائر الأربع نجد الخبر عن تجسُّده العجيب ومعجزاته وتعليمه وأعماله. وفي سفر الأعمال نجد أن هذه الحقائق المتعلّقة بشخص المسيح قد كُرز بها في أقسام كثيرة من الأرض، وآمن بها خَلْقٌ لا يُعدُّون. وفي الرسائل نجد إيضاحها وتفسيرها وحضّ المسيحيين على السير بمقتضاها. وكان ذلك على الخصوص بواسطة خدمة الرسل الذين اختارهم المسيح ورشَّحهم بالروح القدس، ليشهدوا له ويكرزوا بين الناس بذات شخصه العجيب وفضائله وأعماله. لذلك نعتبر عملهم كأنه عمل المسيح نفسه من الوجهة التعليمية.

نحن نؤمن أن كلمة الله المتضمَّنة في أسفار العهدين الجديد والقديم، هي الدستور الوحيد الذي رسمه الله لنا لنسير عليه في الإيمان والأعمال، وفيه طريقة الخلاص مشروحة للإنسان وتقديسه وإرشاده إلى كل ما يلزمه في هذه الحياة الدنيا. كتب بولس الرسول إلى تيموثاوس يقول: «وَأَنَّكَ مُنْذُ ٱلطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ ٱلْكُتُبَ ٱلْمُقَدَّسَةَ، ٱلْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاصِ، بِٱلإِيمَانِ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. كُلُّ ٱلْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ ٱللّٰهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَٱلتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَٱلتَّأْدِيبِ ٱلَّذِي فِي ٱلْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ ٱللّٰهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ» (٢تيموثاوس ٣: ١٥-١٧). فالكتاب المقدس كافٍ لكل مطاليب الإنسان الدينية في كل زمان ومكان, وبالرغم  أن في الكتاب المقدس أسراراً كثيرة غامضة، لكن الأمور الضرورية للخلاص واضحة كل الوضوح.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع