الهجوم الأمريكي على سوريا إلى أين؟
د. عبد الخالق حسين
الأحد ٩ ابريل ٢٠١٧
د.عبدالخالق حسين
يبدو أن كل ما وعد به دونالد ترامب في حملته الانتخابية بالقضاء على الإرهاب والتطرف الإسلامي، ومسح الأرض بهم، كان مجرد وعود انتخابية خادعة، فبعد فوزه وتسلمه الرئاسة، صار كلام الليل يمحوه النهار. فقد هدد السعودية بأسوأ العواقب، وإذا بعلاقته معها تصبح أفضل من أي وقت مضى، كما أشار بالتقارب مع سوريا وروسيا، وقال أن بقاء بشار الأسد في الحكم ضروري لمحاربة الإرهاب، وحتى قبل أيام قال أن مصير الأسد يقرره الشعب السوري، وإذا به يتدخل بشكل سافر ومباشر ومدمر في ضرب سوريا، لصالح القوى الإرهابية ومن يرعاها. وحتى علاقته مع روسيا الآن هي الأسوأ منذ أزمة الصواريخ الكوبية في الستينات من القرن الماضي، و مهددة بالصدام المسلح.
أما الإدعاء بأن الأسد استخدم غاز الأعصاب ضد المدنيين وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وأن ترامب، "العاطفي جداً" تألم كثيراً على مشهد صورة الطفل الرضيع وهو يموت بسبب الغازات السامة، فهذه لعبة معروفة لا تنطلي على أحد، ولن تصمد أمام أية محاجة منطقية، وليست في صالح رئيس دولة عظمى يتخذ قراراته بتأثير صورة قد تكون ملفقة. فالمعروف أن الجيش السوري حقق انتصارات عظيمة على التنظيمات الإرهابية، وحرر حلب وتدمر ومناطق أخرى في الأشهر الأخيرة بأسلحته التقليدية ، وبدون الحاجة إلى استخدام السلاح الكيمياوي المحرم دولياً، فلماذا يخلق الأسد لنفسه هذه المشكلة ليعطي الذريعة لأعدائه باستغلالها في كسب الرأي العام العالمي ضده، في الوقت الذي بدأ فيه الإرهاب بالتقهقر و الانحسار في كل من العراق وسوريا؟
لذلك نعتقد أن فيلم الغازات السامة تمت فبركته لإقناع ترامب، وخاصة دور صهره جارد كشنر الموالي المتشدد لإسرائيل، بتغيير موقفه من الأسد، وتدخله المباشر لإجهاض النصر على الإرهاب وإعادة السيناريو الليبي، وتحويل سوريا إلى أفغانستان ثانية بغية إكمال تدمير البلاد العربية الرافضة لإسرائيل. فقد كشفت منظمة "أطباء سويديون لحقوق الإنسان" (SWEDRHR) خداع ما يسمى بالـ"الخوذ البيضاء": من يسمون أنفسهم منقذين وطوعيين لم ينقذوا الأطفال السوريين، بل على العكس قاموا بقتلهم لأجل تصوير مقاطع إعلامية أكثر واقعية(1). كذلك كشف موقع أميركي (Global Reserchh)، أن وزارة الدفاع الأميركية قامت بتدريب عناصر داعش والنصرة على استخدام الأسلحه الكيميائيه في سوريا من أجل اتهام حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، واتخاذه ذريعة للتدخل الأمريكي في إسقاط الحكومة السورية(2) .
فقد نوقش موضوع الضربة الكيمياوية في مجلس الأمن الدولي، وتم الاقتراح لإرسال لجنة من الخبراء للتحقيق في الأمر، ومعرفة مصدر المواد الكيمياوية ولكن تم تأجيل الجلسة لأسباب غير معروفة. فالمعارضة ومعها الحكومات المعادية لسوريا تقول أن القوة الجوية السورية هي التي قصفت المبنى في خان شيخو في إدلب يالسلاح الكيمياوي. بينما الحكومة السورية أكدت على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم "أن بلاده لن ولم تستخدم الاسلحة الكيماوية، حتى ضد الارهابيين الذين يقتلون شعبنا"، وأن المجموعات الارهابية استمرت في تخزين الاسلحة الكيماوية في المناطق السكنية، وأن بلاده أعلمت الأمم المتحدة عن مواد كيميائية دخلت من تركيا إلى الإرهابيين في سوريا."(3)
إلا إن أمريكا لم تنتظر لنتائج التحقيق ولا حتى البدء بإجرائه، بل تعجلت في الهجوم، إذ أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، إطلاق 59 صاروخا من طراز توماهوك من سفينتين في البحر المتوسط في الساعة 4:40 بتوقيت سوريا (01:40 بتوقيت غرينتش) من فجر يوم الجمعة 7 أبريل 2017، وضربت قاعدة الشعيرات الجوية السورية، التي يشتبه في أن أسلحة كيمياوية كانت بها.(4)
و وفق جميع المعايير، يُعد هذا القصف الصاروخي عدواًناً صارخاً على الشعب السوري ودولته ذات السيادة، وانتهاكاً للقانون الدولي، ودعماً للإرهاب، إذ كما قال محافظ حمص طلال البرازي إن "الغارات الأمريكية تخدم أهداف تنظيم الدولة الإسلامية [داعش] ومجموعات مسلحة إرهابية أخرى". كذلك جاء في تقرير لمراسل الـبي بي سي، أن هذا الضرب الصاروخي تزامن مع قيام تنظيم ما يدعى بالدولة الإسلامية، بشن هجوم على منطقة الفرقلس قرب مطار الشعيرات في الريف الشرقي لحمص. وهذا يعني أن هناك تنسيق مسبق بين الطرفين. والجدير بالذكر أن ترامب الذي قال قبل أيام أن الشعب السوري هو الذي يقرر مصير الأسد، وصفه بعد الهجوم بأنه "ديكتاتور استخدم أسلحة كيماوية مروعة ضد مدنيين أبرياء". لتبرير فعلته، سبحان مغير الأحوال!
ولذلك أعتقد أن أمريكا وحلفائها، لا يريدون التخلص من الإرهاب قبل تغيير الحكومة السورية وإقامة حكومة موالية لها، ومعادية لروسيا وإيران. فالهدف من القصف الأمريكي هو إبقاء التنظيمات الإرهابية لاستخدامها كهراوة ضد أية حكومة ترفض الخضوع لأمريكا وإسرائيل .
ماذا يعني هذا التطور المفاجئ الخطير في سياسة ترامب؟
أولاً، وكما أكدنا مراراً، أن تغيير رئيس الجمهورية في أمريكا، أو أية دولة غربية أخرى، لا يغير السياسة الخارجية لتلك الدولة، حتى ولو أراد الرئيس الجديد ذلك، لأن هذه الدول هي دول مؤسسات لها سياسة خارجية ثابتة لا تتغير بتغير الرئيس والحزب الحاكم إلا بدرجات العنف وبعض الشكليات السطحية
.
ثانياً، إن علاقات أمريكا مع العالم وبالأخص مع دول الشرق الأوسط تقررها مصالحها الأساسية الثلاث وهي: أمن إسرائيل، وأمن الدول الصديقة المتحالفة مع أمريكا وإسرائيل، أي الدول العربية الخليجية، وضمان تدفق النفط للغرب.
ثالثاً، لا تسمح أمريكا ببروز أية دولة عظمى مثل روسيا والصين، تنافسها في النفوذ في دول الشرق الأوسط والعالم، لذلك فالحرب ضد سوريا ومعاداة إيران، موجهة بالأساس ضد روسيا أولاً، والصين بالدرجة الثانية، لذلك تحاول أمريكا ومعها كل الدول الغربية تغيير هذه الحكومات الصديقة لروسيا والصين، ومعارضة لأمريكا وإسرائيل.
رابعاً، و بناءً على ما سبق، نلاحظ أن دول المنطقة الرافضة للإستراتيجية الأمريكية المذكورة أعلاه، مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن وإيران، تعاني من حروب ودمار وتقهقر وإرهاب، بينما الدول العربية الخليجية الحليفة لأمريكا وإسرائيل تعيش بسلام وتقدم وثراء وازدهار ورفاه رغم أنها أنظمة قبلية رجعية ديكتاتورية مطلقة باستثناء الكويت نسبياً، وبعضها راعية للإرهاب مثل السعودية وقطر.
خامساً، إن الغرض من هذه الهجمة العدوانية الشرسة على سوريا هو إعادة السيناريو الليبي لإغراق البلاد في فوضى عارمة، المستفيد منها هي إسرائيل، والتنظيمات الإرهابية التي تستخدمها أمريكا هراوة لضرب كل حكومة في المنطقة غير موالية لها ولإسرائيل.
لذلك فهذه الحالة المأساوية من الصراعات الدموية والإرهاب وعدم الاستقرار في دول الرفض في المنطقة ستستمر إلى أن تغيِّر هذه الدول سياساتها إزاء أمريكا، وتوافق على المصالحة مع إسرائيل. والسؤال هنا: هل هذا يعني أننا نؤمن بنظرية المؤامرة؟ الجواب: كلا، وإنما هذا هو الواقع المرير الذي نشاهده على الأرض. وعليه لا استقرار في الشرق الأوسط إلا بحل الصراع العربي- الإسرائيلي، وإقرار حق الشعب الفلسطيني بصورة عادلة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- أطباء سويديون: تم قتل الأطفال السوريين عمداً قبل تصويرهم في تمثيلية الكيميائي
http://www.akhbaar.org/home/2017/4/226614.html
2- تقرير أميركي: واشنطن دربت إرهابيين لضرب المدنيين بالأسلحة الكميائية
http://aletejahtv.org/permalink/158989.html
3- المعلم: لن ولم نستخدم الكيماوي حتى ضد الإرهابيين
http://www.akhbaar.org/home/2017/4/226547.html
4- مقتل ستة أشخاص في غارة أمريكية على قاعدة جوية في سوريا