الأقباط متحدون - مسلسل الرعب من فوق مسرح الوطن
  • ٠١:٢٤
  • الاثنين , ١٠ ابريل ٢٠١٧
English version

مسلسل الرعب من فوق مسرح الوطن

منير بشاي

مساحة رأي

٠٦: ٠٧ م +02:00 EET

الاثنين ١٠ ابريل ٢٠١٧

صورة من جنازة شهداء تفجير كنيسة مار مرقس بالإسكندرية
صورة من جنازة شهداء تفجير كنيسة مار مرقس بالإسكندرية

بقلم منير بشاى
"ما الحياة الا مسرح كبير" كلمات مأثورة لعميد المسرح العربى يوسف وهبى.  والشعب المصرى بطبعه شعب مجامل، والمجاملة نوعا من التمثيل. 

وقد تمادى الشعب المصرى فى عادة المجاملات لدرجة الابتذال حتى انك لا تستطيع الآن ان تتأكد من صدق اى اطراء تسمعه.  والناس تلجأ للتمثيل لانهم يريدون تفادى مواجهة الآخر بالحقيقة لأنها قد تكون موجعة وربما تتسبب فى جرح مشاعره.  ومن هنا وجدنا الناس يلجأون لاستعمال كلمات فضفاضة قد تشتمل على المبالغة او التلاعب بالكلمات بذكر وجه من الحقيقة وحجب الاوجه الأخرى.

ناهيك ان السامع غالبا ما يستطيع تخمين ان المتكلم يمثل عليه دورا وهو ايضا من ناحيته يمثل دور الذى يصدق.  وبذلك يشترك الاثنان فى تمثيلية لأن الطرفين يخشيان مواجهة الواحد للآخر بالحقيقة المرة التى قد تغلق باب الحوار بينهما وتضعهما امام مواجهة قد تضر بكليهما.

فى العلاقة بين عنصرى الامة من المسلمين والاقباط تعودنا على مثل هذه التمثيليات.  والقدر المعقول منها الذى يعبّر عن الود والتعايش المشترك، حتى لو كان يخفى مشاعر سلبية، يمكن اعتباره مقبولا طالما لا يتضمن اساءة لأحد. 

وقد اصبح هذا جزءا مكملا لحياتنا مثل منظر تقبيل اللحى بين العمم البيضاء والسوداء واصبحت المشاكل لا تحل الا بها.  وفى هذا الاطار تم ابتكار مجلس العائلة وقلنا انه طالما يهدف لتلطيف الجو العام وحل بعض المشاكل فلا ضرر.  ولكن مع مرور الوقت انزعجنا عندما اكتشفنا ان هذا قد اسهم فى غياب دولة القانون وتحجيم دور القضاء.  وازدادت المشكلة عندما ادركنا ان الاعتماد على القضاء لم يكن ايضا الحل الذى كنا نصبوا له عندما رأينا القضاء احيانا يترك القانون ويحكم بمبادىء شريعة دينية ضد مواطنين لا يؤمنوا بها.  ورأينا الاقباط يصيبهم الغبن لكونهم اقباطا وقضايا ازدراء الاديان خير مثال على ذلك وهى التى صممّت لحماية المسيحيين ضد ازدراء المسيحية فانقلبت ضدهم لدرجة انهم يطالبون اليوم بالغائها.

اما فى علاقة الدولة بالاقباط فقد تعودنا ان نسمع الكلمات الجميلة والتى تتوقف عند حد الكلام.  وهذا دفع بالكثيرين من الاقباط الى اعتزال العمل السياسى لادراكهم انه لا جدوى منه فما تريده الدولة ستعمله بدون مراعاة لرأى الاقباط.  ومن ناحية اخرى كان الاقباط يلامون على عزوفهم عن العمل العام وقيل لهم ان مشاكلكم هى بسبب سلبيتكم.

ثم جاءت ثورة 25 يناير وكان للاقباط دورا فاعلا فيها.  وبعد ان ركبها الاخوان وصعدوا للحكم وظهرت نواياهم للجميع كان للاقباط دورا فى حركة تمرد التى كانت الاساس لثورة 30 يونيو لاسقاط حكم الاخوان.  وكان قداسة البابا جزءا من المؤتمر الذى عقده السيسى لاعلان تأييد الشعب للجيش والتى تسببت فى انتقام الاخوان من الاقباط بتدمير نحو 80 كنيسة فى يوم واحد.

اصبح الرئيس السيسى ايقونة يعشقها كل قبطى.  ومن ناحيته قام الرئيس السيسى بما لم يسبقه اليه رئيس وهو زيارة الكاتدرائية فى كل عيد ميلاد للتهنئة شخصيا.  واستمع الاقباط من الرئيس عبارات الحب والتقدير.  ومنها كلمات مثل "انتم نور عينيا".

ولكن بعد هذا مر الاقباط بظروف استهدفوا فيها على اساس الهوية الدينية وحدثت اعتداءات متكررة عليهم فى عدة محافظات وخاصة فى محافظة المنيا وكانت هذه تنتهى دائما بغبن الاقباط بما فى ذلك حرق كنائسهم وحرق بيوتهم ومتاجرهم وتهجيرهم من قراهم بناء على احكام جلسات المصاطب ودون اى تدخل من الدولة او اهتمام من الرئيس.  بل ان التعيينات للوظائف العليا مثل الوزراء والمحافظين ومأمورى اقسام الشرطة وجهاز امن الوطن ومديرى الجامعات وعمداء الكليات وغيرها وغيرها فقد كانت العين لا تستطيع اغفال غياب الاقباط شبه الكامل منها.  ناهيك عن استهداف القبطيات وبعضهن من القصر بالخطف والاسلمة الجبرية تحت رعاية الدولة.

وعندما اصبح واضحا ان الاقباط صاروا هدفا لداعش واصفين اياهم بأنهم "صيدهم المفضل" لم تتحرك الدولة الا بعد وقوع المحظور.  حدث هذا عندما تركت الدولة اقباط العريش وحدهم يواجهون الموت لمدى ايام قبل ان يقرروا ترك بيوتهم ويهربوا الى خارج المدينة.

اما الاعتداءات الأخيرة فى الاسكندرية وطنطا فى يوم 9 ابريل 2017 فقد فاقت كل الوصف فى مسلسل الرعب الذى يعيشه الاقباط.  كانت هذه البعير الذى قصم القشة التى كانت يتعلق بها الاقباط مع دولة لا تهتم بهم ولا ترعى مصالحهم.  وبدا وكأن الأقباط اصبحوا كمية مهملة تنفقها الدولة بلا اهتمام لارضاء خصوم الاقباط فى لعبة توازنات يقتل فيها الاقباط على الهوية ويتلقون فى المقابل عبارة الشجب مع غياب القصاص للجناة او تأمين الضحايا أو ازالة جذور التعصب مثل تجديد الخطاب الدينى الذى تكرر الكلام فيه حتى اصبح يعامل كنوع من الدعابة.  اما فضيلة شيخ الازهر الذى لم يتورع عن وصف الاقباط بالكفر فلم يرى ان داعش تستحق هذا التوصيف الكريم.

لا اظن ان احدا يحب الاشارة الى الاقباط على وجه التحديد.  وكنا نود ان لا نستعمل هذه اللغة ونشير الى كل مواطن على انه مصرى (وبس).  ولكن ان لم نفعل هذا نكون غير صادقين ونكون جزءا من التمثيلية المقيتة التى تعبنا منها والتى فيها نعلم اننا لا نقول الصدق.  من يريدوننا ان نتكلم عن الاقباط على انهم مصريون فقط نسيوا او تناسوا ان المستهدف فى التدمير هى الكنائس وليست الجوامع وان المعنيين بالقتل هم بطرس وجرجس ودميانة وليس على وحسن وزينب.

المقلق فى الامر انه لا يبدو ان هناك نية فى العلاج غير تقديم الكلام.  ولذلك فطالما ان الامور فى مصر تسير على نفس النمط الذى افرز لنا كل مآسى الماضى فمن السذاجة ان نتصور ان الحاضر او المستقبل سوف يتغير.  آسف لاستعمال هذه النغمة المتشائمة فهى الأصدق.

Mounir.bishay@sbcglobal.net

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع