الأقباط متحدون - ذكريات «السعف» الأحمر!!
  • ١١:٠٣
  • الاربعاء , ١٢ ابريل ٢٠١٧
English version

ذكريات «السعف» الأحمر!!

مقالات مختارة | د. محمد صلاح البدرى

٣٢: ٠٨ ص +02:00 EET

الاربعاء ١٢ ابريل ٢٠١٧

د. محمد صلاح البدرى
د. محمد صلاح البدرى

١- لدىّ ارتباط نفسى منذ الطفولة بما يسمونه «السعف».. تلك الأوراق الخضراء التى تتناثر فى طرقات مدينتى الصعيدية الصغيرة إبان عيد الشعانين القبطى.. التى يجول بها الباعة فى الشوارع الضيقة.. وربما يصنعون بعض الضفائر التى تجذب انتباه الأطفال لهم.. ما زلت أذكر ذلك الطفل الذى تجره والدته فى الطريق.. فيلمح تلك العربة الجائلة المحملة بالأوراق الخضراء الطويلة.. ليهتف لأمه بدلال أنه يريد بعضها.. أذكر كيف كانت تبتسم فى حنان.. قبل أن تبتاع له بعضاً منها.. ليمسك بها وهى تفوقه طولاً ببهجة واضحة لا يفهم مغزاها! فى المساء ستصنع له أمه بعض الأشكال والضفائر بذلك السعف كما تفعل كل عام.. وسيحتفظ بها بعض الوقت فى حجرته الصغيرة! لم يكن الطفل قبطياً.. ولم يفهم بعد مغزى «أحد الشعانين».. أو «أحد السعف» باللغة الدارجة.. ولكنها أجواء العيد التى يشعر بها جيداً.. ويبتهج بسببها كل عام! لقد كبر الطفل وصار رجلاً يخط الشيب رأسه.. ولكنه ما زال يملك ذكريات مع «السعف».. كلها مبهجة!

٢- تتصاعد الترانيم من داخل جدران الكنائس فى تناغم وخشوع ممزوج بالفرحة.. يمسك الأطفال بالسعف فى أيديهم ابتهاجاً باستقبال المسيح صباح يوم العيد.. المشهد يحمل حميمية وسلام لا تخطئهما العين أبداً.. ولكن يبدو أن البعض يرفض اكتمال الصورة! انفجار مفاجئ يهز أرجاء الكنيسة فى عنف.. يصرخ الأطفال فى فزع بينما يتصاعد الغبار وألسنة اللهب.. الكثير من الدمار يملأ المكان الذى كان يتغنى بترانيم السلام منذ لحظات.. الأشلاء تتناثر فى بشاعة تليق بحادث يستهدف داراً للعبادة! لقد تلطخ السعف الأخضر بالدماء.. وتحول العيد فى الكنيسة إلى مأتم كبير!

٣- يقف ذلك الضابط المصرى «المسلم» أمام الكنيسة المرقسية بالإسكندرية.. الغضب يبدو واضحاً على ملامحه.. لقد وصلته الأخبار عن ذلك الانفجار الذى وقع بكنيسة فى مدينة طنطا.. لم يعرف بعد تفاصيل الحادث بدقة.. سينتهى من خدمته فى تأمين تلك الكنيسة ويعود لمكتبه ليتابع الأخبار بصورة أكثر دقة! يثير انتباهه ذلك الشاب الذى يقترب من الكنيسة فى سرعة وتوتر.. يستيقظ حسه الأمنى أن هناك ما يريب فيه.. يسبقه عم نسيم عامل الكنيسة بأن يطلب منه أن يمر عبر البوابة الإلكترونية.. يزداد توتر الشاب وهو يحاول أن يخفى ارتباكه أمام الضابط.. يتطور الأمر سريعاً قبل أن يدرك الضابط ما يرغب الشاب فى فعله.. وقبل أن يلمح تلك المتفجرات التى تحيط بخصره! لحظات قليلة مضت حتى اتخذ الشاب قراره.. ثم دوى الانفجار! لقد فقد الضابط حياته فى لحظة واحدة.. فقدها وهو يؤدى واجبه بحماية من هم مسئول عن تأمينهم.. إنها المسئولية الوطنية التى حملها على عاتقه.. حتى استشهد دونها!!

٤- ربما ليست المرة الأولى التى يتم استهداف الكنائس فيها ويوم العيد تحديداً.. وليست المرة الأولى أيضاً التى تتناثر الأقاويل عن التقصير الأمنى الواضح الذى يصاحب الحوادث المشابهة.. التى كان أقربها حادث الكنيسة البطرسية بالعباسية منذ شهور قليلة.. ولكنها المرة الأولى التى يتم استهداف أكثر من كنيسة فى أوقات متقاربة بهذا الشكل! المخطط أوضح من أن يتم تفسيره.. البعض يحاول استهداف الأقباط تحديداً بقوة وإصرار.. لينثر بذور الغضب فى نفوسهم.. وليرسل رسالة للخارج مفادها أن مصر غير آمنة على أقباطها! إنها اللعبة القديمة.. ولكنها لا تفلح مع هذا الشعب.. ولن تفلح أبداً!

٥- أملك ذكريات كثيرة مع «السعف».. ولكنها لم تعد كلها مبهجة!!

ولقد أضفت إليها مشاهد الأطفال التى تبكى فزعاً بعد أن تلطخ السعف فى يدها بالدماء... ومشاهد استشهاد من قرر أن يحمى مواطنيه بجسده! لن تتوقف المؤامرة قريباً.. وربما تتكرر محاولات استهداف الأقباط تحديداً.. ولكننى أعرف أن أقباطنا أكثر حكمة ووطنية من أن ينزلقوا فى ذلك الفخ.. وأنهم لن يفقدوا إيمانهم بذلك الوطن أبداً. صديقى القبطى.. فلتعلق صليبك فى هلالى.. فقتيلك أخى ومصابك أبى.. وكنيستك ملجأى.. إن فقدت مساجدى.!
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع