الإفتاء تصدر عددًا خاصًا بالإنجليزية حول تفجيري كنيستي طنطا والإسكندرية
أخبار مصرية | البوابة
الاربعاء ١٢ ابريل ٢٠١٧
أصدرت دار الإفتاء المصرية، عددًا خاصًّا من مجلة "Insight" التي أطلقتها الدار منذ عام للرد على مجلة "دابق" التي يصدرها تنظم "داعش" الإرهابي باللغة الإنجليزية؛ ردًّا على التفجير الإرهابي في محيط كنيستَي طنطا والإسكندرية، وراح ضحيتها العشرات من المصريين.
افتُتح العدد الذي صدر بعنوان: "جرائم الإرهابيين ضد المواطنين المسيحيين" باستعراض لجرائم التنظيمات الإرهابية ضد غير المسلمين، وخاصة المسيحيين، في مصر وليبيا والعراق وسوريا وكينيا، مِن قتل وحرق وتهجير وهدم لدور العبادة، ثم ذكرت الافتتاحية العهد والقواعد التي وضعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لضمان حقوق المسيحيين والأقليات الدينية وحماية دور عبادتهم.
وبعنوان "أيديولوجية الكراهية ضد الأقليات الدينية"، جاء بحث مهم تحدث عن كيفية استخدام الجماعات الإرهابية ستار الدين لتغطية أعمالهم الإجرامية المتطرفة العنيفة على نحو صارخ تجاه غير المسلمين، وهو ما يكشف عن منطقها المشوه ومصادرها المزيفة التي تستقي منها هذا الفكر من أجل شرعنة جرائمها ضد الأقليات الدينية.
وأوضح البحث أن أحد العيوب الأيديولوجية التي وقعت فيها هذه الجماعات الدموية أنهم يرفضون بشكل فِجٍّ كل آية من آيات القرآن لا تتناسب مع اتجاهاتهم الدموية، بل ويعلنون بشكل صارخ الحرب من جانب واحد ضد المسلمين وغير المسلمين الذين لا يشاركونهم عقليتهم المريضة التي تشتهي سفك الدماء.
ومن أمثلة ذلك تجاهلهم للتصور القرآني للتنوع والأخوة بين البشر جميعًا وعلاقة التعايش والسلام التي يجب أن تكون بين المسلمين وغير المسلمين وهو ما جاء في الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13]، وهو ما يدل على أن القرآن قد حثنا على تبني التنوع والاختلافات في التعامل مع الناس، سواء كانت اختلافات دينية أو عرقية أو ثقافية، إلا أن الجماعات المتطرفة تصر على اعتبار أي شخص يرفض أيديولوجيتهم المتطرفة هدفًا مشروعًا يجب أن يُقتل، وهو ما يتناقض تمامًا مع الرسالة القرآنية الواضحة التي يقول فيها الله سبحانه وتعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].
فضلًا عن تضييقهم لمفهوم الجهاد وحصره بفهمهم السقيم في مسألة القتل وذبح المخالف، والادعاء بأن هذا الفكر هو الجهاد الحقيقي الذي شرعه الله عز وجل، على الرغم من أن الجهاد قد شُرع للدفاع عن النفس وحماية الفرد والمجتمع، والذي هو من صلاحيات حاكم الدولة أو من ينيبه، وليس للأفراد أو الجماعات العادية.
وأضاف البحث أن الإرهابيين يعتبرون أن غير المسلمين أعداءً للإسلام؛ وبالتالي فإن لديهم خيارين فقط، هما: إما تبنِّي الإسلام الذي يدعيه المتطرفون وإما أن تقطع رءوسهم، وهو فكر سقيم ومتناقض بشكل كبير مع روح الإسلام الذي يصف المسيحيين بأنهم "أهل الكتاب" وبيَّن أن لهم احترامًا، فضلًا عن أن الشريع الإسلامي يحظر بشكل صريح تدمير أو الاعتداء على دور عبادتهم بما في ذلك الكنائس، ويأمر المسلمين بأن يكونوا منصفين لهم ما داموا مسالمين.
واستعرض العدد الجديد من المجلة في مقال "أمثلة ساطعة من التعاليم الإسلامية المسيحية" تلك الأمثلة التي تدل على مدى التعايش والاندماج المثمر الإيجابي بين المسلمين والمسيحيين على مر التاريخ، والتي كان أولها في هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة، التي كان يحكمها ملك مسيحي، وصفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه «ملك عادل لا يظلم عنده أحد» (مسند أحمد).
وهناك رحَّب بالمسلمين وحماهم وعاشوا في سلام مع مسيحيي الحبشة، وحينها حاول كفار قريش أن يوقعوا بينهما، فادعوا أن الإسلام يسبُّ سيدنا عيسى المسيح، ولكن الملك العادل استمع إلى الصحابي جعفر بن أبي طالب الذي بيَّن له الحقيقة، فقال النجاشي: "إن هذا الكلام لا يخرج إلا من مشكاة واحدة"، وتعهد بحمايتهم.
ومن النماذج التي ذكرها المقال كذلك عندما فتح الفاروق عمر بن الخطاب القدس، وكتب العهدة العمرية التي تضمن حقوق المسيحيين، وعندما حانت الصلاة طلب منه المسيحيون أن يصليَ في الكنيسة؛ فرفض حتى لا يأخذها بعض الناس ذريعة في المستقبل ليحولوا الكنيسة إلى مسجد.
ومن الأمور المشرِّفة كذلك أن أعطى المسيحيون مفتاح كنيسة القيامة للمسلمين؛ ليكونوا مسئولين عن حمايتها، ولا يزال المفتاح مع أسرة مسلمة حتى الآن.