الأقباط متحدون | ثورة الشباب ( 25 يناير 2011 م ) مصر الي عهد جديد
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٦:١٠ | الأحد ٢٠ فبراير ٢٠١١ | ١٣ أمشير ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣١٠ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

ثورة الشباب ( 25 يناير 2011 م ) مصر الي عهد جديد

بقلم: رهبان دير ابو مقار | السبت ١٩ فبراير ٢٠١١ - ٢٧: ١١ م +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

عن مجلة مار مرقس الشهرية عدد مارس 2011 والتي يحرِّرها رهبان دير القديس أنبا مقار بوادي النطرون
بقلم: رهبان دير ابو مقار

في صباح يوم الثلاثاء 25 يناير 2011م، استيقظ المصريون على انتفاضة شعبية هي ”ثورة شباب مصر“، التي انفعلت بما آل إليه الوطن من تراكمات: من فساد سياسي، وسوء توزيع الثروة، والتنكيل بالأبرياء، وإهدار حقوق الإنسان، وغير ذلك مما نادَى به شباب ميدان التحرير، طالبين إسقاط النظام والقضاء على الفساد.
وحركة الشباب هذه هي الفَوْرة التي حطَّمت كل القيود، وأنهضت الشعب كله في احتجاجٍ على التجاوزات التي حدثت في عهد الرئيس السابق لمدة 30 عاماً، حتى لم يَعُد ممكناً كَبْـتُها أو المداراة عليها.
- إنه لا يمكن لأحد أن يلوم الشعوب المقموعة، إنْ هي غضبت وثارت ، حتى ولو كانت ثورتها عارمة وغَضْبَتُها صارمة. وهذا نابعٌ من الطبيعة البشرية التي وشَّحها الله بالإمكانيات الروحية.
- فأصل الثورات وغضب الشعوب ، نجد أساسه أنَّ الإنسان في خلقته الأولى، كان هو الحَلَقَة الأخيرة في سلسلة المخلوقات الدنيوية، فهو مخلوقٌ أكثر سُموّاً من باقي المخلوقات السابقة عليه؛ إذ هو ينتمي - في نفس الوقت - إلى عالم الأرض الدنيوي، وكذلك إلى عالم السماء الروحي.
وهذا جعل الإنسان أحياناً - وفي أوقات الظلم الفادح، والقمع الوحشي للحرية، وسوء توزيع الثروة الفاضح - يقع في نوع من الالتباس والحيرة ما بين أصله الأرضي وغايته النهائية أي الحرية، حتى أنه إذ يفلت منه زمام الاستكانة، ينتفض ثائراً ثورة عارمة على الظلم وقهر الحرية.
- إذن، فنستطيع أن نقول إن غاية الطبيعة البشرية إنما هي الإنسانية الحُرَّة المتسامية إلى أعلى بما لا نهاية لتساميها. والله، إذ حدَّد للناس هذه الغاية، إنما يكون قد وضع مصيرهم بين أيديهم، منذ اللحظة التي خصَّهم بها، من دون كل المخلوقات، بالعقل والضمير ومعرفة الحق ، والتي غرزها في صميم طبيعتهم البشرية.
والثورات هي ردُّ الفعل التلقائي من الثوار، ضد قمع الحرية والاستبداد والظلم.
- والثورات دائماً ما تكون خطوة فارقة في تاريخ الشعوب، ولكنها تكون هي الحافز الصعب والمِنْخَس المؤلم من أجل تقدُّم الشعوب وولادتها من جديد؛ ولادة تكون غنية بالحرية، زاخرة بالمعرفة - معرفة أسرار الكون الذي حولنا - والتقدُّم نحو الغاية التي خُلق عليها الإنسان: أي البشرية الكاملة القائمة على وحدة الكيان التي تجعل الأفراد معاً كتلة واحدة وكياناً متحداً واحداً: سواء في محيطها الأصغر أي ”الدولة“، أو في محيطها الأوسع أي ”العالم“.
- والثورة التي تقوم على هذه المعرفة تدوم طويلاً، لأن أركانها تُبنَى على قواعد صلبة. لذلك، فمن أجل أن تترسَّخ أُسس الثورة، لابد من إسهام المُفكِّرين والرائين - أي ذوي الرؤية الثاقبة - والفلاسفة؛ ليرصفوا الطريق الصحيح لقيامها ودوامها، ولكي يرشدوا شعوبها على الطريقة المُثلَى لتحقيق ذلك.
لقد كان تأثير بضع رجال حُكماء كفيلاً بقيام ثورتين تاريخيتين : الأمريكية والفرنسية (في القرن الثامن عشر) اللتين كانتا نقطة تحوُّل في تاريخ العالم الحديث، بل وإلهاماً لمسيرة شعوب أخرى؛ إلاَّ أنَّ ثورتنا المصرية هذه تتميَّز عنهما بأنها ثورة بيضاء، لم يستخدم القائمون عليها سلاحاً ولم يرفعوا سيفاً.
لكن الثورات التي تنبثق من عقول المُفكِّرين والفلاسفة أكثر ثباتاً ودواماً من الأفكار التي تنبثق من عقول الثوار فقط.
لذلك، فإن الثورات المشتَّتة التي لا تعرف ماذا تريد، تذبُل بعد انتصارها. وغالباً ما تأتي فئات من أصحاب المصالح لتتغذَّى على دماء الشهداء الذين سقطوا ضحايا فيها، وتختطف ثمار جهود الشعوب الثائرة قبل أن تقطف هذه الشعوب هذه الثمار، ثم يصير هؤلاء المختطِفون بعد ذلك كابوساً على ضمائر وحريات هذه الشعوب.
- إلاَّ أنه يجب أن نعرف - مُقدَّماً - أنَّ الثورات التي تقوم على الفكر والفلسفة، تجني الشعوب ثمارها بعد عشرات السنين، حيث إن المعرفة الحقَّة تحتاج إلى وقت لكي تهضمها الشعوب وتفهمها، وبعد ذلك تجني ثمار ثوراتها الواعية الهادفة.
ولا شكَّ أن هذا ليس خافياً على شباب ثورتنا الوليدة، ثورة شباب 25 يناير، ولا خافياً عليهم أيضاً احتياجهم إلى مُنظِّرين ومُفكِّرين وفلاسفة ورائين (بالرؤية الثاقبة البعيدة)، ليخرجوا بهذه الثورة من كونها بذرة جافة، لتتطوَّر إلى نَبْتة، يمدُّونها بالمُخْصبات الضامنة لتصير شجرة وارفة مُثمرة تُظلِّل على هذا الوطن ”مصر“، وتحميه من غوائل الزمن، وتطرح على الوطن وجيرانه من ثمارها الوافرة.
إن ثورة 25 يناير هي ثورة واعية، لا شكَّ سوف تتقدَّمها المبادئ الحضارية لتنقلها من قلوب الناس إلى عقولهم، ومِِن ثمَّ تُحرِّك سواعدهم لتصير أيادي صانعة وزارعة ومُنتِجة، تُغني مصر، ويفيض غناها على مَن حولها.
لذلك لا تكتفي الثورات الفعَّالة فقط بتغيير رموز السلطة الغاشمة، أو في الثأر منهم، أو الفرح برحيلهم وغيابهم الأبدي، فهذا ردُّ فعل مبدئي لا مفرَّ منه بعد طول معاناة؛ بل وأيضاً تهتم بتغيير عقليات الشعب، وتجديد فكر السُّلطة والرئاسة، وإصلاح هياكلها وأدواتها، المتمثِّلة أساساً في دستور حضاري لدولة مدنية بالحق والكمال، وفي تغيير الآليَّة والعقلية التي تُدار بها الدولة: من سلطة قمع إلى سلطة تحرير النفوس من العبودية للأنانية والنزوات والأهواء الشخصية ، حتى تجعل هذا الإنسان وحريته هي أساس استقرارها.
ومِِن ثَمَّ تصير الحرية أكثر من كونها تحرُّراً من القيود، بل انتصاراً على أهواء النفس التي تحُضُّ على الفساد، وهذه آفة كل نظام حُكْم فاشل.
- فالأصل في الحرية أن يحاول الإنسان التحرُّر من طُغيان نزواته وشهواته الدُّنيا على نفسه ، تلك الشهوات التي تُكبِّله بقيود أقوى وأَمْتَن من قيود الحديد. وهذا هو السبيل إلى تحرُّر رجال السلطة من الفساد: أي الحرية الباطنية من أهواء النفس أولاً.
كيف نسعى إلى خَلْق جيل من الأحرار متحرِّرين من طغيان نزوات نفوسهم عليهم؟ تلك هي المُعضلة!
كيف نجعل الإنسان الحُرَّ لا يطغى ليكسب مالاً أو نفوذاً، بينما أفواه الأحرار الآخرين الأقل منه منزلة ونفوذاً جائعة وأجسادهم عارية؟
إذا كان أهل السياسة والحُكْم وذوو السلطة مُسلَّحين بالطهارة في نفوسهم، فسوف لا يَخْشَوْن من رقابة فعَّالة على أموالهم ، من خلال هيئة مُحاسبة وبرلمان أعضاؤه مُسلَّحون أيضاً بطهارة ونزاهة النفس، وبالرؤية والحُكْم المُجرَّدَيْن من أية نزوات أو انحيازات.
- فما الدولة إلاَّ أداة، غايتها توفير العَيْش الكريم لكل فرد من الشعب، بدون تُخْمة البعض على حساب جوع البعض الآخر.
- وتبقى الدولة خادماً لتحقيق أن يعيش الناس حياةً كريمة، وينال كل موظف وعامل مكافأة عادلة لعمله؛ فلا استغلالََ ولا استعلاءََ من طبقة موظفين كبارٍ على موظفين وعمال صغار. فالخادم يكون خادماً حقّاً إذا أفاد الآخرين، ليصير الكل كتلة وطنية واحـدة في جماعة وطنية متحابَّة.
- والجماعة أو الكتلة الوطنية هي كيان عضوي يضمُّ كل المواطنين. وليس في الوطن وطنيات صُغرى (على أساس طائفي) ضمن الوطنية الكُبرى؛ بل الجماعة الوطنية هي كيان واحد يضمُّ الكلَّ مهما كانت دياناتهم.
وهذا الكيان لا يمكن أن يُنسَب له دِين، بل ”الدِّين“ في الجماعة الوطنية هو علاقة كل مواطن – حسب دينه - بربِّه بينه وبين الله، ولا تدخُّل من أيِّ بشرٍ في هذه العلاقة، لأن الله هو الذي وحده يقدر أن ينظر إلى القلب، وأما البشر فلا يقدرون أن ينظروا إلاَّ إلى الوجه والمظهر الخارجي.
***
أَلا فليُبارِك الله شعبه في مصر، حسب المقولة الإلهية القديمة: « مبارك شعبي مصر »، ولْيَحْمِها من كل شرٍّ وفساد وطغيان من الداخل ومن الخارج.
والله يسمع ويستجيب!




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :