بِسْم الله الرحمن الرحيم
مقالات مختارة | بقلم : رولا خرسا
٢١:
٠٩
م +02:00 EET
السبت ٢٢ ابريل ٢٠١٧
أول كلامنا دوما: بِسْم الله الرحمن الرحيم.. آية صغيرة نبدأ بها كل سُوَر القرآن الكريم إلا سورة التوبة، لأسباب اختلف عليها العلماء.
بسم الله نبدأ، وسبحانه اختار لنفسه اسما، هو «الله»، وانفرد بهذا الاسم، لا يجرؤ أحد على تسمية نفسه به وإن كان كافرا أو ملحدا.. و«الله» اسم فيه كل صفات الكمال، وفيه القدرة التى لا يمتلكها غيره، فيه تفرد وعظمة، وعندما قال سبحانه: «بِسْم الله» جمع فى كلمة «الله» بين كل أسمائه، التى نعلمها والتى لا نعلمها، لم يقل بِسْم القوى أو الودود أو الجبار أو الرزاق أو الوهاب، أو أى من أسمائه، بل قال: «بِسْم الله»، لأن «الله» اسم جامع لكل الأسماء الحسنى ولكل الصفات التى نعرفها والتى لا نعرفها.. لله قدرات لا يملكها بشر، لذا فلقد جعلنا مستعينين بهذه القدرات فى رسالة واضحة عندما بدأ سبحانه بها كل سورة، أى أن البدء يجب أن يكون دوما بالاستعانة باسمه، والاستعانة به، بقدرته العليا.. إذن أصل كل شىء والبدء بكل شىء يكون بالاستعانة بأسمائه، أيا كان الهدف، نستعين بالله، وفى لفظ الجلالة اختصار لكل الأسماء وقوة نشحن بها أنفسنا.
لفظ الجلالة (الله): هو الاسم الأعظم، والمفترض أن يكون الغنى عن التعريف، اختص به الخالق نفسه دون سواه، والصحيح أنه مشتق من أله يأله، ألوهة وإلهة، فهو إله، بمعنى مألوه، أى معبود، فهو: ذو الألوهية.
يأتى بعد اسم الله «الرحمن»، و«الرحمن» هو اسم من أسماء الله الخاصة به، إذ لا نصف أبدا بشرا بـ«الرحمن»، والله خَص نفسه بهذا الاسم، ومعناه ذو الرحمة الواسعة، وهو أخص أسماء الله بعد لفظ الجلالة. «الرحمن» هو مَن يرحم جميع المخلوقات، كل ما على الأرض أو فى الوجود، وصفة الرحمة هى أخص صفاته، ولذا غالبا يأتى ترتيبها فى الخصوصية بعد لفظ الجلالة كما فى قوله تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن...) الآية 110 سورة الإسراء، أى أنه سبحانه قد ساوى بين الاسمين «الله» و«الرحمن». وبعد «الرحمن» نجد «الرحيم».
(الرحيم): اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه الموصل رحمته إلى مَن يشاء من عباده.
«الرحيم» كصفة بين بنى البشر يُقال فيها: هو مَن امتلك رقة فى القلب وكان متسامحا معاونا لطيفا عطوفا. «الرحمن» أبلغ من «الرحيم»، اسم يختص بالله عز وجل، ولا يجوز إطلاقه على غير الله. «الرحمن» و«الرحيم» من الرحمة، وسبحانه وسعت رحمته الجميع، لم يقل سبحانه: «بِسْم الله الرحمن» على المؤمنين فقط، بل جعلها عامة «بِسْم الله الرحمن الرحيم»، وبهذا وسعت رحمته الجميع.
«الرحمن» صفة مبالغة، وأنا أفسرها بأن رحمته سبحانه أكبر كثيرا من كل رحمة موجودة على الأرض ومن قدرات أكثر البشر رحمة. هو «رحمن الدنيا والآخرة». الفرق بين «الرحمن» و«الرحيم»- وكلاهما من الرحم والرحمة- نجده فى أننا دائماً نجد أن اسم «الرحمن» يسبق «الرحيم»، وقال العلماء إن السبب هو أن «الرحمن» للدنيا يرحم بها الله المؤمن والكافر، أما «الرحيم» فهى للمؤمنين فقط فى الآخرة.
و«الرحمن» و«الرحيم» تقتضيان مرحوما، أى شخصا يرحمه الله سبحانه، ونحن كبشر جميعا نحتاج الرحمة لأننا ضعاف، خطّاؤون، ولهذا ربما نقول عمن مات: «المرحوم»، كم فى هذه الكلمة من تيقن برحمة الله سبحانه.. يموت مَن يموت، فنخفف عن أنفسنا ألم فقده بتسميته «المرحوم»، أى الذى ذهب إلى «الرحيم».. يرى بعض العلماء أن «الرحمن» هى للبشر فى الدنيا والآخرة، أما «الرحيم» فهى للمؤمنين فحسب وفى الآخرة.. أعتقد أن الله سبحانه عالِم بحالنا، عالِم بضعفنا، عالِم بما فى قلوبنا من آلام وما فى نفوسنا من صراعات ومحاولات اجتهاد وما فى أرواحنا من محاولات ارتقاء وسمو.. ولأننا نشقى سواء بأيدينا أو بسبب ابتلاءات خالقنا فإننا دوما وأبدا نحتاج للرحمة. سبحانه وحده يحبنا على عيوبنا، يقبلنا ويمدنا برسائل وأسباب كى نكون أفضل، فرزقه رحمة، وجبره لقلوبنا وخواطرنا رحمة، وما يهبه لنا من نعم رحمة، ما ظهر منها رحمة وما خفى لا نعرفه رحمة، قبوله لتوبتنا رحمة وعفوه عنا رحمة.. وأول الأبواب التى يفتحها لنا دوما هو الرحمة.. وهل من باب أوسع من رحمة الله نستغيث به ونلجأ إليه؟ يا رحمن يا رحيم برحمتك أستغيث.. قالها يونس فى بطن الحوت، فنجَّاه سبحانه من الغم.
تراحموا بينكم دوما، فالرحمة بين البشر تقوم بالمعجزات، فكيف إذا ما أتت من الرحمن الرحيم؟
نقلا عن المصرى اليوم