الأقباط متحدون - المازني وحرية الفكر من 70 سنة
  • ٠٨:١٢
  • الأحد , ٢٣ ابريل ٢٠١٧
English version

المازني وحرية الفكر من 70 سنة

مدحت بشاي

بشائيات

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الأحد ٢٣ ابريل ٢٠١٧

مدحت بشاى
مدحت بشاى
كتب : مدحت بشاي
 
لا شك أن المتابع لأحوال الكاتب بشكل خاص والمبدع بشكل عام ، وشكوى الكثير منهم من محاولات حصار فكرهم وفق ظروف معيشتهم في أقطار التراجع الفكري والحضاري ، وعليه فإنهم يرفضون بعض محاذير الخروج عن النص كما تحدده بعض فتوات الأنظمةالاستبدادية ..
لقد وردت تعاريف عدة تتفق جميعاً في إطار عام يؤدي الى نفس الدلالة، ومما ورد بهذا الشأن: " هي الحرية في التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام او الكتابة او عمل فني بدون رقابة او قيود حكومية، بشرط ان لا يشمل طريقة ومضمون الأفكار والآراء ما يمكن اعتباره خرقاً لقوانين او أعراف الدولة او المجموعة التي سمحت بحرية التعبير "
فحرية التعبير بهذا المعنى هي قدرة أفراد المجتمع في حق اعتناق الآراء دون إكراه، وقدرتهم على التعبير عنها بوسائل متعددة دون تهديد خارجي.
وقد صاحبت حرية التعبير عن الرأي بعض أنواع الحقوق التي تعتبر من أجزاء المنظومة ذاتها، مثل حرية العبادة، والحق في المجتمع السلمي، إذ يعتبر هذا الحق جزءاً لا يتجزأ من حرية الرأي واحد الطرق المشروعة للتعبير عنه، بما يضمن بلورة جماعية للرأي عند عقد الاجتماعات العامة او المؤتمرات والمسيرات والاعتصامات.
وفي مثال طيب وإيجابي  لممارسة حرية الكتابة والتعبير ، كتب الرائع عبد القادر المازني مقالاً بعدد مجلة الهلال الصادر في يوليو 1947 أي منذ 70 سنة ، والمقال يقع في دائرة اهتمام الكاتب في مجال الكتابة الساخرة ..
جاء في مقال المازني ..
أن ما يُسمى فكاهة لفظية أولى به أن يدخل في باب النكتة ، وأخالف من يظن أن الفكاهة من شأنها أن تغري بالضحك أو على الأقل بالابتسام ، عندي أن الفكاهة قد تضحكك أو لا تضحكك ، فليس هذا بالذي له قيمة ، وهو راجع إلى الأسلوب الذي يُساق فيه المعنى ، وقد تجيء الفكاهة صارمة الجد ، بل أصرم من الجد نفسه ، وساء أحملتك أم لم تحملك على الضحك أو الابتسام ،  وأدخلت أو لم تدخل على نفسك السرور ، فإنها لابد أن تغريك بالتأمل والتفكر، والنظر والتدبر ، وسأسوق مثالاً واحداً له نظائر كثيرة : قصيدة للشاعر الإنجليزي توماس هاردي اسمها على ما أذكر " وفد الأرض " ، وفيها يتخيل الشاعر أن وفداً من الكرة الأرضية صعد إلى السماء ، واستأذن فدخل على " الرب " ، شكا إليه حال الجنس الإنساني ، وما يلاقي من الحروب والأوبئة والطواعين والظلم والقسوة إلى آخر ذلك ، فأخذ الرب يتفكر ويحاول أن يتذكر ، ويقول كمن يحدث نفسه : الأرض ؟ الجنس الإنساني ؟ أني أتذكر أني قبل ملايين من السنين خلقت شيئاً كهذا في جملة ما خلقت من ملايين الكواكب والنجوم ، فهل هذه الأرض لاتزال موجودة ؟
و يواصل المازني تعليقه ..
هنا ينبغي أن أقول  : إن الشاعر مسيحي صحيح الإيمان بدينه ، وليس بملحد كما قد يسبق إلى وهم القاريء ، وقصيدته هذه تنتهي بما يشهد له بصحة العقيدة وعمق الإيمان ، وهو لا يريد أن يقول أن الله ـ سبحانه ـ نسي الناس وكرتهم الأرضية ، وإنما يريد أن يصور ضآلة هذه الكرة ، التي يتوهم الأكثرون أنها مركز الدائرة قطب الرحى في هذا الكون المهول الذي لا يعرف له أول من أخر ، هان شأن الإنسان المغرور المنتفخ الأوداج . قد تبتسم حين تقرأ قول الشاعر على لسان الرب فيما يتخيل : ألا تزال هذه الأرض موجودة ؟ ولكن الابتسام يفيض حين تدرك المعنى المقصود ، وتفطن إلى ما بطن به هذا المزح ، فتروح تفكر في هذا الإنسان الضعيف المغتر ، وهو أن شأنه وشأن أرضه ، وطموحه المضحك على الرغم من جلاله ، وتوهمه أنه شيء له قيمة ، وسعيه ودؤوبه ، وتعثره وتخليطه ، وتوفيقه مرة وإخفاقه مرات ، وحيرته حيال الأقدار الراصدة له في حيث سلك إلى أخر هذا ، ودأب توماس هاردي وكده ، في شعره ورواياته ، أن يضع الإنسان في كفة ، الأقدار في كفة أخرى ، والقدر غالب ، ، ولكن هاردي لا يسخر من الإنسان ، بل يعطف عليه يرثي له ، بغير كلام يعرب به عن العطف والمرثية ، لأن قلبه كبير ، وأفقه واسع ، على خلاف أناتول فرانس ، معاصره ، فإنه مر عر .
مارأيكم دام فضلكم قراء موقعنا الهام والرائع " الأقباط متحدون " ــ وأنا هنا أعرض جزء من المقال فقط ، ترى أليس  من حق كاتب زماننا الحالي ومبدعه الانطلاق على طريقة كاتبنا الساخر من 70 سنة بالاستشهاد بفلسفة كاتب وفيلسوف غربي بكل حرية ودون محاذير في مطبوعة بحجم " الهلال " ، ودون أن يخرج عليه نائب برلماني ليهينه ويكفره ويطالب بإقصاء فكره ؟!!!