الأقباط متحدون - أين الدولة (٣)
  • ٢١:٣١
  • الأحد , ٢٣ ابريل ٢٠١٧
English version

أين الدولة (٣)

مقالات مختارة | بقلم : د. عماد جاد

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الأحد ٢٣ ابريل ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

 مصر فى طريقها لأن تصبح «أمصار» بمعنى عدة دول داخل الدولة، كل دولة لها مواطنوها وقانونها الخاص بعيداً عن دستور البلاد، لم تصل مصر إلى هذه المرحلة من التدهور الشامل من قبل، حتى فى أكثر سنوات الرئيس المؤمن ظلماً وتشدداً، كانت قبضة الدولة قوية، أما الضعف الذى كان يبدو على مؤسسات الدولة فى التعامل مع المتشددين والمتطرفين فقد كان ضعفاً إرادياً، بمعنى أن مشهد الضعف كان قراراً سياسياً لتحقيق أهداف محددة بدقة من قمة هرم النظام. أما اليوم فالوضع مختلف، فقد انتشرت الأفكار السلفية والوهابية فى غالبية مؤسسات الدولة، اذهب إلى مكتب أى مسئول كبير سياسياً كان أو أمنياً، ستجد مظاهر الدروشة بادية بوضوح، ستجد هيمنة للمظاهر الدينية وتجد تليفزيوناً مضبوطاً على قناة دينية سعودية. إذا تدخلت فى مشكلة من المشاكل ستجد المسئول متفهماً تماماً لتجاوزات الجماعات السلفية، كثيراً ما يبرر لها الخروج على القانون، وعندما تطلب منه تطبيق نصوص القانون تجده يحدثك عن الواقع المعقد الذى يقتضى التوافق مع «الكبار» وهم ممثلو التيار السلفى والأصولى، ينحى القانون جانباً ويحدثك عن حلول عرفية تراعى مواقف ومطالب المتشددين.

 
خذ على سبيل المثال واقعة قرية «كوم اللوفى» التابعة لمدينة سمالوط بالمنيا، يريد أقباط القرية ممارسة شعائرهم الدينية التى نص الدستور على أنها حق أصيل للمواطن المصرى من أتباع الديانات السماوية، ورغم أن قصر حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر وبناء دور العبادة على الديانات الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام) فيه ظلم للإنسان الذى من حقه أن يعتقد فيما يشاء ويعتنق ما شاء من أديان ومعتقدات، لكن نخبتنا المؤمنة قررت صرف ثلاث ديانات فقط للمواطن عليه أن يختار واحدة منها، يختار أقرب إليه، وإلا فسوف توضع له (-) فى خانة الديانة ببطاقة الرقم القومى وغيرها من الأوراق الرسمية التى تحتوى على ديانة المواطن. رغم النص فى دستور البلاد على الديانات الثلاث فقط، إلا أن السياسات والممارسات تكشف بشكل واضح عن رعاية الدولة وانحيازها لديانة واحدة هى الإسلام، وتحديداً «المذهب السنى»، فما تشهده بلادنا هو تبنى الدولة رسمياً لمبدأ نشر الإسلام من خلال «الأزهر»، فقد اندثر يهود مصر أو باتوا على شفا الاندثار، ويجاهد المسيحيون منذ عقود فى مواجهة سياسات الأسلمة التى وضع أسسها الرئيس المؤمن، الذى قام بتديين المجال العام، أنشأ الجماعات الإسلامية المسلحة وأطلق يدها فى العمل، وأعطى إشارة البدء فى التضييق على الأقباط، تحرش بالكنيسة واصطدم بها، سار فى طريق تطبيق الشريعة على الجميع. دفع حياته ثمناً لهذه اللعبة المقيتة، رحل واستمرت سياساته التمييزية بعد أن عششت فى قلب مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية.
 
تعانى مصر اليوم من ثمار «السادات» المرة، ثمار أشجار التعصب والتطرف، التى تطرح تعصباً وتطرفاً وسياسات تمييزية بحق المواطنين المصريين المسيحيين، ومن تواصل التمييز والتضييق، تراكم الضيق والغضب، عدم سماع أصوات الأنين، حولها إلى صراخ ربما يسمع من بيدهم الأمر أن هناك غلياناً داخل صفوف الأقباط، وأن هناك أحاديث هامسة عن الخيارات المتاحة أمامهم لمواجهة سياسات التمييز والتعصب التى تمارسها أجهزة الدولة ومؤسساتها بحقهم، ما هى البدائل الممكنة والمتاحة للحفاظ على هويتهم؟ ما هى سبل إنهاء مآسى التمييز والتعصب التى تخطف منهم بناتهم فى سن صغيرة، وتحرمهم من بناء دور عبادة للصلاة إلى الخالق، التى تسد فى وجوههم أبواب الالتحاق بمؤسسات وأجهزة فى بلدهم، والتى تغلق أمامهم فرص الترقى فى العمل؟ يا سادة، يا من بيدكم الأمر، لا تتعاملوا مع المشاكل على طريقة «القرود الصينية» أى: لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم، تخلصوا من هذه الآفة واسمعوا أنين جزء أصيل من الشعب المصرى قبل فوات الأوان!
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع