أصوليات هذا الزمان: الأصولية الكاثوليكية (16)
مقالات مختارة | مراد وهبة
الاثنين ٢٤ ابريل ٢٠١٧
إثر انتهاء المؤتمر الثانى للفاتيكان (1962- 1965) والذى كانت الغاية منه تجديد الخطاب الدينى حدث انشقاق فى الكنيسة الكاثوليكية من قِبل الأصوليين بقيادة كبير الأساقفة مارسيل لوفيفر (1909- 1991) الذى دعا إلى النضال ضد الليبرالية والشيوعية والاشتراكية والحداثة والصهيونية بدعوى أنها تحاول تدمير الإيمان الكاثوليكى، واستعان فى ذلك النضال بوسائل إعلام خاصة به وبرسامة 250 قساً أصولياً، وإعداد 250 آخرين وبإنشاء 339 كنيسة وست كليات لاهوتية. ثم أعلن صراحة أن ذلك المؤتمر «فاسد تماماً» وخارج مجال الإيمان، وبالتالى فإن خلاص النفوس لن يتحقق إلا بالرفض التام لكل مقررات ذلك المؤتمر. والجدير بالتنويه هنا أن مارسيل لوفيفر كان على علاقة عضوية مع الكاردينال جوزيف راتزنجر الذى عُين فى عام 1981 رئيساً لمجمع عقيدة الإيمان الذى يقال عنه إنه مثل ديوان التفتيش فى العصور الوسطى. وقد انتخب فيما بعد رئيساً للفاتيكان تحت اسم البابا بنديكت السادس عشر وبعد عامين استقال، وقد قيل فى سبب الاستقالة إنها مردودة إلى شيخوخته ولكن الشيخوخة لا تأتى فجأة. ثم انتُخب بدلاً منه البابا فرنسيس الثانى المعروف بمواقفه التنويرية المستندة إلى روح التسامح.
والأصولية الكاثوليكية مماثلة للأصولية البروتستانتية فى أنها تدعو إلى استعادة الهوية الدينية المفقودة بسبب التغير الاجتماعى السريع وما لازمه من تغير دينى سريع وتآكل اليقين فى مجال الإيمان والأخلاق. إلا أن هذه الأصولية كان لها ارهاصات فى عام 1907 عندما أدان البابا بيوس العاشر الحداثة باعتبارها المعبرة عن جملة الهرطقات التى اقتحمت الكنيسة لأنها فى جوهرها تعبر عن وعى تاريخى بأن العقائد وبما تنطوى عليه من ممارسات هى من صنع عصور تاريخية معينة، الأمر الذى من شأنه إعادة النظر فى قيمتها من حين لآخر. ومن هنا يكون ثمة مبرر فى نشوء الأصولية من أجل القضاء على «النتوء» الذى يصيب صحة العقيدة التى تستلزم مقاومة كل مقررات المؤتمر الثانى للفاتيكان التى انتهكت كل تعاليم الكنيسة السابقة. ومن هنا قال الأصوليون عن هذا المؤتمر إنه مؤتمر «انشقاقى»، بل ذهب مارسيل لوفيفر إلى القول بأن المؤتمر قد تمثل «المبادئ الزائفة» الخاصة بالبروتستانتية والليبرالية والحداثة والتى هى من إفراز الإصلاح الدينى والثورة الفرنسية التى تستند إلى التنوير.
وتأسيساً على ذلك أوضحت الأصولية أنه ليس من حق الإنسان صياغة الدين لأنه موجود خارج الإنسان، ولأن الحقائق الأبدية ليس مصدرها شيئاً غير الدين، بمعنى أنها خارج التاريخ كما أنها خارج الثقافة، بل خارج الخبرة الإنسانية لأنها لا تتغير. ومن هنا فإن الإنسان فى حالة الإيمان هو إنسان خانع وخاضع لحقيقة ليس هو صانعها لأنها آتية من الخارج. ومن هنا أيضا فإن إنقاذ الكنيسة «يستلزم حرباً مقدسة كونية» ضد جميع الأيديولوجيات التى تنتهى بالـ«إيَات» مثل الليبرالية والاشتراكية. ولكن ليس معنى ذلك أن «عدو» الكنيسة مرابط فى الخارج، إذ هو أيضاً موجود داخل الكنيسة، إلا أن وجوده ليس مصادفة، إذ هو من إفراز مؤامرة جرت أحداثها إثر الانتهاء من المؤتمر الثانى للفاتيكان. ومع هذا فقد كان لهذه المؤامرة بدايات فى زمن البابا بيوس العاشر الذى كان قد حذر المؤمنين من «فيروس» الحداثة، أى فيروس التنوير المهدد للإيمان.
والجدير بالتنويه هنا أن الأصولية الكاثوليكية مثل الأصولية البروتستانتية فى صراعها من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية.
والسؤال إذن:
كيف مارست الأصولية الكاثوليكية هذا الصراع؟
نقلا عن المصري اليوم