الأقباط متحدون - من أراد التجديد.. فَلْيَتَفَضَّل!
  • ٢١:٢٤
  • الاثنين , ٢٤ ابريل ٢٠١٧
English version

من أراد التجديد.. فَلْيَتَفَضَّل!

مقالات مختارة | مصطفي حجازي

١٩: ١١ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٤ ابريل ٢٠١٧

مصطفي حجازي
مصطفي حجازي

لا ينقطع الحديث عن تجديد الخطاب الدينى.. وإن كان الحديث عنه قد فاض مؤخراً ولأسباب مفهومة!!.

تجديد الخطاب الدينى أمرٌ مَحمُودٌ ولا شك.. هذا إذا جاء - كما أفهَمُه - فى سياق معنى حديث النبى (ص) «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا.. بأن يصقل المجددون جوهر الدين ويَردُّوا ممارساته إلى مكنون الفطرة الإنسانية السليمة التى فَطَرَ الله الناس عليها.. ولكن ليس أبداً فى سياق توظيف سياسى أو استعمارى للدين!!.

أما الحديث الذى فاض أكثر هذه الأيام - دولياً ومحلياً - فى شأن تجديد خطاب «الدين الإسلامى»، وبصيغة تأثيم الإسلام فى المُطلق.. وتحديداً ممن أرادُوه رأسَ حربة فى صراع الهيمنة الدولى والاستبداد المحلى - فى الخمسين سنة الأخيرة على الأقل - فارتد سهمه فى نحورهم.. فهذا أمر آخر!!.

فما بين دول قامت على أعرافِ بداوةٍ تدثرت برداء الدين ليكتسى به المُلكُ العَضُوض.. وما بين دول كبرى استخدمت الدين وسيلة لتفريق الشعوب والتَّسيُد عليهم.. من بريطانيا فى الهند قديماً إلى الولايات المتحدة فى أفغانستان والشرق الأوسط برمته وبين العرب وإيران حديثاً.. أعتقد أنه آن لنا أن نكون على وعى بما نُرَددُ كالببغاوات ما يُعَدُّ قرائن إدانة لأنفسنا بما لم نقترف، وإدانة للإسلام بما ليس فيه.. أو على الأقل أن نكون عاقلين فيما نقول نقداً للذات أو حتى جَلْداً لها.. وأن نَكُف عن الهذيان!!.

أمّا إذا زاد الكِبرُ وثقافة الإنكار وقال قائلهم «نعم نحن جادون فى التجديد».. فلنُجَدد..!

ولكن لنعرف »من« و»ما« الذى سيطوله التجديد «الواجب والمطلوب» و«المتأخر» فى الحقيقة.. وليعرف كل منا مسؤوليته، وليكن قبل ذلك أهلاً لها!!.

نعم.. تجديد الخطاب «واجب».. وتجديد «الفكر» المنشئ لهذا الخطاب «أوجب».. ولكن «تحرير العقول» التى ستحمل هذا الفكر «أولى وأوجب» ولا بداية بغيره!!.

للمتنادين على التجديد وأنا منهم.. لنسأل أنفسنا بداءة:

هل نحن جادون فى تحرير عقول أبنائنا فى المدارس؟!.

هل نحن قادرون على السماح لهم بطرح أفكارهم وتنميتها «إبداعاً واختلافاً وتَمرُّداً»، وفى سياق نظام عام لا يقمع التفكير الحر ولا يطارده؟!.

هل نحن جادون فى قبول الحرية فى الإبداع فناً وعلماً؟!.

هل نستطيع أن نتحمل أفكاراً مختلفة - ولكنها بناءة تحمل ملامح الجدية - حتى وإن جاءت نقداً ونقضاً لبعض من موروث أعراف ألِفناها وندعى كونها ديناً أو أخلاقاً من باب المماحكة؟!.

هل نحن - جميعاً - جادون فى أن تُراجع مؤسساتُنا كلُّها عقائدها وأسُسَ مُمَارساتِها.. وأولُّها مؤسساتُنا الفوقية والسيادية والأمنية.. هل نحن جادّون فى أن نُنَقِّى «عقدَنا الاجتماعى» من اعوجاج الطرح وفساد الممارسة؟!.

هل نحن جادون فى تجديد الفكر هناك أيضاً.. أم أن «أعراف الفوقية والسيادة والأمن» أقدس من «الدين» الذى نريد أن نجدده ونجدد فيه؟!.

هل نحن جادون فى أن تراجع البيروقراطية المصرية العليا فى كل المؤسسات منهج تفكيرها، الذى يؤكد لها فى كل وقت أنها طبقة كهنة المعبد للفرعون المقدس.. فوق الرعية وفوق البشر وفوق المحاسبة؟!.

هل نحن جادون أن نُقِرَّ جميعاً بأنه لا «هنوت فى الوطن»، كما أنه «لا كهنوت فى الدين» أو على الأقل هذا ما نملأُ الدنيا ضجيجاً به باسم التجديد؟!.

هل نحن جادون أن نقيم اتزان المجتمع على «المسؤولية مقابل الصلاحية».. وأن يتحمل كل طرف مسؤوليته..؟! فتجديد «الفكر والخطاب الدينى»، وإن بدا ظاهره أنه مسؤولية المؤسسات الدينية، مسلمة كانت أو مسيحية.. فلا تستطيع أىٌّ من الأطراف الأخرى أن تنفض يديها أو أن تتوارى عن مسؤولياتها وتبقى حقيقته أنه مسؤولية الجميع بلا استثناء؟!.

«فالعقل المؤهل للأفكار المُعوَجَّة هو العقل الذى رُبىَ على التلقين والخوف من التفكير والاستقالة منه».. و«الوجدان السقيم الذى قبل بالانخراط فى التطرف هو وجدان لم يربّ على الجمال ولم ير إلا القبح».. «والنفس الفقيرة التى باعت نفسها أو رضيت هى بطن جاعت، وحتى بعد أن شبعت (الشُحُ باقٍ فيها إلى يوم القيامة) كقول الإمام على بن أبى طالب»!!.

نعم.. فلنحاسب مؤسساتنا الدينية قاطبة «مسلمة ومسيحية» على تنقية المغلوط من الأفكار الذى تسلل إليها.. هذا واجبها، وتلك هى مسؤوليتها ولكن..

فلنحاسب معها كذلك مؤسساتنا المسؤولة عن «الاقتصاد» عن نفوس قَتَلها الفقر، فاستباحها التطرف..


ولنحاسب مؤسساتنا «العمرانية والثقافية» عن قبح أصبح قَدَرَ كل الناس إلا كهنة المعبد، وحتى هؤلاء لم يُبِقِ لهم فقر الفكر معياراً لجمال، فصارت الأثرة والاكتناز والكثرة هو معيارهم ليس غيره!!.

ولنحاسب مؤسساتنا «الحاكمة» عن أفقٍ مُغلَق أمام أحلام بشر فى الحرية والعدل والكرامة..

ولنحاسب مؤسساتنا الأمنية على أمن المواطن قبل أمن صاحب السلطة، وعلى كرامة الناس وصون حرماتهم..

ولنحاسب كل جماعة أو مؤسسة افترضت لنفسها دوراً أكبر من دورها، ونصيباً فى حكم الوطن وثرواته أكثر من حق الشعب ذاته.. عن استباحة ما ليس لها!!.

ولنحاسب تعليمنا وثقافتنا وبيوتنا وأنفسنا عن جهل مُرَكَّب ليس بجهل الأبجدية ولا بجهل بقشور قراءة أو كتابة.. ولكن عن استقالة من عصر برمته نريد أن نربى به أبناءنا!!.

هذا هو بعض من حديث فى التجديد.. وإن بقى حديثُه أوسع وشجونه أكثر.. ولكنه تجديد «فكرنا وخطابنا الوطنى» و«فكرنا وخطابنا الإنسانى» قبله.. بهما وفيهما نجدد «خطابنا الدينى».. فمن أراد التجديد على هذا النحو فليتفضل!!.

أما من يريدون «التجديد» أداة للتنابز السياسى وتصفية الخصوم وتدجين المؤسسات وتقديم أدلة إدانة الإسلام والعرب والمسلمين - على مذابح الدول الكبرى - فى تُهَمٍ هم منها براء.. فليرفع هؤلاء أيديهم عن أوطان يهدرونها وهم يتباكون باسمها.. وليرحموا شعوباً يحرقون مقدراتها ويُذِلونهَا باسم الحفاظ على بقائها..

والأهَم.. ليكفُّوا أذاهم عن «الخطاب والدين والفكر» الذى يملأون الدنيا ضجيجاً باسمه وهم ليسوا بأهله!!.

فَكِّرُوا تَصحُّوا..
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع