الأقباط متحدون - الدوام لله وحده
  • ١٣:١٤
  • الثلاثاء , ٢٥ ابريل ٢٠١٧
English version

الدوام لله وحده

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٤٧: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٢٥ ابريل ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

فى حوار صحفى مطول، قال المستشار عبدالمعز إبراهيم، رئيس محكمة استئناف القاهرة وعضو مجلس القضاء الأعلى سابقاً، تعقيباً على مشروع القانون المطروح لتعديل آليات اختيار رؤساء الهيئات القضائية، إن القضاة انتصروا على أى فئة ضالة أو مضللة، مضيفاً أن «القضاة باقون، وأعضاء البرلمان زائلون». بداية هذه ليست لغة رجل قضاء حكيم، كما أنها تنطوى على اعتداء غير مبرّر، وغير مقبول على السلطة التشريعية، التى اختصها الدستور وحدها بسن القوانين وممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وإصدار التشريعات التى يحكم القضاة بموجبها.

السؤال هنا: ماذا يقصد سيادة المستشار بالضبط؟ هل يقصد أن القضاة كبشر باقون، الحقائق تقول إن الجميع زائلون، ولا يبقى إلا وجه الله سبحان من له الدوام؟ أم يقصد أن القضاة بمعنى السلطة القضائية، باقية، وهنا نقول إن السلطة القضائية واحدة من سلطات ثلاث فى الدولة الحديثة، فجميع دول العالم تتكون وفق القانون الدولى من أرض وشعب وسلطة ذات سيادة، والسلطات فى الدول ثلاث: تشريعية ويمثلها البرلمان، وتنفيذية ويمثلها الرئيس والحكومة، وقضائية وتمثلها الهيئات القضائية المختلفة. وتأتى السلطة التشريعية على رأس هذه السلطات، وفى مقدمتها، لأنها سلطة منتخبة من الشعب مباشرة، مكلفة من الشعب بممارسة مهام التشريع والرقابة نيابة عن الشعب. من مهام السلطة التشريعية، تشريع وإصدار القوانين المتوافقة مع الدستور، التى يحكم بموجبها القضاء، فرجال القضاء لا يحكمون بموجب الدستور، ولا بموجب أهواء شخصية، بل يحكمون بموجب القوانين التى تسنها السلطة التشريعية، وأى حكم يصدر بالمخالفة فى ذلك يتم الطعن عليه. إذاً رجال القضاء -ولهم كل التقدير والاحترام- موظفون عموميون، دورهم الفصل فى النزاعات وفق القوانين التى يسنها البرلمان. ومن مهام البرلمان ممارسة الرقابة نيابة عن الشعب على السلطة التنفيذية. ومهام الأخيرة تنحصر فى تنفيذ الأحكام التى تُصدرها السلطة القضائية وممارسة المهام المحدّدة لها دستوريا داخلياً وخارجياً، فى ظل رقابة ومحاسبة من قِبَل البرلمان.

الدول الديمقراطية تنهض على توازن دقيق بين السلطات الثلاث، فلا تسمح لسلطة بالجور على أخرى، ولا بالتدخل فى شئونها الخاصة على نحو يُخل بالتوازن، ولا سلطة مفضّلة على أخرى.

هناك أمراض فى عالمنا الثالث، حيث الديمقراطية شكلية، والتوازن هش، والهيمنة للسلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والتنفيذية، إذ تستخدم السلطة التنفيذية «سيف المعز وذهبه» فى الترهيب والترغيب، وتمارس سياسات الهيمنة والسيطرة. فى مثل هذه الأجواء من الوارد أن يشعر بعض المنتمين إلى أىٍّ من هذه السلطات بالتفوق، ويسعى للحصول على مكاسب ليست من حقه، فهناك مقولة لا نعلم من أين جاءت، وهى «عدم مناقشة أحكام القضاء»، ففى الدول الديمقراطية كل شىء قابل للنقاش والسجال حوله، ولا توجد محرمات ممنوع مناقشتها، بما فى ذلك النصوص الدينية، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف لا يمكن مناقشة حكم من أحكام يصدرها بشر، الخطأ فيها وارد، وإلا ما كانت هناك درجات للتقاضى ونقض الأحكام.

ما صدر عن السيد لا يعدو أن يكون تصريحاً انفعالياً جانبه الصواب، فهناك نصوص دستورية تحكم العلاقة بين سلطات الدولة الثلاث، وهناك محكمة دستورية فوق الجميع، تراقب مدى دستورية القوانين، ومن ثم فإن القول إن القضاة باقون والنواب زائلون، هو قول عديم المعنى، ولا يرمى سوى إلى انتزاع أوضاع غير دستورية للسلطة القضائية فى البلاد، نعم نحترم رجال القضاء ونقدرهم، باعتبار أنهم يشكلون السلطة القضائية، لكنهم فى النهاية يُمثلون سلطة من سلطات ثلاث فى البلاد، لهم حقوق، وعليهم واجبات، مثلهم مثل رجال السلطتين التشريعية والتنفيذية موظفون عموميون، مكلفون بأعمال محدّدة لقاء مرتبات ومزايا معينة، وما يسرى على رجال السلطتين التشريعية والتنفيذية يسرى عليهم، وبينهم الصالح والطالح، وكان من بينهم خلايا إخوانية نائمة، انحازت إلى الجماعة الإرهابية، ووقفت ضد طموحات الشعب وتطلعاته، منهم من خرج خارج البلاد لبث السموم ضد الدولة المصرية، ومنهم من عاد إلى النوم مجدداً فى مؤسسات الدولة مصرية.

النواب والقضاة كبشر زائلون، والمؤسسات باقية، فإذا كنا نتحدث عن السلطتين التشريعية والقضائية، فهما سلطتان باقيتان، وأفرادهما زائلون، ولا مجال لانتزاع صفات لم يسبغها الدستور على أشخاص ولا أعمال مؤسسات.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع