ما بين «شوبان» و«شومان»
مقالات مختارة | خالد منتصر
الاربعاء ٢٦ ابريل ٢٠١٧
بعد مداخلتى التى تساءلت فيها عن سر الاحتفاظ بعباس شومان والإصرار عليه كوكيل للأزهر وهو الذى كان مناصراً لمرسى والإخوان!!، سافرت بعدها مباشرة إلى بولندا وهبطت فى مطار فريدريك شوبان بوارسو، وقد حفزنى السجع اللغوى وأجبرنى التقارب الزمنى على المقارنة بين «شومان» و«شوبان»، وقلت هذا هو الفرق بيننا وبينهم، هنا يتحدون بـ«شومان» وهناك يتحدون بـ«شوبان»!!، بولندا التى صارت سابع أقوى اقتصاد فى أوروبا تصعد بقوة الصاروخ برغم إصرارها على عملتها المحلية وعدم التعامل باليورو الذى كان من الممكن أن يجعلها مسنودة ومدعومة من دول الاتحاد الأوروبى، عندما تهبط المطار فترى اسم «شوبان» يظللك ويتبعك ويترك بصمته على عينيك،
ستعرف وتتأكد أن الفن هو رافد مهم وصانع نهضة جبار ومشارك فعال فى نهضة هذا البلد الجميل المتحدى، اعتزازهم بـ«شوبان» جعلهم يبنون له متحفاً فى أهم شوارع وارسو، كل تفصيلة فى حياة «شوبان» من خطاباته إلى نوتاته الموسيقية إلى البايب والملابس، آخر بيانو عزف عليه موجود، بالطبع كل أعماله الموسيقية تسمعها إما فى أسطوانة زجاجية معزولة تسمع منها الموسيقى وكأنها تتغلغل فى وجدانك وتخترق مسامك، وإما فى حجرة بها عدة بيانوهات وأنت تختار بالضغط على الأزرار، قبلها كنت قد استمعت إلى مقطوعة باسم فالس الربيع على اليوتيوب منسوبة إلى «شوبان» وعندما طلبت من الشابة المسئولة عن حجرة سماع الموسيقى وهى لا تزيد على عشرين سنة،
أخبرتنى بأن تلك معلومة منتشرة بطريقة رهيبة ولكنها للأسف خاطئة، أعطتنى محاضرة عن أسلوب وطريقة «شوبان» فى التأليف الموسيقى والعزف المختلف تماماً عن أسلوب تلك المقطوعة، شرحت بكل حماس وانفعال ودراية واهتمام، وكأننى تلميذ فى الكونسرفتوار ولست مجرد زائر لمتحف وغير متخصص فى الموسيقى!، شكرتها واتجهت إلى متحف آخر وهو متحف انتفاضة وارسو، حيث تمجيد كفاح الشعب والجيش البولندى ضد النازية الألمانية، ثم ضد الشيوعية السوفيتية، ستشاهد كيف سويت وارسو بالأرض، لم يعد عليها مبنى له شكل أو ملامح، خراب ومقابر، أشلاء ودماء، شعب لا يجد ما يأكله، يهرب فى المجارى من النازيين، يهود بولنديون يُحرقون ويُعدمون ويُعزلون فى جيتوهات ويضعون على أذرعهم علامة لتمييزهم حتى يسهل معرفتهم والقبض عليهم، الأطفال البولنديون يحضرون يوم الأحد مجاناً إلى المتحف ليعرفوا تاريخ نضال بلادهم التى تحررت بدماء الملايين من أجدادهم، سألت موظفاً بولندياً فى متحف الانتفاضة، فقلت له ما هو إحساسك بجارتك ألمانيا التى غدرت بكم ودمرتكم وعذبتكم كل هذا العذاب، أليس لديك إحساس بالثأر؟!، قال: أبداً نحن نسعى لكى نصبح مثل ألمانيا بل أفضل منها، فهى النموذج بالنسبة إلينا فى النهضة العلمية والتكنولوجية، الثأر لدينا نحن البولنديين هو الثأر بالعلم وبالتفوق العلمى وليس الثأر بالحرب والقتال، نحن نستفيد من الماضى ولا نتحنط فيه.
نقلا عن الوطن