جهل «برهامى» وكارثة فتوى تبرئة الزناة!
مقالات مختارة | أحمد رفعت
الاربعاء ٢٦ ابريل ٢٠١٧
من حقنا أن نصف ياسر برهامى بالجهل ومن حق «برهامى» الكامل أن يلجأ إلى القضاء ليقاضينا!
«برهامى» العبقرى أفتى بأن قضايا الزنا لا تثبت بتصويرها بالفيديو أو بتسجيلها بأى وسيلة أخرى!! «برهامى» ونحن نصرخ يومياً من أجل تجديد الخطاب الدينى يعتمد على ظاهر النص القرآنى الذى يحدد لإثبات الجريمة أربعة شهود رأوا الجريمة وهكذا كانوا يطبقون الحكم فى الإسلام الأول!
رأى «برهامى» كان رداً على سؤال من حوارييه وجمهوره فى مسجده وموقعه الإلكترونى والذى دار حول بعض الجرائم الشهيرة التى حوكم أطرافها بسبب تسريبات مصورة صوتاً وصورة!
وللأسف كتبنا مراراً عن الصراع الدائم فى فهم الإسلام بين مدرستين أساسيتين هما مدرسة النقل التى يمثلها «برهامى» وأمثاله.. والأخرى هى مدرسة العقل التى تستخدم عقلها وتبذل جهدها فى فهم النص وروحه ومقاصده وتستنبط الأحكام التى تحقق قيمة العدل ولا تقف رؤى واجتهادات أبناء هذه المدرسة عند ظاهره وحروفه..
وللأسف فقد أساءت مدرسة النقل للإسلام فقد جمدته عند القرن الإسلامى الأول وباتت معظم فتاويها لا تلبى احتياجات المسلمين فى واقعهم الحالى وظروفهم الحالية بل إن بعض فتاويهم خارج المنطق وتسبب للمسلمين، خصوصاً خارج البلاد، إحراجاً كبيراً للمسلمين المقيمين هناك، والمدهش بل والمؤسف أن كثيرين ممن يسمون أنفسهم علماء الإسلام انضموا إلى فتوى «برهامى» وأيدوها!
إن قراءة واحدة فى آية واحدة تنسف فكرة «برهامى» ورؤيته أن كان ما قاله يعتبر فكرة أو رؤية، فمثلاً قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ)، هذه الآية لو وقفنا عند ظاهر نصها لسألنا عشرات الأسئلة ومنها: ماذا لو كان الدين إلى أجل غير مسمى؟ أى غير محدد؟ فهل لا نكتب العقود؟ وماذا لو كان طرفا العقد يجيدان القراءة والكتابة؟ هل يأتيان أيضاً بمن يكتب لهما؟ وما حكم التعاقد أو الإقراض بشيك يرتب على صاحبه التزامات محددة؟ وماذا لو استشهدنا بـأكثر من شاهدين عند الخلاف؟!! بالطبع «برهامى» ومدرسته لا يريدون إدراك واستيعاب أن النص القرآنى حرفياً نزل لظروف محددة ولواقع محدد كان من المستحيل أن يحدد فيه كل أدوات إقرار العدل لكن لأن القرآن صالح لكل زمان ومكان لذا كان الهدف الأسمى للتشريع الإسلامى كله هو إقرار العدل وضبط علاقات الناس والحفاظ على حقوقهم.. وجرائم الزنا تحمل الافتئات على حقوق البعض ومن المستحيل أن أدوات الواقع الحديث الذى نعيشه وما منحه الله لعباده من علم يمكنون المجتمع من إقرار العدل والحصول على حقوق المظلومين ثم نتركها بزعم أنها غير موجودة حرفياً فى النص القرآنى رغم وجودها فى روح النص وروح القرآن كله وروح الإسلام الدين الأخير الذى جاء بالقيم الأخيرة للبشرية!
إن فكرة «برهامى» ليست فقط تنسف العدل من أساسه وتكافئ المخطئ والمجرم وتزيد من ظلم المظلوم الذى يكون وكل من حوله على يقين تام بوقوع جرم شنيع حرمّه الله ويفلت مرتكبه طبقاً لـ«برهامى» والذين معه من العقاب.. وإنما أيضاً تخرج المسلمين من القرن الواحد والعشرين تماماً وشروط الحياة فيه وما توصلت إليه العلوم الحديثة فى الاشتباك مع كل قضايا الحياة ومن أهمها العلوم الجنائية.. ولذلك فكلام «برهامى» يعنى أن نستبعد نحن المسلمين وخلاف العالم كله التعامل بالبصمات كوسيلة لإثبات الجرائم ومعها كافة وسائل الأدلة الجنائية التى تعتبر خصلات الشعر وقطرات اللعاب أو الدم أو السائل المنوى أو الأظافر أو قطع القماش من الملابس أو الشنط الجلدية أو أدوات الاستخدام الشخصى كأمواس الحلاقة مثلاً أو الأقلام أو ولاعات السجائر أو السجائر نفسها خصوصاً المبسم أو الفلتر أو النظارات الشمسية أو البصرية من وسائل إثبات الجرائم!! ماذا نقول للعالم عن الحامض النووى والبصمة الوراثية؟ ماذا نقول لمؤسسة دولية معتمدة لمطاردة المجرمين هى الإنتربول؟ الذى خصص فى عمله وعلى موقعه الإلكترونى طرق تحديد البصمات الوراثية وكيف أنها تحتوى جزيئات الحمض النووى المنزوع الأكسجين؟ وكيف أنه يحتوى على المعلومات التى تحتاج إليها جميع الخلايا الحية فى جسم الإنسان لتقوم بوظيفتها؟ وأكد بعد تراكم العلوم وجهود البشرية عبر مئات السنين أنها تتحكم أيضاً فى توريث صفات الأبوين لأولادهم؟ وأن لكل إنسان بصمات وراثية خاصة به عدا التوأم؟ موقع الإنتربول يذكرنا أيضاً أن البصمة الوراثية لا تفيد فقط فى التوصل إلى المجرمين وإنما أيضاً معرفة ضحايا الكوارث والعثور على الأشخاص المفقودين!
العالم كله لا يناقش أصلاً فكرة استخدام الوسائل الحديثة للتوصل إلى المجرمين أو المفقودين وإنما تجاوزها تماماً إلى تقنينها ووضع قواعد بل وآداب لتنظيمها والعمل بها وكيفية نقلها من بلد إلى آخر وتأسيس بنوك للبصمات الوراثية لمجرمى العالم تتيح استخدامها عند الضرورة من المعنيين بالأمر!
«برهامى» يفتى باستبعاد أسهل وأبسط هذه الوسائل، التى تظهر أطرافها صوتاً وصورة وهو يعلم أن هناك هيئات مختصة تستطيع التأكد من حقيقة التسجيل وتطابق أصوات الشخصيات التى ظهرت فيه مع الواقع ومع الحقيقة، لكنه يصر ومن معه على استبعاد العقل تماماً فى فهم الإسلام وبما يشى له ولنا جميعاً رغم أن القرآن سبق الجميع بالإشارة إلى البحث الجنائى والتحرى للوصول إلى الأدلة بل وفى قصص قرآنى يخص علاقة المرأة بالرجل، فقوله تعالى «وشهد شاهد من أهلها» فى سورة يوسف، لا يعنى إطلاقاً أن الشاهد من أقارب «زليخا»، زوجة العزيز، وإنما «من أهلها» تعنى من «أهل الشهادة» أى من أهل الاستدلال والتحرى لمعرفة المتهمين والجناة!
المدهش أن «برهامى» يتناسى فجأة القاعدة الفقهية الشهيرة «أينما تكون المصلحة فثم شرع الله»، والقاعدة الأخرى التى تقول إن «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»!
السؤال الآن: كيف فى ظل هؤلاء وفتاويهم وجمهورهم أن نجدد الخطاب الدينى؟ والسؤال الآخر: لماذا لا يرد الأزهر على مثل هذه الفتاوى فيقتلها فى مهدها ويخرس أصحابها؟
نقلا عن الوطن