مرحباً بقداسة بابا روما
مقالات مختارة | أحمد الجمال
الاربعاء ٢٦ ابريل ٢٠١٧
بابا روما الجالس على كرسى القديس بطرس الرسول يصل مصر بعد غدٍ، وقد تمسك بزيارته فى موعدها، رغم الأحداث التى جرت فى طنطا والإسكندرية، وهى أحداث اعتبرها قداسته جرائم ضد البشرية وليس ضد مصر وحدها!.. وفى اعتقادى أن زيارة بابا روما لمصر توقظ فينا كمؤمنين بالله الواحد روح العطاء والفداء، وتحيى فى وجداننا المسيرة الإيمانية التى ساهم فيها وطننا منذ آلاف السنين.
إن لدينا فى مصر كرسى القديس مرقص، أحد التلاميذ السبعين، حيث تتقدم الإسكندرية مع روما الكراسى الرسولية الخمسة مع أورشليم القدس وأنطاكية والقسطنطينية، إذا لم أكن مخطئًا!.
ولقد كان القديس مرقص ملازمًا للقديس بطرس فى روما، ثم جاء من هناك إلى برقة فى ليبيا، ومن برقة جاء إلى الإسكندرية، ويذكر أنه أراد أن يصلح نعله فدفع به إلى إسكافى مصرى سكندرى، وفى لحظة أصاب المخرز يد الإسكافى فتألم وقال يا الله، وإذا بالقديس مرقص يسأله: أتعرفون الله هنا؟!.. وبعدها لازمه الإسكافى فى مسيرة الدعوة!.. ومعلوم أنه فى إطار المسيرة اللاهوتية المسيحية، لعبت كنيسة الإسكندرية دورًا متقدمًا للغاية، وكان لاهوتها هو الحاسم فى المجمع المسكونى الشهير، الذى انعقد فى نيقيا عام 325 ميلادية بدعوة من الإمبراطور قسطنطين.
ثم إن زيارة قداسة البابا لمصر تضيف للبعد التاريخى العريق أبعادًا أخرى مهمة، فى مقدمتها ما قد أسميه تقوية مداميك حائط الصد الحضارى والثقافى فى مواجهة الهمجية بأنواعها ودرجاتها، ابتداءً من الأشد والأحقر، وهو الإرهاب باسم الدين، حيث القتل والخطف والهدم وإبادة السمات الإنسانية فى المجتمع، نزولًا إلى ما هو همجى أيضًا ويتمثل فى طرق التعامل مع المهاجرين، الذين اضطرهم الإرهاب للهجرة، وهو ما وصفه بابا روما بـ«معسكرات الاعتقال»!.
ومعلوم أن الأزهر الشريف والتدين الشعبى المصرى، وأيضًا الكنيسة الأرثوذكسية القبطية المصرية، هى المداميك المتماسكة فى ذلك الحائط، والحمد لله أن لدينا علماء فى الأزهر يعرفون قيمة العقل والعلم ويحوزون ثقافة إنسانية رفيعة تؤهلهم لصوغ خطابهم الدعوى الفقهى الرصين، الذى يقبله أى عقل إنسانى مستنير، والحمد لله أيضًا أن لدينا كنيسة وطنية قوية بلاهوتها وتماسك بنيانها وعمق إخلاصها لوطنها وقيادته، والحمد لله ثالثًا أن سبيكتنا الوطنية القبطية الإسلامية والمسيحية مازالت مستعصية على التفتيت والكسر، رغم الضربات الهائلة الموجعة التى نتلقاها ونمتصها بصبر لا يعرفه إلا المصريون.
ولقد أصبح التنوع المذهبى المسيحى فى مصر ظاهرة تنحى منحى إيجابيًا بعد فترات من الريبة أحاطت ببعض الجوانب، وبصرف النظر عن التفاصيل والمراحل، فإن دور الكاثوليك والإنجيليين المصريين فى المسيرة الوطنية الآن دور دائم النمو فى مجالات إيجابية تتصل ببناء الإنسان وصيانة المجتمع، وصوغ علاقات المودة الإنسانية بين أبناء مصر، ومازلت فى هذا الصدد أذكر بكل الخير والمودة الدور الذى أدته رهبانيات قلب يسوع فى مصر، منذ كانت على رأسها طيبة الذكر الأم مارى جورجيت حبيبة أفئدتنا.. والضمير هنا يعود على كل من لمسوا فضلها وكرمها وتسامحها ومحبتها هى والراهبات المحترمات، ومنهن «سير بدور»، التى تجسد استمرارًا لأخلاق وفضائل الراحلة المبجلة مارى جورجيت.. وكنا ولسنوات متعددة نفطر إفطارًا رمضانيًا فى الدير فى ضيافة راهباته، وبحضور جناب النائب البطريركى الأسقف الدكتور حنا قلته، ذلك المثقف الوطنى والإنسانى المتميز صاحب العقل المستنير والروح المتسامحة، وكنا نقيم صلاة المغرب هناك، ونعقد الندوات الدسمة فى حرية مسؤولة تعرف معنى الكلمة وتعرف أصول الحوار.. عشرات من المثقفين، نساء ورجالًا، كانوا يحضرون ويفطرون ويتناقشون والدير مبتهج كأنه فى عيد.. ناهيك عن الأنشطة الأخرى مثل لجنة العدالة والسلام، التى أسستها الكنيسة الكاثوليكية، وكان من نجومها الساطعين الصديق الرائع الراحل المرحوم المهندس جورج عجايبى، والمرحوم الدكتور أحمد عبدالله رزة، والمرحوم الدكتور صلاح عبدالمتعال، وآخرون مازالوا على قيد الحياة، أطال الله أعمارهم ومنحهم الصحة.
ترحيب من العقل والقلب بقداسة بابا روما الموقر، ورغم كل آلامنا جراء ما تعرضت له كنائسنا وأهلنا، إلا أن إرادة الله قضت منذ بدء الخليقة أن ينتصر الحق والخير على الباطل والشر، ولعل مداميك حائط الصد الحضارى تزداد علوًا وقوة بالتقاء بابا روما وبابا الإسكندرية وشيخ الأزهر الشريف.
نقلا عن المصري اليوم