بقلم: عبد الرحيم علي
في تصريحات نشرها موقع إخوان أون لاين، حول موقف الجماعة من تكوين حزب سياسي قال محمد مرسي أحد المتحدثين الرسميين باسم الجماعة: إن الإخوان المسلمين يؤمنون بحرية تكوين الأحزاب، وهم حريصون على وجود حزب سياسي لهم، وقد تمَّ الإعلان عن ذلك منذ سنين طويلة، وما منع الجماعة من التقدم بطلب الحصول على إنشاء هذا الحزب إلا قانون الأحزاب؛ الذي يحظر قيام الأحزاب في الواقع إلا إذا وافق الحزب الوطني، على ذلك من خلال لجنة تشكيل الأحزاب.
وأضاف: عندما يتحقَّق المطلب الشعبي بحرية تكوين الأحزاب، سوف تنشئ الجماعة حزبًا سياسيًّا.
. الأمر الذي يطرح علينا ضرورة الإجابة على سؤال: هل حقا يمكن أن ينشئ الإخوان حزبا سياسيا؟
الحقيقة لم يكن الإعلان عن قيام حزب سياسي فى مصر، قبل ثورة يوليو 1952، يتطلب إجراءات أو يستدعى الحصول على موافقات لجهات أو لجان حكومية، وعلى الرغم من ذلك لم يفكر حسن البنا، طوال تلك الفترة من سنة 1928 إلى سنة 1948، فى تأسيس حزب سياسي يعبر عن الجماعة التى يتزعمها، ذلك لأنه كان يمارس نشاطا حزبيا دون تبعات أو مسئوليات الأحزاب، ودون أن يتخلى عن عدائه للنظام الحزبي.
لم يختلف الأمر كثيراً –في الحقيقة-عند خلفائه من المرشدين، ففي عام 1984 طرح المرشد العام الثالث عمر التلمساني، فكرة الحزبية، لأول مرة، بشكل فاجأ الجناح التقليدي في التنظيم الإخواني. لم ينطلق التلمساني في طرحه للفكرة من لغط إيديولوجي، بل من مصلحة عملية بحتة، فقد كان قانون الانتخابات وقتها ينص على الإنتخاب بالقائمة، وما يتبع ذلك من ضرورة أن يكون المرشح منتميا الى حزب سياسي شرعي. من هنا جاء طرح التلمساني كمحاولة للتكيف مع القانون عبر تشكيل حزب سياسي يمثل واجهة للتنظيم. واجه المرشد الثالث معارضة مزدوجة، من الحكومة والإخوان معا، غير أنه واصل طرحه، مبررا عداء البنا لفكرة الحزبية بظروف وأوضاع أحزاب تلك الفترة، دون أن يمثل ذلك مبدأ ثابتا لدى المؤسس.
كان التلمساني يعرف أنه يراوغ قادة الجماعة، ولكنه استخدم تلك الحيلة في محاولة لإقناعهم بمشروعه، بيد أنها باءت بالفشل.
جدد التلمساني طرحه حول تحول الجماعة إلى حزب سياسي قُبيل وفاته عام 1986. ولم يقف هذه المرة عند مستوى الطرح والمناقشة، وإنما بادر بمساعدة قوية من أبناء جيل السبعينيات التجديدي في كتابة برنامج سياسي تحت اسم "حزب الشورى"، وبعد وفاته كرر أبناء هذا الجيل المحاولة مرتين تحت اسم "حزب الإصلاح"، لكنهم لم يحظوا في المرتين برضى قادة الحرس القديم، الأمر الذي أدى إلى وأد التجربة للمرة الثانية.
كان الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح هو الذي قاد التجربة الثالثة عام 1995 الخاصة بحزب الإصلاح، ثم تلاه من بعده محمد السمان العضو البارز في نقابة المهندسين-آنذاك- بتجربة رابعة في نفس العام 1995 تحت اسم "حزب الأمل". ثم تلاها تجربة خامسة ، وهي التجربة التي عرفت بمجموعة حزب الوسط بقيادة المهندس أبو العلا ماضي لتكتمل مأساة تيار التجديد برفض تيار الحرس القديم للفكرة للمرة الخامسة. وهو الأمر الذي أدى الى فصل مجموعة حزب الوسط، عندما قرروا الإستمرار في إجراءات التقدم بأوراق الحزب .
رؤية فقهية :
فى الوقت الذى كان عمر التلمساني السياسي يدفع باتجاه تشكيل الحزب، كانت مجلة "الدعوة"، التى يشرف عليها عمر التلمساني المرشد العام!، تنشر في عددها رقم "53" تصوراً عن مفهوم الإخوان المسلمين للصفات والسمات العشرة للحكومة الإسلامية، قدمه مفتي التنظيم آنذاك محمد عبد الله الخطيب، وفيها ما يتيح التأمل فى الخطوط العريضة لنظرية الإخوان السياسية، إذ لا متسع فيها للحياة الحزبية أو الإقرار بالتعددية.
البند الأول هو إقامة الحكومة الإسلامية، والهدف الأسمى لهذه الحكومة هو تطبيق شريعة الله، وتعبيد الناس لربهم. وهو واضح في الدعوة الى إقامة حكومة دينية، لا مكان فيها للتعددية السياسية.
البند الثاني يدور حول شروط عضو الحكومة الإسلامية، وأهمها أن يكون مسلما مستقيما ذا خلق وعقيدة سليمة. وفضلا عن السؤال الذي لا بد من طرحه: من الذي يختار هؤلاء الأعضاء ويختبر استقامتهم وسلامة عقيدتهم، فإنه لافت للنظر غياب الإشارة إلى شرط الكفاءة والخبرة والتخصص، وكأن أمر الحكم كله ينحصر في الثقة والإخلاص والتدين!.
لا يختلف البند الثالث، ولا يضيف إليه الثاني جديدا، بينما يكشف البند الرابع عن "أممية" وعالمية الحكومة المزمع إقامتها، فهي تتعهد بتحرير وتطهير جميع أجزاء "الوطن" الإسلامي، وهو تعهد خطير يفتح المجال واسعا ليحارب الجيش المصري الإسلامي- فالمسيحيون المصريون غير ممثلون فيه بطبيعة الحال- في كشمير وقبرص والفلبين وتايلاند، والسؤال: أي ثمن سوف يدفعه المصريون نظير هذا الالتزام الإخواني الخطير. ولا يخلو البند الخامس من طموح إنشائي بليغ لمحاربة الاستعمار. بينما يتسم البند السادس بالخطورة والغموض، حيث يدور حول ضرورة "تبليغ" و "نشر" الدعوة الإسلامية، والسؤال: أتكون عملية النشر والتبليغ بالأفكار والعمل السلمي أم بالقوة العسكرية والغزو؟!. وإذا أباح لهم غير المسلمين في الدول الأخرى أن ينشروا الدعوة الإسلامية ويبشروا بها، فهل يقبل الإخوان بدورهم أن يقوم هؤلاء بنشر أفكارهم ومعتقداتهم بمنطق المعاملة بالمثل .
البند السابع يدور حول: ضرورة حماية الأقليات الإسلامية في العالم، وهو ما يطرح سؤلا لا بد منه: هل تسمح حكومة الإخوان للدول الأخرى بحماية ورعاية الأقليات الدينية في مصر؟!.
الغريب أنه بعد خمسة وعشرين عاماً من فتوى الخطيب، يفاجأنا التنظيم بمناورة سياسية، حول ما اسموه "مسودة برنامج" لحزب سياسي، تضمنت رفضا قاطعا لتولي المرأة والأقباط المناصب العامة وأهمها رياسة الدولة، وضورورة عرض القوانين التي يتوصل إليها البرلمان على هيئة شرعية تبت في شرعيتها الدينية قبل إقرارها، الأمر الذي يعيد الى الأذهان مفهوم ولاية الفقيه، ولكن على الطريقة السنية. وهو آخر ما رأيناه يخرج عن الإخوان، فهل من جديد لديهم على خلفية متغيرات ثورة 25 يناير لنرى.
aali_ion@hotmail.com