سيناء.. تحرير مع إيقاف التنفيذ
مقالات مختارة | بقلم : سوزان حرفي
٠٢:
٠٩
م +02:00 EET
الاربعاء ٢٦ ابريل ٢٠١٧
كانت، ولا تزال «قدس أقداس مصر»، كما سماها «جمال حمدان»، كانت ولا تزال نقطة الضعف، داء ودواء الجغرافيا السياسية وتحولات التاريخ، إنها الجزء الأهم بتنظيم «القاعدة في بلاد الشام وأرض الكنانة»، وهي «ولاية سيناء» في «داعش»، ليغيب اسم «مصر» عن حاضرها والمخطط لها مستقبلا.
المحزن أن هذا الغياب لم يكن أمرا فرضته الجماعات الإرهابية، بل إنه قرار اتخذته الدولة، نعم مع كامل الأسف؛ فأخر علاقة مصر بقلبها الساكن شمالي شرقها كان في (25 إبريل 1982) مع انسحاب إسرائيل والاتفاق على عدم إقامتها أي إنشاءات أو أي مظاهر للسيادة على سيناء.
غابت السيادة الإسرائيلية ولم تحضر السيادة المصرية، ذهبت إسرائيل ولم تأت مصر، بل تركت الأرض بما فيها ومن عليها ينتظرون وطنا وانتماء وهوية، لم يحصلوا على أي منها، تركتهم الدولة الأم للاشيء.
وتمر السنوات بلا جديد، حتى جاء صوت التفجيرات في «طابا» أواخر 2004 ليوقظ النيام في القاهرة، لقد امتلأ الفراغ، «نحن هنا نعلن عن أنفسنا، نحن تنظيم القاعدة «فأين أنتم»؟!
ورد الأمن وحده يقبض على من استطاع، ثم يحاصر «جبل الحلال»، وما هي إلا شهور، وكان صوت تفجيرات «شرم الشيخ» أقوى وأكثر فداحة، «نحن أقوى مما ظننتم، نحن جاهزون وأنتم متأخرون».
من جديد، تحركت قوات الداخلية تحاصر الجبل الذي بدأ يحتل البطولة في مسلسل المواجهة، وأثناء البحث عن العدو الخفي، وفي صيف 2005، انسحبت إسرائيل هذه المرة من «قطاع غزة»، لتفاجأ مصر بهجوم مئات الآلاف من الفلسطينيين على «العريش»، بحثا عما يشبع الرمق، وبعدإاخراجهم من فوق الأرض انتشرت «الأنفاق» لسد احتياجاتهم أولا، ثم مستلزمات الجهاد ثانيا!
وتمضي الأيام والإرهاب يستوطن سيناء، حيث كان هناك ينتشر وينتظر، كان يؤسس بنيته التحتية والتنظيمية، كان يحفر الأنفاق والخنادق، ويجمع السلاح، ويبني دولته بين ربوع الجبل، وتحت الأرض التي خبرها، وعاش في دروبها.
لتأتِ ثورة يناير وتبعاتها وتكون إيذانا لوجود الدولة عبر عمليات عسكرية تستهدف إعادة السيادة، وبعد ثورة يونيو اتخذ قرر «الحضور»، فتم إنشاء «قطاع محاربة الإرهاب بشرق قناة السويس»، ومنطقة عازلة بطول الحدود مع غزة، وتخصيص أموال لتنمية سيناء.
لكن مع كل خطوة للأمام هناك رد مواز، فمع نجاح «عملية الفجر» للسيطرة على «جبل الحلال» أخيرا، وقف الإرهاب ليقول: «خسرنا معركة ولم نخسر الحرب بعد، إننا منتشرون في الربوع والوديان، سقطت نقطة بطول ستين كيلومترا، فماذا عن ستين ألف كيلومترا هي مجمل مساحة سيناء، نحن خلفكم هذه المرة، في العريش نقتل الأقباط ونهجرهم».
نعم، أجبرت الأسر المسيحية أوائل هذا الشهر على ترك حياتهم وذكرياتهم وبيوتهم، تركوا إحساسهم بالأمان والمواطنة، تركوا كل ذلك فرارا من الحرق أو القتل، وبحثا عن حقهم في الحياة.
وطوال المعركة المستعرة هناك دماء زكية تسيل، وخيرة شباب مصر يصابون، وأسر تفقد أعز وأغلى ما لديها ثمنا لغياب الدولة عن القيام بدورها لسنوات، فكثير من فتئ يدفع الثمن المباشر والعاجل، والوطن كله يدفع الثمن على مراحل.
فهل نحن أمام حلقة معادة من مسلسل متكرر؟ فجميع رؤساء مصر أعلنوا عن «تنمية سيناء» وبدأوا مشاريع ثم توقفت، ليبق الحال.. تحرير مع إيقاف التنفيذ.
نقلا عن المصرى اليوم