الأقباط متحدون - مواطنة.. أم جاسوسة امريكية؟
  • ١١:٣٤
  • الخميس , ٢٧ ابريل ٢٠١٧
English version

مواطنة.. أم جاسوسة امريكية؟

سعيد السنى

مساحة رأي

٥٦: ٠٧ م +02:00 EET

الخميس ٢٧ ابريل ٢٠١٧

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

سعيد السني
ليس هناك غرابة في استقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأسرته للناشطة الحقوقية آية حجازي «المواطنة الأمريكية» من أصل مصري، عقب وصولها من القاهرة، ومشاهد ترحيبه الحار بها، وتكريمه لها في البيت الأبيض، وما سبق هذه المشاهد، من توابع للحكم ببراءة «آية حجازي»، وتسارع خروجها من محبسها الذي دام قرابة الثلاث سنوات، إلى المطار مباشرة، لتُقلع بها طائرة عسكرية أمريكية، رابضة في انتظارها، بصحبة مسؤولين أمريكان كبار، ثم هذا الاحتفاء الرئاسي الأمريكي بها، المصحوب بتسويق إعلامي واسع.. هذا كله لا يعني أن آية حجازي جاسوسة، لأن هذه «التهمة» الشنيعة، لم توجه لها أساساً، ولو كانت صحيحة، لما غفلت عنها أجهزتنا الأمنية، ولما تخلفت عن تقديمها للمحاكمة بها، وهي كافية وتغني عن أي اتهامات أخرى، على شاكلة الاتجار بالبشر، واستغلال الاطفال جنسياً، التي حوكمت بها، وبرأتها المحكمة عن جدارة واستحقاق.. ومن ثم فلا يجوز سبها ورميها بهذا الاتهام الخطير والشائن، إلا بناء على حُكم نهائي بإدانتها، وليس هرتلة وكلام يطلق على عواهنه، استخفافاً بعقول الحمهور، ممن أساءوا إلى مهنة الإعلام على الشاشات وفي الصحف.

كل مافي الأمر أن ترامب أراد توظيف القضية سياسياً لصالحه، بالترويج لنفسه قوياً منتصراً، بعد سلسلة الهزائم التي لحقت به، في وعوده، وقراراته المتعلقة بمنع دخول مواطني سبع دول إسلامية.. إذ تم تجميد هذه القرارات وتعديلاتها، ووقفها بأحكام قضائية، عاجلة خلال 48 ساعة من إصدار ترامب لها.. ثم، وفي أقل من 24 ساعة، جاء قرار القاضي برفض طعون وزارة العدل الأمريكية على هذه الاحكام، لطماً لـ«ترامب»، وإجباراً له على احترام الدستور والقيم الأمريكية، وعليه، سارعت الخارجية الأمريكية إلى تنفيذ حُكم القضاء، بغير تلكؤ.. فهي دولة مؤسسات، وقانون، وليست دولة أشخاص، والرئيس فيها مجرد موظف وخادم مطيع للشعب وخاضع للدستور والقانون، وليس نصف إله.

من زاوية أخرى.. «ترامب»، يعنيه أنه طَلبّ من مصر إخلاء سبيل «آية حجازي»، وكان له ما أراد، ونجح فيما لم ينجح فيه سلفه باراك أوباما، وهو هنا يحافظ على «حياتها وحريتها وسلامتها»، كونها أمريكية، ولو كانت مصرية الأصل، مسلمة.. ذلك أن من أهم واجباته كرئيس للولايات المتحدة الامريكية، حماية وتأمين الأمريكيين أينما كانوا، التزاماً بما تمليه عليه المدونات الدستورية والقانونية الأمريكية، ومنها «الإعلان الامريكي لحقوق وواجبات الإنسان»، الصادر بالقرار رقم 30 عن المؤتمر التاسع لمنظمة الدول الأمريكية عام 1948، وهذا «الإعلان» يحدد «الحقوق المقررة للمواطن الأمريكي»، ويعددها بالتفصيل في 28 بنداً، تبدأ بالحق في «الحياة والحرية والسلامة الشخصية»، وتشمل المساواة أمام القانون، وحريات العبادة والبحث والرأي والتعبير والنشر، وحماية الشرف والسمعة الشخصية، والاستقرار والتنقل، وقدسية (حرمة) المسكن، والمراسلات، والحفاظ على الصحة والحق في الرفاهية، والتعليم، الذي يُعده لحياة لائقة، وغيرها من الحقوق التي شمل كل ما يتعلق بالإنسان، ومناحي حياته، وعلى رأسها كما هو واضح «الحياة والحرية والسلامة الشخصية»، والحماية من الاعتقال التعسفي، مروراً بالرفاهية الحياتية.. هذه الحقوق جميعها، لا يقيدها سوى حقوق الآخرين، وأمن الكافة، وتعزيز الديمقراطية.

القضية إذن هي أن «المواطن أمريكي»، وأنه يتمتع بدستور وقوانين، فاعلة وفعالة، تفرض على الولايات المتتحدة الأمريكية أن تهب لحمايته والحفاظ على حريته وسلامته وأمنه، أينما كان.. لعلنا نتذكر في إبريل عام 2012م، كان لدينا 26 «متهماً» أجنبياً، منهم 19 أمريكياً فيما يعرف بقضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، بعد أن داهم الأمن مقرات 17 منظمة حقوقية، ومنها مقرات فرعي المعهدين الديمقراطي والجمهوري الأمريكيين بالقاهرة.. أحيل المتهمون الأجانب بمن فيهم الأمريكان للمحاكمة الجنائية، ضمن 43 متهماً، وصدر قرار بمنعهم من السفر، حيث لم يمثل هؤلاء الأجانب أمام المحكمة، وجرت المحاكمة بحضور 14 متهما مصرياً فقط.. وتحت الضغوط الأمريكية على المجلس العسكري الحاكم آنذاك، وجماعة الإخوان المسلمين، صدر قرار قضائي برفع حظر السفر عن المتهمين الأمريكان، مقابل ضمان مالي، مليوني جنيه لكل واحد منهم.. وأيضاً جرى ترحيلهم على طائرة عسكرية كانت في انتظارهم.

الاهتمام الرئاسي الأمريكي بـ«آية حجازي» أصابنا بالحسرة على حالنا، وأهاج علينا مواجعنا، وجروحنا النازفة، والآلام الساكنة في نفوسنا، وزادنا شعوراً بالمرارة، تذكيراً لنا بأننا لسنا مواطنين في بلادنا.. بل مجرد «أشياء» لا قيمة لها، ما عدا علية القوم فينا.. لا تكمن المشكلة في الدستور الحالي، ولا حتى دستور عام 1971.. فهي دساتير تقدمية.. المشكلة أن حُكامنا أحالوها إلى مجرد نصوص وكلمات لا تساوي شيئاً، ومجرد حبر على ورق، أو ربما أعطوها إجازة.

نسأل الله السلامة لمصر.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع