هل تزوج الرسول مريم العذراء؟!
مقالات مختارة | حسن حنفي
الخميس ٢٧ ابريل ٢٠١٧
شغل بعض صغار العلماء الناس بسؤال: هل تزوج الرسول السيدة مريم العذراء؟ وهو موضوع متناقض. فكيف يتزوج الرسول، وزيجاته معروفة تاريخيا، بالسيدة مريم العذراء وقد عاشت قبله بسبعة قرون أو عاش هو بعدها بسبعة قرون تقريبا؟ وكيف تكون مريم ثيباً وعذراء فى نفس الوقت؟ وهو موضوع لم يطرحه أحد من قبل إلا ليشغل الناس. ويظهر علمه الذى لا يعلمه أحد سواه. والصحافة تروج للموضوع حتى يتسع انتشارها. ويصبح موضوعا للجدل بين القيل والقال. وتتركهم الدولة التى تراقب كل شىء بلا مراقبة. يشغلون الناس بما لا يفيد، بعيدا عن السياسة وقضايا الوطن. فقد أصبح غلاء الأسعار موضوعا شائعا تعودوا عليه. لا يثير انتباه أحد. أصبح الغريب فى الحياة اليومية مألوفا. فلم يعد غريبا حتى أثار بعض صغار العلماء هذا السؤال الذى لا شأن له بمصالح الناس أو بما يسمى «فقه المصالح».
والسؤال نفسه يطعن فى عقائد الإخوة المسيحيين، فى عذرية مريم، والولادة الإعجازية للسيد المسيح. كما يطعن فى عقائد المسلمين كما يرويها القرآن، أن مريم حملت من الروح القدس. وخافت من اتهامها بالفحشاء من قومها. فآثرت الصمت ثلاثة أيام بلياليهن. فالصمت أبلغ من الكلام. تهز إليها بجذع النخلة تساقط عليها رطبا جنيا. وتكلم المسيح فى المهد صبيا، مدافعا عن نفسه وعن والدته. وطلب اليهود أن ينزل عليهم مائدة من السماء ففعل. ومع ذلك لم يؤمنوا. بل حولوا الهيكل إلى مغارة من اللصوص. ومن يدرى، فربما كان القصد من هذه الإثارة الإعلامية هو إثارة النزعة الطائفية؟ فيثور الأقباط على المسلمين لأنهم يتشككون فى عذرية مريم. ويثور المسلمون ضد الأقباط لأنهم يتشككون فى معجزة الرسول. وإثارة الفتنة جزء من اصطياد مصر بعد أقباط العريش. وأقباط الصعيد قادمون، وحلايب وشلاتين، والنوبة، وسيوة بعد إزالة دماء أهالى سيناء بتهمة التكفيريين، والأخذ بالثأر لجنود وضباط الجيش والشرطة. وفى نفس الوقت نداوى عادة الأخذ بالثأر فى الصعيد. وندعو إلى المصالحة بين العائلات والقبائل المتخاصمة.
والرسول بشر مثلنا. يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق. يُوحى إليه. لا يقنع برسالته إلا بالعقل والبرهان وليس بالمعجزات «وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ»، «وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا. أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِى السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا».
إن المعجزة الوحيدة التى ذكرها القرآن هى «الإسراء» وأضاف إليها رواة الحديث «المعراج» بعد تأويل ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى على أنه المعراج. والإسراء نفسه له تفسيران: هل كان بالجسد أم بالروح؟ وكل المعجزات الأخرى المروية فى الأحاديث الضعيفة إنما وردت فى العصور المتأخرة عندما تضخمت شخصية الرسول على حساب الرسالة حتى أصبح واسطة بين العبد والرب مما أثار الوهابيين. فرفضوا حتى زيارة قبره خوفا من الوقوع فى الشرك كما هو حادث فى أدعية الصوفية «أغثنا يا رسول الله»، «أعنا يا رسول الله». وقد تجاوزت هذه المعجزة زواج الرسول بمريم العذراء كل حدود الزمان والمكان، سبعة قرون، وآلاف الأميال بين مكة والمدينة من ناحية وفلسطين من ناحية أخرى.
فكل هذه الروايات تعبر عن الخيال، والخيال يعبر عن التقديس المتزايد. فكل جماعة تقدس أنبياءها. وتخرج عن حدود المألوف المتفق مع العقل والواقع. وربما كان اللاوعى التاريخى هو الذى أراد تعظيم الرسول وقدرته على إجراء المعجزات عن معجزات السيد المسيح بإحياء الموتى، وشفاء المرضى، والحديث وهو صبى، ومولده، ورفعه إلى السماء. ومعجزات المسيح أعظم من معجزات موسى فى تحويل العصا إلى حية، وشق البحر بعصاه، والحديث مع الله من فوق جبل الطور. ومعجزات أعظم من معجزات الأنبياء السابقين مثل نوح وسفينته، ويونس وبقائه فى بطن الحوت أربعين يوما. واستمرت المعجزات فى كرامات الصوفية عندما لا يذهب الصوفى إلى الكعبة بل تأتى الكعبة إليه. فاليهودى بعد أن رأى معجزات المسيح يتحول إلى المسيحية نظرا لقدرة المسيح على إجراء المعجزات. والمسيحى قد يتحول إلى الإسلام الذى يحتوى على أخلاق المسيحية الفردية بالإضافة إلى العدالة الاجتماعية. والمسلم يبنى إيمانه على العقل والمصالح العامة، وليس على المعجزات. لذلك كان الإسلام آخر الديانات، ومحمد خاتم الأنبياء.
لذلك، رجاء الإخوة العلماء، صغارا وكبارا أن يتحولوا من فقه الخيال والإثارة والمعجزات إلى فقه الواقع والمصلحة والمنافع العامة. رجاء أن يعيشوا واقعهم وليس خيالهم. ويتحدد فقه الواقع بقضايا سبع مازلنا نناضل من أجلها. ولم نكسبها بعد.
أولا: فقه التحرر. فمازلنا نعانى من السجون والمعتقلات والتعذيب، والاختفاء القسرى. ونحن نمد أيدينا لهم للاقتراض والمساعدة. ويُظن أن كل من يفتح فمه بالقول إنما يهدد النظام. ويُتهم كل أجنبى باحث يجمع مادة علمية بأنه يعمل لمخابرات بلده. ويطول الاعتقال بلا تهمة واضحة أو تحقيق نيابى. ويتم الاعتماد كلية على أجهزة الأمن والشرطة والقوات المسلحة لاستتباب الأمن فى ربوع الوطن مثل سيناء. ويُطلق على قبائلها اسم «التكفيريين» بدلا من الدخول معهم فى حوار للاستجابة إلى مطالبهم كما كانت تفعل إسرائيل وقت الاحتلال. فالأمن هو الأمن الداخلى، أمن المواطن مع النظام السياسى، وليس الأمن الخارجى بالسلاح. وقد دخل كبار العلماء فى الماضى فى السجون مثل أحمد بن حنبل وابن تيمية دفاعا عن حرية المسلمين فى أقوالهم وأفعالهم. وهذا يحتاج إلى فقه الحرية.
ثانيا: استكمال حركة التحرر الوطنى. فمازالت فلسطين محتلة. ضاع نصفها فى العصر الليبرالى 1948، والنصف الآخر فى العصر القومى الاشتراكى 1967. وتزداد وتيرة الاستيطان حتى لم يبق من فلسطين شىء. وأصبحت الجولان السورية جزءا من إسرائيل. وعقدت مصر، أم الدول العربية، معاهدة سلام معها قبل أن تحرر الأراضى المحتلة. وفى التاريخ نماذج من فقه التحرر من غارات التتار والمغول على العالم الإسلامى حتى أتى صلاح الدين ليحرر القدس من أيدى الصليبيين. فحركة التحرر الوطنى لم تتم. ولم تكتمل. وهذا يحتاج إلى فقه التحرر الوطنى.
ثالثا: وحدة الأمة بدلا من تجزئتها وتفتيتها إلى طوائف وأعراق وقبائل. فقد كان العالِم قديما يجوب العالم من المغرب والأندلس إلى الهند والصين. ويدون ملاحظاته على ما يسمع ويرى فيما عرف فيما بعد باسم «أدب الرحلات». لا يسأله أحد عن تأشيرة أو تصريح أمن، أو ينظر فى حاسوب ليعرف هل مصرح له بالدخول أم لا؟ وهذا هو المعنى السياسى والجغرافى للتوحيد، انعكاس الوحدانية فى الأمة. فالأمة واحدة كما أن الله واحد وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ. وهذا يحتاج إلى فقه الوحدة.
رابعا: العدالة الاجتماعية. فأغنى أغنياء العالم منا أحد سلاطين الجزر. وأفقر فقراء العالم فينا جنوب السودان والصومال. منا من يملك كل شىء. والآخرون لا يملكون شيئا. فبدلا من الخوف من ثورة الجياع فيزداد القهر، يمكن تقليل الفوارق بين الطبقات بضرائب تصاعدية وبالتأميم وبالقطاع العام كما حدث فى أول ثورة يوليو 1952. وهذا يحتاج إلى فقه المساواة والعدالة الاجتماعية أحد مبادئ ثورة الشعب فى يناير 2011، وأحد مبادئ معظم الثورات مثل الثورة الفرنسية، الحرية والإخاء والمساواة، وأحد اختيارات الثورة العربية فى الاشتراكية العربية.
خامسا: التنمية القومية بدلا من ترك مواردنا فى باطن الأرض أو البحر من نفط ومعادن ومياه صالحة للرى، وبدلا من الاعتماد على الغير، وقبول شروطه عنوة. وبدلا من تصنيف الأمة ضمن البلاد النامية، تصنف ضمن البلاد المتقدمة. فلدينا الموارد والسواعد والعقول.
سادسا: الدفاع عن الهوية والتمسك بالأصالة بدلا من تقليد الغير. ووضعنا فى الأطراف وغيرنا فى المركز. وذلك حقناً للصراع بين السلفيين والعلمانيين. يريد السلفيون التمسك بالهوية الشكلية. ويريد العلمانيون القطيعة مع الهوية التاريخية، والسير فيما سارت فيه الدول المتقدمة. ويحتار الشعب أى الطريقين يأخذ؟ وهذا يحتاج إلى فقه «التراث والتجديد»، وليس فقط تجديد الخطاب الدينى أو تجديد الفكر الدينى أو حتى تجديد الواقع الدينى.
سابعا: حشد الجماهير وتحويلها من كم إلى كيف. فالمسلمون الآن خُمس سكان الأرض، فوق المليار يسكنون ربوع الأرض خاصة وسطها فى آسيا وأفريقيا. ويمتدون الآن إلى أوروبا وأمريكا. فليس من المعقول أن اليهود وهم أربعة عشر مليونا فى كل العالم يحتلون القدس، أولى القبلتين، وثانى الحرمين. فلو صعدت عدة ملايين جبل عرفات من كل الجنسيات كما فعل غاندى فى الهند وحشد الملايين ضد الاستعمار البريطانى جالسين فى الميادين ما استطاعت إسرائيل أن تفعل شيئا. وهذا فى حاجة إلى فقه الحشد الجماهيرى. فالله هو رَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلَهِ النَّاسِ.
هذا هو الفقه الجديد الذى يخشى حتى كبار العلماء الاقتراب منه لأنه يمس الحاكم. وهم موظفون عنده.
نقلا عن المصري اليوم