الأقباط متحدون - المسيحيون العرب.. حضور وحضارة
  • ٠٨:٠٧
  • الأحد , ٣٠ ابريل ٢٠١٧
English version

المسيحيون العرب.. حضور وحضارة

مدحت بشاي

بشائيات

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الأحد ٣٠ ابريل ٢٠١٧

مدحت بشاي
مدحت بشاي
بقلم : مدحت بشاي
 
"إنّ غَداً لنَاظِرِهِ قَرِيبُ" ومعنى لِناظِرهِ أي لِمُنتَظرِه، يُقال: نَظَرْتُه أى انتظرته. وأوَّلُ مَن قال ذلك «قُرَاد بن أجْدَعَ» الشاعر العربى المسيحى، هكذا استهل عماد توماس الحديث عن كتابه الجديد الهام والرائع «المسيحيون العرب.. حضور وحضارة» بأمثلة حول رموز من أهل الإبداع من المسيحيين العرب.
وقد ذكرنى حديث المؤلف بكتاب رائع آخر «المسيحية والمسيحيون واللغة العربية فى القرون الأولى» ومؤلفه «القس عبدالمسيح إسطفانوس»، والذي قال فيه «لقد أثرى كثيرون من شعراء المسيحيين وغيرهم اللغة العربية بتعبيرات لم يسبقهم إليها أحد، فأصبحت، ولا زالت على ألسنة كثيرين، ففى الحديث عن القناعة بالسلامة قال امرؤ القيس (وقد طوقت فى الآفاق حتى/ رضيت من الغنيمة بالإياب).. وقال عنترة العبسى (أجود بالنفس إن ضن البخيل بها/ والجود بالنفس أقصى غاية الجود)، وقيس بن ساعدة أسقف نجران بجنوب غرب شبه الجزيرة العربية كان هو أول من قال عبارات «أما بعد» و«فصل الخطاب» و«البينة على المدعى واليمين على من أنكر».
 
أعود للكاتب عماد توماس ومؤلفه الهام.. وهو فى كتابه لا يتحدث عن المسيحية كديانة، إنما يتحدث عن إسهامات «المسيحيين العرب» فى الحضارة العربية من منطلق ثقافى تاريخى ليس بالديانة أى علاقة بطرحه.
 
يقول «توماس» عن كتابه :إن الإنسان صديق لما يعرف وعدو ما يجهل، يحتوى على ثمانية فصول، الأول يتكلم عن إسهامات المواطن المسيحى فى الحضارة العربية فى الهندسة والطب والكتابة العربية واللغة العربية والشعر العربى، وتناول أوضاع المسيحيين فى العصر الأموى والعباسى والفاطمى والأيوبى، وأكد أنه كان يوجد مراكز مسيحية سنة 500 ميلادية وأوائل القرن السادس، وكان يوجد 74 قبيلة عربية مسيحية شكلوا الحضور المسيحى الفاعل فى الفترة من 500 إلى 1000 ميلادية، ولأن الكاتب مهندس فقد ركز على إسهامات المسيحى العربى فى الهندسة إضافة لجهوده فى مجال الطب والترجمة، وعلى سبيل المثال فقلعة صلاح الدين الأيوبى الموجودة على تلال المقطم قد قام ببنائها وتشييدها اثنان من المهندسين المسيحيين هما أبومنصور وأبومشكور، ويؤكد الكاتب أن كل المعلومات المذكورة بالكتاب لها مصادر مذكورة بالكتاب هى مرجع يمكن للقارئ الرجوع إليها.
 
وفى مثال آخر لمساهمة المواطن العربى المسيحى الحضارية قال: إن مقياس النيل قد قام ببنائه مهندس ميدانى مسيحى عربى اسمه سعيد بن كاتب الفرغانى، ويقع فى الطرف الجنوبى لجزيرة الروضة بمدينة القاهرة ، وكان يستخدم لقياس فيضان النيل، وعلى أساسه يتم تحديد الضرائب فى العام الزراعى التالى، وهو المهندس الذى قام أيضاً ببناء مسجد أحمد بن طولون، المطبوعة صورته على ورقة فئة الخمسة جنيهات المصرية، وأول من قام بعمل مجسم ماكيت هندسى قبل بنائه بناء على طلب من أحمد بن طولون، ولم يكن لدى الولاة والحكام مشكلة فى طلب الاستعانة بالمواطنين المسيحيين لكى يشاركوا فى البناء وإنجاز أى عمل حضارى.
 
وحول عنوان الكتاب «المسيحيون العرب» ذكر المؤلف: أنا لا أتحدث عن المسيحيين الأصليين الأقباط، أنا أتحدث عن المسيحيين الذين كان لهم الدور الهام فى الحضارة العربية بشكل عام فى لبنان وسوريا العراق واليمن.
 
وعن إسهامات «المسيحيين العرب» فى الترجمة والتأليف، أشار الكاتب إلى «حنين بن إسحق» الذى لقب بشيخ المترجمين العرب، وكان يجيد بالإضافة للعربية السريانية والفارسية واليونانية وقام بترجمة حوالى 100 كتاب ولم يجد هناك غرابة فى بداية الترجمة من كتابة «بسم الله الرحمن الرحيم» بثقافة عربية سائدة، وتحدث أيضاً أنه فى عهد الخليفة المأمون كان المسيحى العربى «الحجاج بن يوسف بن مطر الحاسب» من العراق الذى قام بالترجمة من اللغة السريانية إلى اللغة العربية الكتب التسع من العناصر لإقليدس كمثال لإسهام المسيحى العربى فى دعم تفاعل الحضارات ونقل إنجازات الفكر العالمى.
 
وقد انطلق المؤلف فى كتابه هذا من واقع صعب، يتمثل فى جهل كثير من المصريين بجزء مهم من تاريخ الوطن، وهو المعنى بالحقبة القبطية، التى تكاد تتجاهلها مناهج التعليم العام، كما تغيب عن الدراسات الأكاديمية فى الجامعات المصرية، فيحاول الكاتب عبر صفحات كتابه أن يقدم للقارئ جانباً من جوانب التاريخ الثقافى والحضارى لمصر. ذلك الجانب المتعلق بالإسهام المسيحى فى بناء ثقافة هذا الوطن، وقد تعمد بساطة العرض وعدد الصفحات القليلة نسبياً ليسهل على قارئ الوجبات السريعة التعامل مع الكاتب والاستفادة من معطياته.