أصوليات هذا الزمان أزمة الأصولية الكاثوليكية (17)
مقالات مختارة | مراد وهبة
الاثنين ١ مايو ٢٠١٧
كيف مارست الأصولية الكاثوليكية صراعها من أجل الاستيلاء على السلطة؟
لقد مارسته فى سياق رؤية كونية دينية مصحوبة بطغمة كنسية مستندة إلى رتب دينية هابطة من أعلى إلى أسفل، ولكنها مع ذلك محرومة من فهم القضايا السياسية العامة. وبديل هذا الحرمان إشعال الحروب الروحية ضد قوى الشر فى هذا الزمان. ومع ذلك فإنك تفاجأ بأن هذه الأصولية متلاحمة مع الجناح اليمينى بأجندته الاجتماعية والسياسية المتمثلة فى الدعارة والإجهاض والاشتراكية والليبرالية والموسيقى الصاخبة والمؤتمر الثانى للفاتيكان (1962- 1965) مع الدعوة إلى ضرورة هيمنة قيم الثقافة الدينية، بحيث تكون متحكمة فى مسار المجتمع برمته. إلا أن التركيز على إدانة المؤتمر الثانى للفاتيكان كان المحور الذى دارت حوله الإدانات الأخرى، لأن هذا المؤتمر قد ارتأى ضرورة المساواة بين ما هو كهنوتى وما هو ليس كذلك. وما هو ليس كذلك أصبح له دوراً فعالاً فى إدارة شؤون الكنيسة إلى الحد الذى فيه أصبح لدى الكاهن إحساس بأنه هامشى بل بأنه من الممكن ألا يكون له مبرر فى وجوده. وقال زعيم الأصولية الكاثوليكية مارسيل لوفيفر فى إحدى عظاته فى عام 1976: «إنهم يدمرون الكهنوت لأن الكاهن لم تعد له سلطة».
والسؤال بعد ذلك:
ما الذى فعلته الأصولية الكاثوليكية لكى تعيد السلطة إلى الكاهن؟
دافعت عن مسألتين: المسألة الأولى العلاقة العضوية بين الموجودات الروحية والأحداث التاريخية، ومن غير هذه العلاقة فالخسارة فادحة، وتتلخص فى فقدان الهوية الجماعية والعبادات المشتركة والفصل الحاد بين ما هو مقدس وما هو دنيوى. ومع ذلك فثمة خطورة فى استعادة هذه العلاقة العضوية إذ من الممكن أن تتحول النصوص الدينية والممارسات العملية للطقوس الدينية إلى غاية فى ذاتها. وفى هذه الحالة يمكن للثقافة أن تداعبها وتغريها بالتغير حتى تتلاءم مع مقتضيات العصر من تقدم العلم وعلمنة الشعور الدينى، ومن ثم يتوارى الأصل الإلهى للنصوص الدينية والممارسات الطقسية. ومن أجل الخروج من هذا المأزق فإن الأصولية الكاثوليكية دعت إلى عدم تلوث الشعور الدينى، وذلك بعزله عن العالم الخارجى، كما دعت إلى ضرورة الحديث عن المعجزات وارتباطه بالوعى فى سياق عقيدة متزمتة رافضة لإحداث أى تغيير. ومن هنا فإن الأصولية الكاثوليكية تعادى الحداثة بلا رحمة، كما تدين اللاهوتيين الذين أحدثوا أزمة دينية فى نهاية القرن التاسع عشر وذلك بسبب استعانتهم بالمنهج العلمى وبالمنهج التاريخى اللذين كانا من شأنهما إضعاف كيان الكتاب المقدس باعتباره وحياً من الله، ومن ثم فإنه لا يحق لأى لاهوتى أن يضعه تحت مجهر المنهجين السابقين.
وعندما اتُهم كبير الأساقفة مارسيل لوفيفر بالهرطقة فى يونيو 1988، فإنه لم يتوقف عن إشعال معارضته الحادة لما سماه «روما الملوثة بالحداثة الجديدة»، ويقصد بروما الفاتيكان وذلك تحت شعار الدفاع عن الحق وعن التراث وإقامة «الكنيسة الحقة»، ومع الدفاع كذلك عن لوفيفر، واعتبار اتهامه بالهرطقة بأنه «اتهام بلا معنى» بل بأنه اضطهاد شرس من قِبل الفاتيكان. وفى 6 يوليو 1988 أرسل الأصوليون الكاثوليك رسالة مفتوحة إلى الكاردينال جانتن، رئيس مجمع الأساقفة جاء فيها أنهم مغتبطون لكونهم مدانين من قِبل «كنيسة تجحد الله». أما لوفيفر فقد حذر المؤمنين من الإنصات لغيره حتى لو زعم أنه ملاك قادم من السماء بدعوى أنه مدعم من العناية الإلهية. ومع ذلك فإن الفاتيكان ظل مرناً فى علاقته بهؤلاء الأصوليين.
والسؤال إذن:
ماذا ترتب على هذا الانشقاق الذى سببه الأصوليون؟
نقلا عن المصري اليوم