أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف
د. مينا ملاك عازر
الاثنين ١ مايو ٢٠١٧
د. مينا ملاك عازر
بينما ينهمك مذيع التليفزيون المصري في سؤال القس الكاثوليكي حول الفروق بين الطوائف المسيحية، والفوارق بين الانفصال والطلاق في الكاثوليكية، وينهمك الفيسبوكيون في تحليل خطاب البابا وترجمته الصحيحة والركيكة، وكلماته الرائعة وإشادته بمصر، وطلبه منها أن تسد جوع العالم للحب والمحبة، وكلماته أمام شيخ الأزهر وفخامة الرئيس السيسي وقداسة البابا تواضروس، يعلقون ساخرين أو متحفزين أو متسائلين عن توقيع البيان المشترك بين الكنيستين الأعرق الأرثوذوكسية القبطية والكاثوليكية حول العماد، وتوحيد سر العماد وعدم الاحتياج لإعادة السر للمنتقل بين الكنيستين لأي سبب كان، بينما كل هذا يجري على أرض مصر في سويعات سريعة مخطوفة تنم عن سرعة تنقل ومرور سهل ينعم به البابا فرنسيس الضيف، تلك السهولة المرورية التي للأسف لا ينعم بها أبناء الوطن ذاته حتى وإن تقاربت الأماكن كما يدعي البعض بين قصر الاتحادية والمطار وقاعة المؤتمرات، وفندق الماسة والكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وهذا ليس حقداً مني عليه ولا حسداً له، ولكنني أفهمه في إطار الترحيب المعتاد بالضيف، ووسط ادعاءات المدعين والمزايدين لمصلحة مخابراتنا المحترمة، بأنها المؤمنة لموكب البابا، وذلك حتى قبل انتهاء الزيارة لمصر، وكأنهم مغسلين وضامنين جنة، وكأنهم ضمنوا سلامته - بإذن الله- للنهاية، وهو أمر لا أفهمه، لماذا الزج الدائم من قبل بعض المدعين بالمخابرات المصرية في أي شيء وكل شيء حسن، حسناً فلتكن المخبرات الجهاز الوحيد الجيد في مصر، فهي تستحق كل خير، لكن لماذا التهليل مبكراً، فلننتظر لنشكرها في النهاية، ووسط تهليل الجميع بكلماته العربية التي انتقاها وانتقى موضعها بحرفية وحس رائع مشكور عليه، وسط كل هذا رأيته نعم رأيته، وهو يخطو خطوات نشيطة روحياً ضعيفة جسدياً، وكأنه يؤكد على أن الروح نشيط والجسد فضعيف، الجسد الذي عانى من اقتطاع رئة كاملة من رئتين للإنسان العادي، ورغم هذا استمر في حياة لمدة يزيدها الله، إذ قد تم التدخل الجراحي، ما أفقد البابا رئة كاملة لظروفه الصحية، وذلك في بواكير رهبنته، واستمر البابا الكاثوليكي يحب، وسعى للسلام ويبثه ويفخر بدماء الشهداء المسحيين في كل مكان، ويسعى لإقرار وإتمام وتأكيد السلام وأواصره في شتى أماكن المسكونة، لم يكل البابا الأرجنتيني المولد نسباً للأم، الإيطالي بحسب النسب للأب، البابا المولود منذ أكثر من ثمانين عام بشهور قليلة يخطو بروح نشيطة في عامه الواحد والثمانين، غير مبالي بإرهاق الجسد، فهكذا هي الحياة، الروح تشتهي ضد الجسد، والجسد يشتهي ضد الروح، لذا هو يقمع جسده ويستعبده، إذ تراه يرفض الوجود في الفنادق والقصور الرئاسية الفخمة، والمباني العظيمة ويختار الإقامة في مقر سفارة بلاده الفاتيكان.
مرحباً بالبابا فرنسيس، وبفتاين الفيسبوك، ومدعي التدين، والفاهمين في الوحدة بين الكنائس، والمهللين لصغار الأمور وكبيرها، والمدعين بالعلم ببواطن الأمور وناسبي الأمجاد لمن لا يستطيع أحد نفيها عنهم، وبدون النظر أن ذلك الإفراط في التهليل لتأمين البابا يضر الأمن، إذ يظهره وكأنه عليل وبحاجة لتدخلات من أجهزة غاية في الحرفية لتأمين البابا، ومرحباً بمن يستغل الزيارة جيداً للترويج للسياحة، ومرحباً بكل محب لمصر داعي للسلام ومقدر لعراقة كل ما هو مصري.
المختصر المفيد معاً نحو وحدة الكنائس، وتآخي البشر أجمعين.