الأقباط متحدون - «الأعلى لمكافحة الإرهاب» وتحليل سيكولوجية الإرهابيين.. ضرورة
  • ٠٥:١٤
  • الثلاثاء , ٢ مايو ٢٠١٧
English version

«الأعلى لمكافحة الإرهاب» وتحليل سيكولوجية الإرهابيين.. ضرورة

مقالات مختارة | منى مكرم عبيد

٣٢: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٢ مايو ٢٠١٧

منى مكرم عبيد
منى مكرم عبيد

الثقافة قادرة وبقوة على تعرية فكر الإرهاب، وتحجيم خطورته، حيث تحمل فى مضمونها فلسفة واتساع أفق تجعل من المفكر والمثقف إدراكا بحجم التحديات ورؤية نقدية وخيال إبداعى يسمح بدق ناقوس الخطر بشأن التهديدات التى يتعرض لها الوطن، ومع تعزيز ثقافة التسامح وقبول الآخر وتوكيد مبدأ المواطنة عمليا ينهض المجتمع، وتوفير البيئة الحاضنة لمقاومة الإرهاب والتطرف.

ومؤخرا قدمت محاضرة فى ندوة «الثقافة القانونية لمواجهة الإرهاب»، التى نظمها المجلس الأعلى للثقافة، وأكدت على أن مصر تملك ثروة فكرية كبيرة، وهناك كثير من الأعمال الدرامية والفنية سبق أن ألقت الضوء على أخطار الإرهاب، وكيفية مواجهته، ولكن هذا ليس كافيا، ولم يتم البناء عليه بما يسمح بتحليل الظواهر من أجل معالجة كاشفة، وأتذكر مشهدا من فيلم «الإرهابى» للرائع عادل إمام- شخصية الإرهابى- والراحل مصطفى متولى- شخصية هانى المسيحى- واحتضانهم لبعض فى مشهد عفوى خلال متابعة مباراة لكرة القدم للمنتخب المصرى، وبالفطرة تبادلا مشاعر النصر والفرح، قبل أن ينزوى الإرهابى ويتذكر العزلة التى عاش فيها وتشبع بأفكارها، ورفضه للمسيحى والآخر عامة، وهى كاشفة وفاضحة لكثير من علامات التمييز وإقصاء الآخر، وعدم وجود مساحة مشتركة بين المواطنين فى مختلف مناح الحياة.

وكثيرا ما تحدثنا عن ضرورة توفير دور إيجابى لمراكز الشباب والنوادى الاجتماعية ومراكز الثقافة على مستوى الجمهورية من أجل تنظيم دورات رياضية وفكرية، تكون فرصة لتبادل الأفكار البناءة وزيادة اللحمة بين المواطنين دون تمييز، وتحضر فى ذهنى تجربة فى إحدى مدن الدنمارك، حيث يجتمع مواطنو كل حى أسبوعيا فى مبنى ويشاركون فى أنشطة ثقافية ورياضية، كما يتبادلون الحديث والنقاش من أجل مناقشة مشكلات الحى وكيفية حلها، وسط حضور أعضاء المجالس المحلية ونواب البرلمان، وهى بلا شك نتائج إيجابية على المستوى البعيد، تضمن مشاركة فعالة لكل المواطنين، دون تفرقة على أساس الدين أو الجنس أو اللون، فلماذا لا نستلهم مثل هذه الأفكار ونطبقها فى مجتمعنا، فهى سيكون لها دور فى محاربة التطرف، مع زيادة الوعى السياسى وتعزيز الانتماء الوطنى، خاصة بين الشباب.

أعتقد أن الدور المنتظر لمراكز الشباب ودور الثقافة ليس بمفهومه التقليدى من خلال ندوات وأنشطة فنية، وإنما من خلال تبنى صغار وشباب المبدعين وزيادة فرص مطالعة الكتب والوثائق وضخ مزيد من أجهزة الكمبيوتر ومخاطبة الشباب بلغة اليوم، ومنحهم الفرصة كاملة للإبداع والخيال الفكرى، بعيدا عن الملاحقات التى يقوم بها دعاة الشهرة والإعلام، وما يقومون به من تجميد للفكر والإبداع، ومساعدة المتطرفين على بث سمومهم فى المجتمع دون أى صد.

فالإبداع الفنى والأدبى يساهم مع خيال الكاتب فى إلقاء تحذير من صعوبة الوضع الراهن وضرورة اتخاذ خطوات استباقية لمنع تغلغل الأفكار الإرهابية فى المجتمع، وهو ما ظهر فى كثير من الأعمال الفنية للكاتب والمبدع وحيد حامد واستبق عصره.

وبإلقاء نظرة على الواقع، بدأت العمليات الإرهابية تأخذ منحى جديدا فى مصر منذ حادث تفجير كنيسة البطرسية فى ديسمبر الماضى من خلال شخص انتحارى، بعد أن كانت أغلب العمليات الإرهابية من قبل تقتصر على قنبلة أو سيارة مفخخة، وتكرر الأمر فى كنيستى طنطا والإسكندرية، فلو قُدمت أعمال فنية ومسرحيات وروايات وقصص تحذر من إمكانية لجوء الجماعات الإرهابية للنموذج العراقى الذى شهد تفجيرات وعمليات انتحارية فى الأسواق والأماكن المزدحمة بالسكان وليس المساجد والكنائس فقط، حينها نخلق تعاطفا وتضامنا لمحاربة الإرهاب من الآن وليس الغد، والتأكيد على أن الإرهاب يطول الجميع وليس الأقباط وكنائسهم فقط، وكذلك التحذير من خطورة الفئات المنضمة للتنظيمات الإرهابية، فالفقر ليس وحده مفرخة للإرهاب بدليل انضمام مهندسين وأطباء لداعش وغيره، إذن الفقر والجهل والأمية ليسوا فقط بذور التطرف وإنما هناك وسائل أخرى ينبغى تحليلها ومراعاتها.

لذا، أعتقد أن المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب، المزمع تشكيله قريبا، عليه أن يهتم بتحليل ظاهرة انضمام كثير من أصحاب المؤهلات العليا والتخصصات العلمية إلى الجماعات الإرهابية، وضرورة اختيار أعضاء المجلس واللجان التابعة له من أصحاب الخبرة والملمين بأبعاد القضية، حتى لا تظل اجتماعات هذا المجلس كغيره من المجالس المتخصصة التى يتم وضع تقاريرها فى الأدراج، على أن تكون قرارات المجلس ملزمة لكل مؤسسات الدولة، حتى لا تقتصر أعماله على توصيات غير ملزمة لأجهزة الدولة.

وأتذكر أننى شاركت فى كثير من المؤتمرات والفعاليات المعنية بمكافحة الإرهاب فى الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية والآسيوية، ووجدت أنه يتم تنظيم محاضرات من قبل متخصصين لأفراد الجيش والشرطة وإطلاعهم على تحليل متخصص لتفكير العناصر المنضمة للجماعات الإرهابية بالأرقام والإحصائيات يضمن تحديد الطريقة المناسبة فى التعامل معهم، وهو ما يصب فى النهاية فى خدمة جهود الدولة لمكافحة الإرهاب، وعدم الاتكال على المعالجة الأمنية فقط، التى أثبتت الممارسة العملية لها أنها لم تعد مجدية فى ظل التغيرات الإقليمية والدولية.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع