مشاهد من زيارة تاريخية
مقالات مختارة | زاهي حواس
الثلاثاء ٢ مايو ٢٠١٧
بالطبع كانت زيارة البابا فرنسيس- بابا الكنيسة الكاثوليكية ورئيس دولة الفاتيكان- فى غاية الأهمية، بل إنها يجب أن تصنف ضمن الزيارات التاريخية على مستوى العالم، وللأسباب التى سنوضحها، ولكن وقبل الحديث عن أهمية الزيارة هناك عدد من المشاهد التى لا يجب أن تمر مرور الكرام دون التوقف عندها ودراستها جيدا، وهى كالآتى: أولاً: كانت هناك ضغوط كبيرة، بل ومجهودات مضنية، لإلغاء هذه الزيارة وعدم إتمامها بدعوى أمن وسلامة البابا وخطورة الموقف الأمنى فى مصر، وبالطبع كل هذا كان من أبواق الميديا التى تعادى مصر على طول الخط، والتى كانت تمنى نفسها بقيام البابا أو مسؤولى الفاتيكان بإعلان إلغاء زيارته إلى مصر للترويج لهذا الإعلان فى العالم كله نكاية فى مصر وشعبها وساستها وحكومتها وكل شىء يعبر عن مصر التى ملأت قلوبهم حقداً وكمداً!! ولما لم يحدث ما تصبو إليه نفوسهم المريضة وتمت الزيارة تعاملوا معها بطريقتين، كانت الأولى هى التجاهل الإعلامى الخارجى لها، فلم تتم تغطيتها بالشكل المناسب واللائق بوزنها وأهميتها، وكان من الضرورى لهؤلاء التشويش إعلامياً على هذه الزيارة! أما عن طريقة التعامل الثانية فكانت الهجوم الداخلى ومحاولة شق الصف المصرى ولكن كيف؟! لم يسعفهم الوقت، وشلهم نجاح الزيارة التاريخية بتدبير الأسباب والمكائد لتشويه الزيارة، فكانت حيلهم فاشلة، بل وقوبلت بسخرية عظيمة، فقالوا كيف يزور بابا الكاثوليك مصر فى الأول من شهر شعبان؟! فما كان من المصريين سوى أن ردوا على ذلك بهشتاج «ياريت البابا يقضى معانا رمضان»، وآخر «نورتنا وياريت تمد الزيارة شوية»! هل هناك شعب أعظم من ذلك؟! هل هناك وعى أكثر من ذلك؟! ضرب المصريون أعداءهم فى مقتل بسخريتهم، وهو شعب مستعد أن يرد الصاع صاعين لكل من يحاول التطاول عليه أو الاستهزاء به، ومعروف منذ القدم أن المصرى وحده وليس غيره هو من استطاع أن يسخر من ظروفه ومن أوضاعه، وأن يؤلف النكات على نفسه والمتاحف العالمية بمصر وخارج مصر مليئة بالمراحل الأولى لظهور فن الكاريكاتير على يد الفراعنة! الخلاصة: لا أحد يغلب المصريين.
نأتى إلى المشهد الثانى، وهو لقاء الرئيس السيسى لبابا الفاتيكان والوداع الحار للضيف العزيز. مشهد يسجله التاريخ ويؤكد أن هذا بلد مصرّ على الاستقرار ويتجه إليه بقوة وإيمان بالإمكانيات الهائلة المعطلة لدولة كبيرة ومؤثرة فى تاريخ العالم، ولمن لا يعرف مكانة مصر فعليه أن يذكر أنها البلد الذى وفر الحماية للسيد المسيح وأمه العذراء مريم، فكانت مصر هى الحامية والحافظة للدين المسيحى، ومصر هى التى حمت العالم الإسلامى من الدمار والهلاك على يد المغول، وكانت الشوكة التى كسرت تقدمهم وساعدت على دمار إمبراطوريتهم، ويذكر تاريخ العالم أن مصر كانت هى البلد الذى أنقذ العالم كله من خطر المغول. على أرض مصر عاش حسن ومرقص وكوهين، مصريين متحابين يعايدون ويباركون لبعضهم البعض فى كل عيد ومناسبة! عندما عانق الإمام الأكبر الشيخ الطيب، إمام الأزهر الشريف، البابا فرنسيس تذكرت صيحة المصريين: يحيا الهلال مع الصليب! عندما بدأ البابا كلمته بقوله «السلام عليكم» فكأنه يقول لنا نعم! أعلم أن تحية الإسلام هى السلام، ورسالة الإسلام بريئة من الإرهاب الذى يرتكب باسمه. المشهد الآخر كان لقاء الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية متمثلا فى لقاء البابا فرنسيس بالبابا تواضروس، والتوقيع على عدد من الاتفاقيات بين الكنيستين، ولمن لم يستوعب المشهد التاريخى نقول له إنها رسالة سلام تخرج من أرض مصر. نأتى للمشهد الأخير، وهو رئاسة البابا فرنسيس للقداس من داخل استاد الدفاع الجوى، أمام حشود هائلة منظمة تشدو بترانيم السلام والمحبة.. أتمنى أن تذاع فقرات من هذا القداس على كل قنواتنا ونحاول حث القنوات الأجنبية على إذاعته لكى نريهم صورة حب وسلام من مصر.
نقلا عن المصري اليوم