الأقباط متحدون - الأزهر.. مؤسسة تعليمية وليس سلطة دينية
  • ٠٥:١٨
  • السبت , ٦ مايو ٢٠١٧
English version

الأزهر.. مؤسسة تعليمية وليس سلطة دينية

مقالات مختارة | صلاح عيسي

٢٤: ٠٩ ص +02:00 EET

السبت ٦ مايو ٢٠١٧

صلاح عيسي
صلاح عيسي

لا أجد تفسيراً مقنعاً لتصاعد المعركة حول مشروع تعديل قانون تطوير الأزهر، الذى ينوى النائب محمد أبوحامد تقديمه إلى مجلس النواب، فلم تعد تقتصر على التنافس الحاد، بين أصحاب المشروع الذى وقع عليه 160 نائباً - وبين كتلة نيابية رافضة له، تشكلت على وجه السرعة، وارتفع عدد الموقعين عليها من النواب إلى 288 نائباً، بل شملت - كذلك - فضلاً عن الحملات الإعلامية والسياسية، موجة من التصفيق الحاد والمتصل، استقبل بها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، عند دخوله قاعة الاحتفال بعيد العمال يوم الثلاثاء الماضى، فيما بدا للبعض كما لو كان إعلاناً رسمياً بالتبرؤ من مشروع القانون الذى يلفت النظر أن «ائتلاف دعم مصر»، الذى يفترض أنه حزب الأغلبية فى مجلس النواب، والذى ينتمى إليه مقدم المشروع، قد التزم الصمت التام، تجاه الحملة التى تعرض لها صاحبه، مما دفع بعض الخبثاء إلى القول بأنه قد غير اسمه إلى «ائتلاف دعم التزويغ».

المشكلة التى يثيرها لصالح المعركة حول مشروع القانون، لا تتعلق بنصوصه، بقدر ما تتعلق بمنهج المناقشة، وبالمبررات التى يستند إليها المناهضون له، الذين اتسع نطاقهم ليشمل أحزاباً وتيارات فكرية، لا تتناقض مواقفها من موضوع القانون وغيره من الموضوعات فحسب، بل شملت - كذلك - أفراداً ومنصات إعلامية، يتناقض موقفها المناهض للمشروع، مع الأسس الفكرية التى تنطلق منها المؤسسات التى يفترض أنها تنطق بلسانها. وهو ما يتطلب وقفة منهجية نتداول فيها حول الأسس الفكرية والسياسية والقانونية، التى ينبغى أن تستند إليها مناقشة جادة مسؤولة لمشروع قانون بهذه الأهمية.

وأول ما ينبغى علينا أن نسلم به جميعاً، أن الأزهر ليس سلطة دينية، وهو ما سلم به فضيلة الإمام الأكبر نفسه، أثناء مناقشات مشروع الدستور القائم، حيث رفض الاقتراح بأن ينص فيه على أن يكون الأزهر هو الجهة التى يناط بها تفسير المادة الخاصة بأن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، لتقع مسؤولية هذا التفسير - لكل نصوص الدستور - فى نطاق مسؤولية المحكمة الدستورية العليا، التى قضت بأن هذه المبادئ هى النصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة من الشريعة الإسلامية التى لا يجوز الاجتهاد فيها.

وانطلاقاً من ذلك، لا يجوز لأحد أن يخلط بين «الإسلام» وبين «الأزهر»، فقد عرفت مصر الإسلام قبل بناء الأزهر بأكثر من ثلاثة قرون، وتوقفت الصلاة فيه - بعد انهيار الدولة الفاطمية - لمدة قرن كامل لم يتوقف خلاله المصريون المسلمون عن أداء شعائر دينهم، ولا يجوز لأحد أن يعتبر شيخه خليفة للمسلمين، أو أن يعتبره مؤسسة مقدسة «وخطاً» أحمر لا يجوز الاقتراب منه، إذ هو - حسب نص الدستور - مؤسسة تعليمية تتولى نشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم.. وهى مهمة ظل يقوم بها لقرون شهدت ازدهاراً وانحطاطاً فى مستوى التعليم فيه، إلى أن أضاف إليه محمد على الكبير التعليم المدنى.

وإذا كان الله عز وجل - كما تنبأ الحديث النبوى الشريف - يبعث إلى الأمة الإسلامية على رأس كل مائة سنة من يجدد دينها، فقد حاول كثيرون أن يجددوا التعليم فى الأزهر، لكى يواكب العصور المختلفة، فكانوا ينجحون مرة، ويفشلون عشرات بسبب تعنت مشايخ الأزهر، فلم ينظم التعليم فيه ويجر تحديثه إلا فى عهد الخديو إسماعيل، وتطلب الأمر عدة عقود قاربت القرن، حتى صدر القانون الحالى عام 1960.

وحتى ذلك الحين، كانت الكليات الأزهرية تقتصر على ثلاثة تخصصات فى العلوم الدينية، هى أصول الدين والشريعة واللغة العربية، ولأن سوق العمل - بعد انتشار التعليم المدنى - كانت قد ضاقت بخريجى الجامعة الأزهرية، فقد كان الأساس الذى استند إليه قانون التطوير هو إنشاء جامعة أزهرية تضم الكليات المناظرة لها فى الجامعات المدنية، وتجمع بين التخصص فى علوم الدنيا وعلوم الدين، مما يفتح أمام خريجيها أبواب سوق العمل الموصدة أمامهم من جانب، ويتيح لمصر أن ترسلهم إلى البلدان الأفريقية التى لا تدين بدين من الأديان السماوية، لكى يمارسوا مهمة دنيوية هى تقديم الخدمات لمواطنيها، ومهمة رسولية هى دعوتهم لاعتناق الإسلام.

ولو أن للذين يشيعون القول بأن السعى لتجديد التعليم الأزهرى هو الخطوة الثانية - بعد الدعوة لتجديد الخطاب الدينى - للقضاء على الإسلام، قدراً من الشجاعة يدفعهم للاعتراف بالخطأ، لتذكروا أنهم وجهوا الاتهامات نفسها بالكفر والخروج عن الملة والسعى لتقويض أركان الإسلام، إلى كل الذين شاركوا عام 1960 فى إعداد قانون تطوير الأزهر الذى يتمسكون به اليوم، ويذرفون دموع التماسيح دفاعاً عنه!.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع