التسامح الضرورة والحل
مدحت بشاي
٤٨:
٠٩
ص +02:00 EET
الأحد ٧ مايو ٢٠١٧
كتب : مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
لا شك أننا بتنا في حاجة إلى دعم وتحفيز كل دعوات التسامح بكل أشكاله ودرجاته .. تسامح فكري واجتماعي وديني وإنساني ، وأن تتشارك كل القوى في صياغة وإثراء حالة من التوافق النبيل تسمح بالتعايش الهادئ بعيداً عن التعصب والخطب الحنجورية ورمي الأحجار في وجه الآخر حتى بتنا لا نرى بعضنا من فرط ما نضع من سدود وسواتر بينية تلغي فرص الرؤية الإنسانية والفكرية وقراءة بعضنا البعض ، وصدق توماس هوبز عندما أكد على أن الدولة الكاملة هي التي لا تنشأ من الطبيعة ، ولكن من العقل ، ويستلزم ذلك عقداً اجتماعياً ، وأوافق هوبز عندما وجه للكنيسة رسالة حادة يطالبها بتحديد علاقتها بالنظام الاجتماعي ، ورفض أية تنظيمات اجتماعية تتوسط العلاقة بين الفرد والمجتمع في تأكيد على حركة البشر وفقاً لمصالحهم الخاصة دون وسيط بينهم وبين الدولة ..
ويشاركه في رؤيته الفيلسوف الإنجليزي جون لوك في مقولته الهامة " فالدولة مهمتها الحفاظ على حقوق الأفراد ، ولا علاقة لها مطلقاً بخلاص النفوس ، والكنيسة هي مجرد جمعية حرة إرادية لها أن تتدخل في الإيمان والعقائد والطقوس والوعظ والإرشاد والتوجيه فقط ، والأولوية هنا للدولة ومصلحتها القومية " .. لقد طرح جون لوك تساؤلاً لازال يتردد حتى الآن حول مدى صلاحيات الكهنوت ودورالمؤسسة الدينية ، وكانت إجابته بشكل قاطع أنه مادامت سلطات الكنيسة ذات طابع كنسي فيجب أن تكون مقيدة بحدود الكنيسة ، ولا تمتد بأي حال من الأحوال إلى الشئون الدنيوية ، لأن الكنيسة يجب أن تكون منفصلة عن الدولة ومتميزة عنها تماماً ، وهما في رأيه متباعدتان أشد التباعد ..
جاء في القرآن الكريم: {يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا} فالإنسان ابن مجتمعه ووطنه، فعلى أرضه وبين ناسه وحضارته وتاريخه يكتسب ملامح وجوده ..و" عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنّوا إليكم وإن متّم بكوا عليكم ".وفي المسيحية " أما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر. بل من لطمك علي خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً " (مت 5: 38، 39).. "
في كتابه البديع والهام " حرية الفكر وأبطالها في التاريخ " للمفكر الفيلسوف سلامة موسى ، يقترب الكاتب الوطني العظيم الراحل من قيمة التسامح في الإسلام ..يحكي سلامة أن المستر دريبر أحد المؤرخين ومن كبار الفلاسفة أنه قد قال : " إن المسلمين الأولين في زمن الخلفاء لم يقتصروا في معاملة أهل العلم من النصارى النسطوريين ومن اليهود على مجرد الاحترام . بل فوضوا إليهم كثيراً من الأعمال الجسام ورقوهم إلى المناصب في الدولة حتى أن هارون الرشيد وضع جميع المدارس تحت مراقبة حنا بن ماسوية " ، وقال في موضع آخر : " كانت إدارة المدارس مفوضة مع نبل الرأي وسعة الفكر من الخلفاء إلى النسطوريين تارة وإلى اليهود تارة أخرى .ولم يكن ينظر إلى البلد الذي عاش فيه العالم ولا إلى الدين الذي وُلد فيه بل لم يكن ينظر إلا إلى مكانته من العلم والمعرفة . قال الخليفة العباسي الأكبر المأمون : " إن الحكماء هم صفوة الله من خلقه ونخبته من عباده لأنهم صرفوا عنايتهم إلى نيل فضائل النفس الناطقة وارتفعوا بقواهم عن دنس الطبيعة . هم ضياء العالم وهم واضعو قوانينه ولولاهم لسقط العالم في الجهل والبربرية ".
من منا لا يتذكر المقولة الرائعة لقداسة البابا شنودة رداً على سؤال لإعلامي شهير حول هل تسعى الكنيسة المصرية لتجميع أقباط مصر في دولة في صعيد مصر ، فقال قداسته أن أمان وحياة واستقرار المواطن المسيحي في وجوده مع أخوه المسلم في تشارك ووجود وتكامل إنساني في وطن للجميع .. فهل يفهم كلام البابا من يتهمون عقلاء الوطن أصحاب رسالات السماحة والتعايش بالخيانة ؟ .. هل يفهم هؤلاء أن الإصلاح للخطاب الديني للمسجد والكنيسة هو البداية لنسيان كل أزمنة التوهان الطائفي ؟ .. وإذا كان الكاهن والإمام يلح عليهم أحيانا اتخاذ مواقف سياسية في أزمنة الأزمات السياسية ، فليخلعوا رداء الكهنوت والإمامة ..اللهم بلغت اللهم فاشهد ..