الأقباط متحدون - أصوليات هذا الزمان التوماوية الجديدة (18)
  • ٠٣:٥٨
  • الاثنين , ٨ مايو ٢٠١٧
English version

أصوليات هذا الزمان التوماوية الجديدة (18)

مقالات مختارة | مراد وهبة

١٩: ٠٨ ص +02:00 EET

الاثنين ٨ مايو ٢٠١٧

مراد وهبة
مراد وهبة

ماذا ترتب على الانشقاق الذى سببه الأصوليون الكاثوليك؟

يلزم فى البداية التفرقة بين التوجه الأصولى الوارد فى أى تراث دينى، والأصولية كحركة انشقاقية، لأن الحركة الانشقاقية هى التى تحدث تأثيراً على السياسة العامة للأمة، من حيث إنها تثير التخوف من الكاثوليك الليبراليين الذين يعملون على تدمير الإيمان. ومن هنا تنحاز الأصولية الكاثوليكية إلى الجناح السياسى اليمينى، وإلى الفصل الحاد بين ما هو مقدس وما هو دنيوى. ومن هنا أيضاً فإنها تحاول الهيمنة على اقتصاد الكنيسة. وفى هذا السياق يصبح من اللازم الدعوة إلى إقصاء تراث الثورة الفرنسية وما يلازمه من التنوير والحداثة. إلا أن الكنيسة الكاثوليكية فى تاريخها العام كانت على الضد من ذلك، لأنها تبحث دائماً عن توليفة تجمع بين الثقافة والإنجيل. إلا أن هذه التوليفة تنطوى على انشقاق بسبب التزمت الكامن فى الحركة الأصولية. ولا أدل على هذا الانشقاق من المظاهرات التى يقوم بها الأصوليون فى جميع أنحاء أمريكا، وكانت قمتها فى عام 1988 فى أتلانتا بأمريكا، حيث قُبض على أسقف نيويورك وآخرين أعضاء فى منظمة تقف ضد الإجهاض. وبعد ذلك قُبض على أساقفة آخرين ومعهم خمسة آلاف من المتظاهرين. وكان هؤلاء المتظاهرون جزءًا من حركة مسكونية يرأسها بروتستانتى أصولى. ومع ذلك حدث انشقاق داخل هذه الحركة بسبب عدم الاتفاق على مشروع سياسى موحد، إلا أن هذا الانشقاق لم يمس المعارضة المطلقة للإجهاض إلى الحد الذى قال فيه جوزيف شيدلر، المدير التنفيذى لعصبة الدفاع عن الحياة فى شيكاغو، عبارته الحاسمة التى تشى بأنه من مُلاك الحقيقة المطلقة: «الانتصار قادم لأننا على حق وهم على خطأ. نحن خيرون وهم أشرار. وهذه هى المسألة بلا تعقيد». ثم أضاف أسقف نيويورك قائلاً: «إن قبول الإجهاض يفسد المجتمع الأمريكى».

وإذا أردت مزيداً من الفهم فى أبعاد مقاومة الإجهاض من قبل الأصولية الكاثوليكية، فعليك أن تضع هذه المقاومة فى سياق «التوماوية الجديدة» التى هيمنت على الحياة الفكرية للكنيسة الكاثوليكية فى القرن التاسع عشر وتبناها جيل بأكمله، إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية. ويمكن إيجازها فى أنها مردودة إلى فلسفة القديس توما الأكوينى التى كانت شائعة فى العصور الوسطى والتى انحصرت مهمتها فى مهاجمة «الرشدية اللاتينية» التى استندت إلى فلسفة ابن رشد للخروج من العصور الوسطى المظلمة. وفى مواجهة كهنة الأصولية الكاثوليكية أعلن البابا يوحنا الثالث والعشرون (1958-1963) «فتح النوافذ» لإنهاء فترة مقاومة الإصلاح الدينى التى كانت الغاية منها عزل الكنيسة عن العالم. فقد انفتح هذا البابا على الجماعات اليهودية والأرثوذكسية الشرقية، ورحب بالمراقبين غير الكاثوليك الذين وفدوا إلى الفاتيكان، وكان مسؤولاً عن الإعداد للمؤتمر الثانى للفاتيكان الذى قيل عنه إنه «ثورة فى الكنيسة» وقيل عن المعارضين له إنهم أصوليون وغايتهم المحافظة على مسار التوماوية القديمة والجديدة باعتباره غير قابل للتغيير. وأنا أضيف أن كلاً من الأب قنواتى والفيلسوف يوسف كرم ممثل للتوماوية الجديدة فى مصر. ومع ذلك فأنا أكن لهما كل الإعزاز والتقدير، وأشيد بهما فى محاضراتى. فقد كرس كل منهما حياته لرسالته الفلسفية. ولم تنقطع علاقتى معهما منذ عام 1944 عندما كنت طالباً بقسم الفلسفة إلى أن غادر كل منهما هذه الحياة الدنيا بالرغم من أننى كنت معارضاً لهما. والمفارقة هنا أن كلاً منهما كان يرحب بهذه المعارضة.

والسؤال بعد ذلك:

ما هو دستور الأصولية الكاثوليكية؟
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع