الأقباط متحدون - محمد عبدالله نصر.. الإسلامُ برىءٌ من المُنفِّرين
  • ٠٤:١٧
  • الاثنين , ٨ مايو ٢٠١٧
English version

محمد عبدالله نصر.. الإسلامُ برىءٌ من المُنفِّرين

مقالات مختارة | فاطمة ناعوت

٢١: ٠٨ ص +02:00 EET

الاثنين ٨ مايو ٢٠١٧

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

من علوم الرياضيات والهندسة ونظرية المعرفة، درسنا المنطقَ الديكارتى: الرياضى، والفلسفى. وفيه نتوسّل المُقدماتِ أو المُدخلاتِ، كعوامل استدلال منطقية فى القضايا الفكرية، لنصل بها إلى التوالى أو النتائج، فنقول: «بما أن كذا وكذا، إذن النتيجة كذا، وهو المطلوب إثباته». والآن، لنتأمل المسألة التالية. المُدخلات:

١- نفرٌ من الأزهر الشريف رفض تكفير داعش، ناحرة الرقاب، لعدم جواز تكفير مَن ينطق الشهادتين.

٢- نفرٌ من الأزهر الشريف كفّر باحثين ومفكرين وأدباء نطقوا الشهادتين، ما أراقوا دمًا ولا حرّضوا على بغضاء، بل يدعون للسلام بين الناس.

النتيجة:
نفرٌ من الأزهر الشريف يرى أن: نحر الرقاب وإراقة الدم مجرد بَغْى، أى ظُلم، (فئة باغية)، ولا يُخرج من الإسلام، وفى نفس الوقت: البحثُ والتفكيرُ وإعمال العقل والدعوة للسلم تُخرج من الإسلام. النتيجةُ بالطبع غير منطقية. لا نقبلها من الأزهر ولا نقبلها له، فجميعنا نُجِلُّ مؤسسة الأزهر، بوصفها المنارة الإسلامية الأعلى التى تُقدم للعالم الصورة المشرقة للإسلام، وتنقض، فى ذات الوقت، الصورةَ الشوهاء التى يرسمها الإرهابيون لديننا/ ميراثنا، الذى يُحزِننا ما يصنعه باسمه سفاحون يرفعون راية الإسلام، من أسفٍ، وهم ينحرون الرقاب ويُروّعون الآمنين ويفجرون ويهدمون ويغرقون الأرضَ بالدماء والويلات. نُجِلُّ تلك المؤسسة العريقة، ولكنها فى نهاية الأمر: مؤسسةٌ يمسك قوادَها بشرٌ. والبشرُ يصيبُ ويخطئ، ويؤخذ منه ويردُّ، مهما تفاوتت مراتبُهم العلمية والفكرية والسُّلطوية.

والآن، دعونا نُلقى نظرةً على التاريخ، ونتأمل.

فى القرن الثانى عشر، ظنَّ «ابنُ رشد» أن نفيَه من قرطبة الإسبانية إلى مراكش المغربية، وحرقَ كتبه، سيكونان نهايةَ عصور الظلام ومحاربة الفكر وتفاهة المصادرات البليدة وبدءَ عصر: «محاججة الفكرة بالفكرة». وخابَ ظنُّه.

وظنَّ «طه حسين» أن مصادرةَ كتاب «فى الشعر الجاهلى»، ومقاضاته لفكره، سيكونان نهاية عصر المراهقة الدينية وبداية عصر نشوء العقلية النقدية فى أدمغة العرب وبداية ثقافة: «الفكر، والفكر الآخر». وخابَ ظنُّه.

وظن الظنَّ نفسَه «نصر حامد أبوزيد»، حين خال أنه سيكون آخر ضحايا الجمود والجهالة والاتجار الرخيص بالدِّين. وخاب طنُّه.

وفِى لحظة احتضار «فرج فودة»، حينما تلقى صدرُه رصاصاتٍ من أُمىٍّ لا يقرأ، ابتسم الأستاذُ وعيناه شاخصتان للسماء وهو يدمدم: «الحمد لك يا ربى على الشهادة النبيلة، اللهم اجعلنى آخر شهداء الرأى واقبلنى قربانا للحرية والتنوير». وخاب فألُه.

وحينما اخترقت صدرَ «ناهض حتّر» رصاصاتٌ ثلاث من ذقنجى أثيم على باب المحكمة بالأردن، قال فى نفسه: «عساى أكون آخر ضحايا الذين يحملون سيوفًا فى أياديهم وفى رؤوسهم يحملون الخواء». وخاب ظنُّه.

كذلك ظنّ «إسلام بحيرى» أنه سيكون آخر ضحايا محاربة الرأى، وبسجنه سيبدأ عصرٌ جديد من تقبّل الرأى المختلف. وخاب ظنُّه.

وكذلك أنا. حين حوكمتُ لأننى رفضتُ تعذيبَ الأضحية قبل نحرها، على غير ما علّمنا الإسلامُ والرسول، وحُكم علىَّ بالسجن سنواتٍ ثلاثًا، قلتُ فى نفسى: «سأكونُ آخر ضحايا الاسترزاق باسم السماء كذبًا وزورًا، وإن الحكم بسجنى سيُنهى عصرًا بليدًا مراهقًا، ويبدأ عهدٌ جديد طال انتظاره من التنوير والتحضر وبزوغ ثقافة جدلية الرأى والرأى الآخر». وخاب ظنى.

فمن بعدى لاحق الخاوون كلا من الناقد يوسف القعيد والإعلامى مفيد فوزى. ولم يكونا الأخيرين.

والآن، هذه رسالتى للرئيس عبدالفتاح السيسى:
الشيخ «محمد عبدالله نصر»، الذى طارد الإخوان وفضح سوأتهم، لم يُحرّض على قتل الناس، ولم ينشر البغضاء بين أركان مصر، حتى يُسجن ثلاثةَ عشر عامًا! لقد فكّر وبحث وقال. وفى جميع قوله حاول تبرئة دينى ودينك- يا فخامة الرئيس- مما يُلصِقه به مُشوِّهو الإسلام، خصومُ السلام. وأولئك هم الآمنون من الملاحقات القضائية! يترهلون على أرائك بيوتهم الوثيرة، يثرثرون على طاولات فضائياتهم، ويثرون ثراء فاحشًا بهدم الدين وتقويض الوطن والتحريض على قتل الأبرياء العزل المسالمين.

سيادة الرئيس، الأمةُ التى تسجن مَن فكّر وقال، سواء أصاب أم أخطأ، وتلاحق بالقضايا من يحثّ على السلام بين الناس، وفى ذات الوقت تسكتُ عمن قتل وعمن حرّض على القتل، هى أمةٌ تستحق ما هى فيه من ويل. ومصرُ.. لا يليق بها هذا!.

سيادة الرئيس، بالأصالة عن نفسى، وبالنيابة عن كل عقلاء مصر، ممن يؤمنون بنهج ابن رشد: «الرأىُ يُحاجَجُ بالرأى، لا بالسجن»، نناشدك التدخّل لحماية مفكرى مصر من الارتزاقيين، الذين يشتهرون ويثرون بهدم الإسلام وتحطيم صورة مصر أمام العالم. معلومة أخيرة- سيادة الرئيس: الشيخ «محمد عبدالله نصر» مصابٌ بالسكر والتليف الكبدى، ولن يصمد للسجن.

إن لم تنته تلك المهازلُ، فإننى أعلنُ بكل أسًى أن هذه الأمة المنكودة لا أمل فيها ولا رجاء، مادامت لا تُحفَظ بل تُصَعَّد للقضاء تلك الدعاوى الكيدية البليدة التى وراءها شخوصٌ فارغون، لا شغلَ يشغلهم ولا مشغلة، يرتعبون إن شاهدوا شخصًا يفكر ويجتهد ويخطئ ويصيب، كما هو حال الإنسان منذ نشأ، فالدماغُ يُرعب من ليس له دماغ. والإسلامُ برىءٌ من المُنفِّرين.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع