لماذا الوثيقة الأخيرة؟
مقالات مختارة | بقلم:د. عماد جاد
٢٨:
١٠
م +02:00 EET
الثلاثاء ٩ مايو ٢٠١٧
قُبيل مغادرته منصبه كرئيس المكتب السياسى لحركة حماس بيوم واحد، عقد خالد مشعل مؤتمراً فى العاصمة القطرية «الدوحة»، ليُعلن فيه عن وثيقة جديدة تتضمّن تغييراً كبيراً فى رؤية الحركة ومواقفها السياسية. حرص خالد مشعل على الدخول فى مقدمة طويلة لتبرير ما سوف يُعلن من تحولات جوهرية لفكر الحركة، على الأقل من الناحية الرسمية، بصرف النظر لاحقاً عن الممارسات الواقعية، أو ما سوف تنهجه الحركة من سياسات. برّر «مشعل» ما سوف يقوله بأنه نتاج طبيعى للتطور فى مواجهة الجمود، ومحصلة منطقية للدقة فى رسم الثوابت وتحديدها، فلا توسيع فى هذه الثوابت، فيحدث الجمود، ولا تضييق فيها حتى لا يقع التفريط.
ومن خلال قراءة ما ورد فى الوثيقة الأخيرة لحركة حماس، ومقارنته بما تضمّنه ميثاق الحركة الصادر بعد تأسيسها عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى فى عام ١٩٨٧، يمكن القول إن هناك ثلاث نقاط أو تحولات جوهرية فى وثيقة حماس الأخيرة، التحول الأول، ويتمثل فى فك الارتباك التنظيمى مع جماعة الإخوان المسلمين، فميثاق الحركة الصادر فى نهاية ١٩٨٧، ينص فى مادته الأولى على أن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» جزء من التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين، وجاءت المادة الجديدة لتقول إن «حماس» جزء من المدرسة الفكرية لجماعة الإخوان، لكن لا ارتباط تنظيمياً بينهما، فقد نفت الوثيقة الأخيرة أى صلة تنظيمية بالجماعة، وهو أمر ما كان له أن يحدث لولا إعلان الجماعة كتنظيم إرهابى فى مصر، ورغبة الحركة فى التعاطى واقعياً مع النظام المصرى الحالى والقدوم إلى القاهرة والتحرك منها إلى العالم، فضلاً عن الحاجة إلى الدور السياسى المصرى، والرغبة فى التنسيق مع الجهات المصرية المعنية. التحول الثانى تمثّل فى قبول الحركة بدولة فلسطينية على حدود ما قبل الخامس من يونيو ١٩٦٧، وهو ما كانت الحركة ترفضه بشكل قاطع قبل ذلك، وقامت بعشرات العمليات الانتحارية لوقف مسار أوسلو القائم على هذه الفكرة. وعملت بكل قوة على رفض أى طرح لدولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين مثلما كانت تقول منظمة التحرير الفلسطينية. أما التحول الثالث فيتمثل فى اعتبار الصراع مع إسرائيل صراعاً سياسياً، أى أنه صراع حدود لا صراع وجود. وبذلك تكون الحركة قد وصلت إلى سبق، ووصلت إليه فصائل منظمة التحرير الفلسطينية قبل عقود، وسارت على طريق تسوية سياسية كادت تؤدى إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على كامل مساحة الأراضى الفلسطينية المحتلة فى عدوان يونيو ١٩٦٧، من خلال اعتماد مبدأ تبادل الأراضى، لولا قيام الحركات والمنظمات الإسلامية، وعلى رأسها حركة حماس، بتعطيل المسار عبر تنفيذ عمليات انتحارية فى قلب المدن الإسرائيلية.
فى تقديرى أن التحول الأول جاء كنهج واقعى من قِبَل الحركة، للتعاطى مع النظام المصرى القائم، بعد أن فشلت الجماعة الأم فى حكم مصر، ورحل النظام بلا عودة، وتأكدت حركة حماس من مآل التنظيم الأم فى مصر، على الأقل خلال العقود القائمة، الذى لن تقوم له قائمة شعبية فى مصر. أما التحولان الثانى والثالث فتقديرى أنهما جاءا بضغوط قطرية فى الأساس، تلبية لمطالب أمريكية، فالتقدير هو أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يريد إنجاز تسوية سياسية لما تبقى من القضية الفلسطينية، ووفق الشروط الإسرائيلية.
هذه التحولات جاءت كنهج برجماتى من الحركة للدخول على خط التسوية السياسية، فما يحمله ميثاق الحركة الصادر عام ١٩٨٧ يجعلها خارج سياق العملية السياسية، وما ورد فى مادتها الأولى من صلة تنظيمية بجماعة الإخوان يوقعها فى أزمة عدم التواصل مع مصر، التى صنّفت الجماعة كتنظيم إرهابى، ومن ثم فما أقدمت عليه الحركة من تحولات فى الوثيقة الأخيرة يمثل قفزة سريعة لركوب قطار التسوية السياسية من موقع البديل لمنظمة التحرير، وبعد إضاعة عشرات الفرص الحقيقية لتسوية سياسية عادلة ومنصفة، بدءاً من مؤتمر مينا هاوس عام ١٩٧٧، وصولاً إلى كامب ديفيد الثانية عام ٢٠٠٠، مروراً باتفاق أوسلو عام ١٩٩٣. المعضلة الحقيقية اليوم هى أن الحركة، بعد أن غيّرت فى رؤيتها الأيديولوجية لطبيعة الصراع ورؤية إسرائيل سوف تطرح نفسها بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم تزيد من عملية الانقسام الفلسطينى - الفلسطينى، وهو ما سوف تتلقفه إسرائيل وتناور به من أجل قضم المزيد من الأراضى الفلسطينية والتهام أكبر قدر مما تبقى من حقوق.
نقلا عن الوطن