الأقباط متحدون - بناء المستقبل.. حقيقة أم وهم؟
  • ٠٣:٠٥
  • الخميس , ١١ مايو ٢٠١٧
English version

بناء المستقبل.. حقيقة أم وهم؟

مقالات مختارة | حسن حنفي

١٧: ٠٧ م +02:00 EET

الخميس ١١ مايو ٢٠١٧

حسن حنفي
حسن حنفي

تحدث الفلاسفة عن الوجود الزمانى كما فعل هيدجر فى «الوجود والزمان» وعبدالرحمن بدوى فى «الزمان الوجودى». ووصفوا أبعاد الزمان الثلاثة التى يعرفها الجميع: الماضى والحاضر والمستقبل، والتى تظهر فى كلمات كثير من الأغنيات خاصة أم كلثوم. كما لاحظ عديد من المفكرين العرب عدم تساوى هذه الأبعاد الثلاثة فى الوعى العربى بالزمان. فالماضى له الحضور الأكبر كما يبدو فى الحركات السلفية، والموسيقى العربية، ودور النشر، والحلم بأيام زمان التى يُرجى لها أن تعود، وكما هو الحال فى المثل الشعبى «مِن فات قديمه تاه». أما المستقبل فهو المستقبل البعيد الذى يتحقق بعد الموت فى عالم يسوده العدل واسترداد الحقوق التى ضاعت فى الدنيا.

بل أصبح المستقبل مدعاة للسخرية طبقا للجملة المشهورة «فوت علينا بُكرة»، أى عدم تحقيق أى شىء لأن هذا «البكرة» لن يأتى. أما الحاضر فلا وجود له لأن الإنسان لا يعيش إلا ماضيه الذى ولّى ومازال حاضرا، والمستقبل القادم الذى قد يكون وهما. فلا يعرف المواطن فى أى مرحلة من التاريخ هو يعيش: الإصلاح، النهضة، الثورة، الانقلاب، الثورة المضادة. لذلك يبدو تائها بين ماض ولّى ولا وجود له ومستقبل غامض لم يتحقق بعد. يحلم بالخلافة أو بالثورة الفرنسية. والفرق بين الحلمين أن الأول يعمل له أصحابه فى نشأة الحركات الدينية المعتدلة أو المتطرفة مثل الإخوان وتنظيم الدولة (داعش) والقاعدة، والنصرة. ويهددون الدول الوطنية. بينما الثانى يتكلم عن الدولة العلمانية والحرية وحقوق الإنسان. ولا أحد يعمل معها أو لها لضعفها واتهامها بالتغريب أى تقليد الغرب. وفرق بين العمل والكلام، بين التحقق والوعد.

يسمع جيلى أى منذ نصف قرن أو يزيد عن ضرورة إعادة بناء العشوائيات التى يسكن بها حوالى أربعة ملايين من المصريين أى خمس سكان القاهرة، وبالقاهرة خمس سكان مصر. ويرى العشوائيات كما هى بل تزيد. وما يبنى هو المدن الجديدة حول القاهرة التى تسكن فيها الطبقة الجديدة، فيلات، ومناطق خضراء، ومياه، وصرف صحى، وكهرباء، وأمن وحراسة. وسمع جيلى أيضا عن ضرورة تعمير سيناء تخفيفا لزحام الوادى وكوسيلة للدفاع عنها ضد الغزو الإسرائيلى المتكرر منذ 1956 بعد تأميم قناة السويس و1967 بعد نشاط القومية العربية وقدرتها على توحيد العرب ضد إسرائيل. وقد سطر ذلك كتابة فى بيان 30 مارس 1968 الذى دونه أحمد بهاء الدين صاحب مقولة «الانفتاح سداح مداح» التى أغضبت الرئيس حينئذٍ. وهى خريطة جديدة لبناء مستقبل مصر عرضا لا طولا من أجل ابتلاع الصحراء داخل الوادى. وقد حدث ذلك بعد مظاهرات طلاب الجامعة ضد أحكام الطيران المخففة المسؤول عن هزيمة 1967 بضربه على الأرض قبل أن يقلع. وتضع هذه الخريطة خطة لبناء المستقبل منها تعمير سيناء حتى تتسع لخمسة ملايين مصرى، خط الدفاع الأول عن الوادى فى حالة أى هجوم إسرائيلى. وتعمير الصحراء الشرقية بربط نهر النيل بساحل البحر الأحمر بشبكة من الطرق لتعمير الصحراء من قنوات المياه لزراعتها. فلا يبقى نهر النيل فى مساحته الضيقة القديمة والتى أراد محمد على أن يوسعها بحفر قنوات موازية لتعمير ما بينهما مثل النوبارية وبحر يوسف وغيرها. ويشمل البيان ضرورة ربط الواحات الخمس فى الصحراء الغربية ببعضها البعض لإنشاء مساحة للزراعة لا تعتمد فقط على مياه الأمطار. فمن يقرأ بيان 30 مارس 1968 يتنفس الصعداء بأن مشاكل مصر الرئيسية قد حلت وفى مقدمتها القمح، أى الخبز وهو المطلب الأول فى الثورة الشعبية الكبرى فى يناير 2011 قبل الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. والخطاب السياسى الإعلامى الآن يتضمن مثل هذه الوعود تأجيلا من عام إلى العام الذى يليه حتى طال الانتظار. ويتم اللجوء إلى فضيلة الصبر عند هذا الشعب. فلا داعى للاستعجال «وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا». ومن العدل أن يقال أن ليس كل الخطاب عن المستقبل وهما، فهناك شىء يتحقق بالفعل. فكان الحديث عن السد العالى طويلا قبل ثورة يوليو 1952. ثم تحقق بالفعل عام 1960، بالرغم من ظهور الفكاهات عليه بأن الدور الأول كان به مهندسون روس، والثانى عمال إيطاليون، والثالث كهربائيون فرنسيون، حتى جاء الدور الأخير فظهر المصريون يغنون «قولنا هانبنى وادى احنا بنينا السد العالى». وكان الحديث طويلا عن تفريعة ثانية لقناة السويس حتى لا يطول انتظار السفن. فقد كانت اتجاها واحدا. والآن تمت التفريعة الثانية دون أن تظهر نتائجها بعد. وكان الحديث عن محطة الضبعة للأغراض النووية. ومازال الحديث جاريا عن توقيع العقد، والشركة الموقعة، وأهالى الضبعة، والتمويل، وباقى الشروط. وأنجزت محافظة البحيرة التى ضمت جزءا من الصحراء الغربية إلى شمال الدلتا. وقد كان حلما توسيع مساحة الدلتا شرقا وغربا. وأنشئت امتدادات للمدن القديمة غرب النيل مع كبارى تربط الشرق بالغرب مثل بنى سويف الجديدة، والمنيا الجديدة، وأسيوط الجديدة، والبقية تأتى، إنجازا أو كلاما. ووضع الحد الأدنى للأجور دون الحد الأعلى. الأول خوفا من الفقراء، واحتمال ثورة الجياع. والثانى خوفا من الأغنياء الذين جمعوا بين السلطة والمال.

ويكون التأجيل عاما وراء عام. ويُلاحظ ذلك فى الصحف بتحليل العناوين الرئيسية فى الصفحات الأولى. وقد قام بذلك أحد الباحثين المصريين فى علم اجتماع الإعلام. وكنا نتناقل النكتة الآتية ونحن صغار: بائع صحف على الأرض إذا طلب منه أحد جريدة الأهرام ختم له نسخة بختم الأهرام، وإذا طلب منه أحد جريدة الجمهورية ختم له نفس النسخة بختم الجمهورية. فالصحف تكرر بعضها البعض. أما فى ماليزيا فقد وضع محمد محاضر خطة تنمية 20-20. وانتهى من إنجازها قبل الموعد ثم استقال ليستريح.

بناء المستقبل بالفعل شىء والتسويف بالكلام شىء آخر. الأول تنفيذ بالفعل. والثانى إيهام بالكلام. أصبح الإرهاب هو الموضوع الأول، نتائجه دون أسبابه. والإخوان شماعة لتعليق كل مشاكل مصر عليهم حتى ارتفاع سعر الدولار، وارتفاع أسعار اللحوم والدواجن والأسماك والبقول وبالتالى جوع الفقراء. وغياب الأمن أيضا مثل تفجير كنيستى طنطا والإسكندرية. ولم يعد أحد يتكلم عن العدو الأول الذى احتل أراضى العرب، إسرائيل. فقد عقدنا معها السلام قبل أن تنسحب من الضفة الغربية والجولان، وهو المشروع العربى للسلام الذى قدم فى بيروت ورفضته إسرائيل التى تريد السلام والأرض.

من الضرورى إعطاء الأمل للناس وإلا تحول الأمل إلى إحباط، والإحباط إلى ضيق، والضيق إلى انفجار. بناء المستقبل بالفعل وليس بالكلام. لا المستقبل السياسى قبل الموت ولا المستقبل الدينى بعد الموت. وإلا فما معنى تجديد الخطاب الدينى الذى كثر الحديث عنه؟ تجديد الخطاب الدينى مرتبط بتجديد الخطاب السياسى. فالحديث عن المستقبل بعد الموت لا ينفى بناء المستقبل قبل الموت.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع