علينا الاختيار ما بين بلد القانون وبلد الفتوى
مقالات مختارة | خالد منتصر
الجمعة ١٢ مايو ٢٠١٧
احتشد البرلمان وانتفض أعضاؤه وانتفخت عروقهم وأوداجهم وأصدروا بسرعة الضوء قانون الفتاوى الذى يسجن غير المختصين ويغرّمهم ويجرّمهم، بينما قانون الازدراء تم رفض تعديله بعد أن سار بسرعة السلحفاة ودُفن فى الأدراج! تم هذا رغم أن قانون الفتاوى يجرّك جراً إلى جحيم الدولة الدينية وقانون إلغاء الازدراء يدفعك دفعاً إلى جنة الدولة المدنية، وللأسف كل ما تفعله الدولة الآن بحكومتها وبرلمانها من انبطاح تحت أقدام السلطة الدينية والسلفيين يدلنا على أن الدولة قد حسمت الخيار واختارت طريق قندهار والصومال وارتاحت إلى شكل ومضمون دولة الكهنوت والمشايخ والملالى!
أولاً، أنا لا أعرف فى الدولة المدنية التى من المفروض أننا نعيش فى ظلها منذ تمردنا على الخلافة العثمانية ومنذ أن وضع بذورها محمد على، لا أعرف إلا شيئاً اسمه القانون الذى ينظم تفاصيل حياتنا ويحل خلافاتنا ولا يترك شاردة ولا واردة إلا وكتبها فى سطوره، إنما الفتوى فى بلد يحترم عقله فقد انتهى زمانها وولى ولم تعد للآراء الشخصية أو حتى آراء هيئة ما مهما كانت مليئة بالعمامات الضخمة أى سيطرة أو صياغة أو تشكيل قانون أو قرار، كل ما تقوله الفتاوى حتى فيما يدعون أنه من صميم اختصاصهم موجود فى القانون، فما الداعى للفتاوى!! وإذا ارتضينا بضغط الوضع القائم والواقع الذى استكان فيه الجميع إلى الكسل العقلى وهستيريا طلب الفتاوى عبر التليفون والإنترنت والفضائيات، فإننا نسأل: هل الشيخ أى شيخ صار لا يمسه الباطل وغير قابل لارتكاب الخطأ ومنزّهاً عنه؟ وهل صارت هيئة كبار العلماء المنوط بها التسيير ودسّ الأنف فى كل تفاصيل حياتنا هيئة سرمدية من المبشرين فوق المساءلة والنقد، من ينتقدهم كمن ينتقد الصحابة؟!! أليس د. على جمعة، المفتى السابق وعضو هيئة كبار العلماء وهو من المفروض أكثرهم استنارة، هو الذى أفتى وقال إن أقصى مدة للحمل أربع سنوات وإن هذا قد حدث فعلاً وحدّثنا به فلان ابن علان!! هل عندما أعترض عليه وأقول إن هذا الكلام عبث علمى لا يصمد لمناقشة طالب فى أولى طب، أُصبح بهذا الاعتراض مزدرياً ومستحقاً للحبس والغرامة! ألا يذكر واضعو القانون من البرلمانيين الأفاضل أن من أفتى برضاع الكبير من الموظفة لزميلها فى العمل أزهرى!! ليس مجرد أزهرى عادى، بل هو رئيس قسم الحديث!! هل أصيبت الدولة التى تجرّم ختان البنات الآن بأن أكبر شخص اعترض على تجريم هذه الجريمة البربرية هو شيخ الأزهر السابق الإمام جاد الحق والذى أفتى بأن من يجرّمه تعلن عليه الحرب! لو كان الشيخ جاد الحق بيننا الآن ويرأس هيئة كبار العلماء ماذا كان سيحدث عندما تُعرض مشكلة الختان أمامه؟! ماذا لو استيقظنا صباحاً ووجدنا هيئة كبار العلماء تتشكل من نماذج مثل د. سعد هلالى الذى تكرهه وتكره آراءه هذه الهيئة الموقرة ألن تكون الفتاوى لها طعم واتجاه آخر؟ ألم يكن مفترضاً فى يوم من الأيام لو ظل الإخوان أن يرأس مفتيهم عبدالرحمن البر تلك الهيئة؟! أليس محمد عمارة، وهو واحد من المدللين المقربين فى تلك الهيئة، هو الذى أصدر ملحقاً ذكر فيه أن المسيحية ديانة فاشلة؟! ماذا لو عُرضت عليه قضية ولاية المسيحى واعترض عليه مواطن مصرى فى دولة يقال عنها مدنية وأفتى بغير ذلك حفاظاً على مصلحة ووحدة هذا الوطن، هل ستسجنون هذا المواطن بتهمة ازدراء الشيخ عمارة؟!
الإخوة البرلمانيون الأجلاء، ألم تجربوا احتكار هيئة العلماء للرأى فى مصر فى قضية الطلاق الشفوى التى لم يقيموا اعتباراً فيها لمصلحة الزوجة التى تلقى فى الشارع بمجرد كلمة، واعترضوا على اقتراح رأس الدولة وتحدوه حفاظاً على قدسية العنعنات التى لا بد أن نقدم أنفسنا فداء لها ونُذبح على مذبحها المقدس فى سبيل الحفاظ عليها حتى لا يُخدش رونقها!
السؤال يا سادة ما زال معلقاً بلا إجابة، هل تريدون دولة مدنية؟ حينها من الممكن أن تكون المناقشة مجدية، أم أنكم قد ارتضيتم الدولة الدينية خيمة لتحالفاتكم فنفضها سيرة ونرتدى الجلباب الأفغانى وناكل عيش؟!!
نقلا عن الوطن