مسيحى صالح ومواطن شريف
مقالات مختارة | رامى جلال
الجمعة ١٢ مايو ٢٠١٧
من الفئات الكرتونية فى مصر، تلك المعروفة إعلامياً بـ«المواطنين الشرفاء» وهم أناس يحتشدون، أو يُحشدون، للتعبير عن الدعم المطلق للحكومة المصرية، ومجابهة أى تجمع مضاد لها.. ويبدو أن فئة كرتونية جديدة قد ظهرت واسمها «المسيحيون الصالحون».. والمسيحى الطبيعى الطيب عاش فى مصر لمئات السنين فى بوتقة مع عناصر أخرى حاولت صهره وتحويله لسبيكة جديدة، لكنه قاوم ذلك عبر التقوقع فى فقاعات مغلقة لحماية نفسه، وترتب على ذلك ردود أفعال مكافئة لأفعال متشددة تعرض لها، وهى ردود تمثل بذوراً ما كان لها أن تنبت فى أرضنا الطيبة، عند كل عناصرنا.. «المسيحى الصالح» له نمط تلقى للأمور يستحق وقفة، نكتفى بثلاثة أمثلة لضيق المساحة:
(مثال1- «الأزهر أصابنى ورب العرش نجانى»): يتحدث «المسيحى الصالح» كل ثلاث دقائق عن مؤسسة الأزهر بوصفها سبب البلاء وأصل الداء، يشكو من مناهج شيطانية. وهى مناهج تمثل فى مجملها تراثاً لا يملك أى مخلوق الحق الحصرى فى حذف واختزال وقص ولزق أى جزء منه؛ فعمر التراث أكثر من ألف عام ويؤمن به ما يزيد على مليار إنسان! والأصل أن يُطرح كل شىء فى الكتب مشفوعاً بالرد عليه، وما لا يُرد عليه كتابة فمن المفترض أن يُفنده المُعلم، وإن لم يفعل فهنا مشكلة، لذلك فالأزمة فى «المنهجية» وليست فى «المناهج»؛ المطلوب ليس حذف المناهج ولكن إيجاد منهجية تقدم تفاسير عصرية، وتدرس كل شىء فى سياقه التاريخى، وتفصل بين دين الإسلام وتاريخ الإسلام.
وكذلك فيما يخص فكرة تكفير الأزهر لداعش، فلو أعطينا سلطة التكفير لأى جهة، سينفتح هذا المجال لجهات أخرى لإصدار فتاوى للتكفير وصكوك للغفران (ومع ذلك من المهم الإعلان صراحة، وبشكل قاطع، عن موقف أزهرى مؤسسى ما مضاد لما تمارسه داعش وأخواتها).
الأزهر لديه مشاكله ويحتاج إلى قدر من الإصلاح وبعض الهيكلة، ومع ذلك فالـ«هيصة» والدعوة لهدمه وتحويله لأنقاض لا تراعى أنه حجر زاوية عمره ألف عام يرفضه الآن بعض البنائين، ولكنهم سيخسرون كثيراً إذا غاب عنهم.
(مثال2- «ينصر دينك يا أستاذ خليفة»): معظم من يقدمون أنفسهم كباحثين إسلاميين مجتهدين، يمكن بثقة كبيرة وندم قليل أن تصف أسلوبهم بالسيئ والمنفر وغير المُجدى، هم يحصلون على شهرة ولا يفيدون أحداً فى الواقع.. وتبعاً لمنطق الأشياء، وبطبيعة الأحوال فإن ما يقوله أى باحث ليس صحيحاً كله بالضرورة، ولكن بالنسبة لـ«المسيحى الصالح» فإن هذا الباحث نبى لا يأتيه الباطل من أى مكان، بغض النظر عما يقوله، فـ«المسيحى الصالح»، لا تعنيه صحة أو خطأ ما يُقال، لكنه فقط سعيد بمن يهاجم النسق الدينى المخالف.. «المسيحى الصالح» سيدافع حتى الموت عن حرية أى باحث فى الهجوم على أى دين مخالف، لكنه لن يقبل كلمة تشكيك فى حرف يخصه! (لاحظ للإنصاف: أنه يرى الآخر يدعو لقتله.. ومع ذلك فهذا لا يبرر التناول السطحى للأمور).
(مثال3- «أنا وابن عمى على الغريب»): بشكل عام، لا يتضامن المسيحيون إلا مع الضحايا المسيحيين (سيدة الكرم.. مجدى مكين.. مريم ملاك.. نزوح أقباط العريش... إلخ)، وكلها قضايا مهمة وخطيرة تستوجب التضامن منا جميعاً، لكن يقابلها عشرات الحوادث لآخرين لا يهتم بها معظم المسيحيين طالما أن النار لم تطلهم، وهو سلوك غير نبيل بكل تأكيد.
«مسيحى» من المفترض ألا تعنى «طائفى»، لكن طائفة من المسيحيين قررت أن تُجارى الموضة السوداء للعصر.. الأسود لا يليق بكم!
نقلا عن الوطن