الأقباط متحدون - الاعتداء على عقائد الآخرين
  • ١٠:٠٨
  • الاثنين , ١٥ مايو ٢٠١٧
English version

الاعتداء على عقائد الآخرين

مقالات مختارة | حلمى النمنم

٢٧: ٠٨ ص +02:00 EET

الاثنين ١٥ مايو ٢٠١٧

حلمى النمنم
حلمى النمنم

لا يتم التعامل مع العقائد، الدينية تحديداً، بقاعدة الصواب والخطأ، ولا بتطابقها التام مع قواعد المنطق العقلى الذى يمكن أن نتعامل به فى قضايا أخرى اجتماعية أو سياسية مثلاً، التعامل مع العقائد الدينية يكون بقاعدة الإيمان المطلق والتصديق التام، لذا كان علماء الكلام فى قرون الإسلام الأولى يخاطبون جمهورهم، بمقولة «عليك أن تؤمن أولاً وأن تتعقل ثانياً»، أما العقائد الدينية الأخرى أو المخالفة فيكون التعامل معها بالاحترام والتقدير، مع محاولة الفهم، إن أمكن، ذلك أن كل دين له بعد روحى، لا يمكن أن يدركه ويستوعبه -استيعاباً تاماً- إلا من آمن به.

مصداق ذلك، قصة سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل وهو طفل، ولو أننا وجدنا اليوم أباً يهم بذبح ابنه لاتهمناه وحاكمناه، لكن إبراهيم همًّ بذبح ابنه إسماعيل، وفقاً لأمر إلهى أتاه، ولم يكن أمامه سوى الطاعة، وافتدى الله سبحانه وتعالى إسماعيل «بذبح عظيم»، هنا نحن أمام طاعة الإيمان ومعنى «الفداء»، أراد الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا كبشر إياه، ومن مختلف الديانات يتقبل الناس الواقعة ويتعلمون منها، حتى الذين لا يؤمنون بالدين، أى دين، يتعاملون معها باحترام وثقة.

وعلى هذا جرت القواعد والأعراف ثم القوانين المكتوبة، بأنه لا يجوز الخوض فى عقائد الآخرين، خاصة إذا تم ذلك بروح انتقادية أو عدائية وانتقامية، فضلاً عن عدم التفهم، هنا يصبح الأمر اعتداءً صريحاً ومباشراً على تلك العقائد، ومساساً بمشاعر من يعتنقونها، مثلاً يمكن لطبيب تغذية أن ينصح المواطنين بعدم الامتناع لفترات طويلة عن الطعام والشراب، والأفضل أن يتناول الإنسان الطعام، حتى خمس أو ست مرات فى اليوم، شريطة أن لا يجوع تماماً ولا يشبع ويتخم معدته سريعاً، أو يأكل بنهم، لكن لو أن هذا الطبيب ألقى نصيحته تلك على مجتمع من المسلمين فى شهر رمضان، لاعتبر حديثه مساساً بمشاعرهم واعتداء على ركن من أركان الإسلام.. فالمسلم يمتنع عن الطعام والشراب لمدة 14 ساعة يومياً فى رمضان، امتثالاً للأمر الإلهى، بفرض صيام رمضان من أذان الفجر وحتى أذان المغرب.

ويتعمد البعض أو يستسهلون الخوض فى عقائد الآخرين والإساءة إليهم بزعم أنهم يمارسون عملاً علمياً وبحثياً أو أنهم يفسرون ويتفقهون، والحق أنه لا يمكن لنا أن نأخذ بتلك المزاعم، العمل العلمى له شروطه وأدواته ومناهجه، فضلاً عن التخصص العلمى، وهناك علم كامل اسمه «مقارنة الأديان»، يدرس الأديان وخصائصها، وأوجه التشابه والتأثر والتأثير المتبادل بينها، دون أن يقع اعتداء على أى عقيدة، أو انتهاك ومساس بها، غير أن هناك من يزعم أنه بصدد تقديم دراسة علمية أو القيام بالشرح والتفسير، ومن خلال هذه المظلة ينتهك عقائد الآخرين، بجهالة أو سوء قصد، فعل ذلك بعض المستشرقين مع الدين الإسلامى، ومع القرآن الكريم تحديداً، وما زال البعض منهم يفعله وهو يدرس السيرة النبوية وحياة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) بدعوى اتباع المدرسة العلمية، ويفعله بعضنا مع الدين المسيحى، فى كثير من الحالات، دون حتى أن يكلف أحدهم نفسه الرجوع إلى مصدر أصلى فى العقيدة أو الديانة التى يعتدون عليها، والغريب أن بعضهم حين يضبط متلبساً باعتدائه يبادر إلى الاعتذار، ليس عما قاله أو كتبه، بل على أن ما قاله أساء إلى مشاعر أتباع العقيدة التى اعتدى عليها، أى إن الاعتذار لا يكون عن الاعتداء ذاته، بل يصر عليه، ويتمسك به، هو يعتذر فقط عن أن قوله أساء للمشاعر، وهنا يصبح الاعتذار أقبح من الذنب نفسه، والحق أنه ليس ذنباً، بل بات يمثل جرماً.

والحق أن بعض من يدعون القيام بدراسة علمية أو التفسير، بحاجة إلى إعداد علمى جيد ورصين، وخبرة واسعة، ذلك أن حجم التداخل والتشابك بين الأديان السماوية الثلاثة كبير، ومن ثم فإن الخوض فى أى منها يحتاج فهماً عميقاً وحساسية بالغة، ومن أسف أننا نعانى حالة من الخلط، ما بين الواعظ والعالم أو الفقيه، الواعظ دوره أن يشرح للناس أسس دينهم، لا أن يخوض فى قضايا وأمور لم يتم إعداده علمياً لها، فضلاً عن الجمهور الذى يستقبل الحديث، كان الإمام أبوحامد الغزالى «حجة الإسلام» يعتبر علم الكلام أو علم التوحيد وإن شئنا علم العقيدة هو «المضنون به على غير أهله»، أى لا يلقى الكلام على عواهنه، لا إلى جمهور غير متخصص، ولا يصدر عن غير المؤهل لذلك.

ومضى الزمان الذى كان يتم فيه التنابذ بين أتباع الديانات والعقائد، وإجراء المناظرات بين هذا وذاك من ديانتين مختلفتين، كان الهدف من تلك المناظرات محاولة إثبات أفضلية لكل دين، على الدين الآخر، بهدف اكتساب أتباع جدد إليها، أو بزيادة يقين أتباع كل دين بدينهم وعقيدتهم، أو لتسلية بعض الحكام وتشجيع فضولهم، وقد أدى ذلك إلى كثير من المشاكل والأزمات الاجتماعية والسياسية، حيث تحول المجتمع إلى مجموعة من الطوائف والملل والنحل المتباينة، انتهت تلك الحقبة التاريخية بالحروب الصليبية التى استمرت أكثر من قرن، وكانت نتائجها مأساوية، تلك مرحلة تاريخية طويت، وينبغى لها أن تظل مطوية، إذ إن الإنسانية تجاوزت تلك المرحلة، وبدأ بعدها مباشرة ما بات يعرف فى أوروبا باسم «عصر النهضة»، الذى انتهى إلى «الدولة الحديثة، المدنية، الوطنية»، ونعيش مرحلة تقوم على التعايش التام بين أتباع الديانات المختلفة، حتى لو كانت ديانات سماوية مع أخرى وضعية، الهند نموذج دالّ، حيث يوجد بها المسلم والمسيحى، بمختلف مذاهبهما، مع عدد من الديانات الوضعية، كلهم فى دولة واحدة، بمؤسساتها وقوانينها.

مصر أيضاً من المجتمعات التى عرفت هذا النوع من التعايش والوئام، لذا لن ينجح دعاة الفتنة فى أن يعيدوا عقارب الزمان إلى الوراء.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع