الأقباط متحدون - عودوا إلى دور عبادتكم
  • ٠٩:١٨
  • الاثنين , ١٥ مايو ٢٠١٧
English version

عودوا إلى دور عبادتكم

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٥٥: ٠٨ ص +02:00 EET

الاثنين ١٥ مايو ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

تبذل بلادنا جهوداً ضخمة من أجل التغلب على المشكلات والصعوبات التى تواجهها من أمنية واقتصادية واجتماعية وأيضاً ثقافية، تبذل جهوداً هائلة لتوحيد الصف وتحقيق التوافق الوطنى، والدفع باتجاه التماسك الداخلى، تدعو الهيئات والجهات والمؤسسات المختلفة إلى لعب دور فاعل فى هذه المسيرة التى يراد منها نقل بلادنا خطوات باتجاه دولة مدنية ديمقراطية حديثة قائمة على المواطنة، العدل وحكم القانون. ودولة من هذا النوع لا بد أن تفصل تماماً ما بين الدين والسياسة، لا يلعب رجال الدين أى دور سياسى فيها، ولا يوظف السياسى الدينَ فى خدمة أهدافه السياسية وبرامجه، لا يحدث التحالف بين رجال الدين ورجال السياسة، فتكون الضحية الدولة المدنية، والمواطن، والدين نفسه الذى يشوه فى عيون العامة بعد أن يصبح مطيّة لرجال السياسة، بعد أن يقوم رجل الدين بتوظيفه لصالح رجل السياسة بالحق والباطل، فيشوه الدين فى عيون العامة والبسطاء. من تحالف القيصر مع رأس الكنيسة فى روسيا القيصرية، جاءت مقولة «الدين أفيون الشعوب» بسبب دور القيصر فى استخدام الخطاب الدينى لامتصاص غضب المواطنين ومنعهم من الثورة على ظلم القيصر، فكانت مقدمة لانتشار الإلحاد ونجاح الثورة البلشفية عام ١٩١٧، وتبنى الفكر الماركسى الإلحادى.

لم تحقق أى دولة فى العالم أى خطوة إلى الأمام إلا بعد الفصل بين الدين والسياسة، لم تخرج أوروبا من عصور الظلام إلا بعد أن فصلت بين الدين والسياسة، عاد رجال الدين إلى ممارسة دورهم الروحى داخل الكنائس، وتركوا السياسة للسياسيين، وعندما ركزت الكنيسة على دورها الروحى باتت أكثر قوة وتحررت من الاعتبارات السياسية.

أما الدول التى تخلط بين الدين والسياسة ويجرى فيها توظيف الدين فى خدمة السياسة، فقد أنتجت نظم حكم سلطوية، وتحول الطين فيها لمظهر لا جوهر، فيتحدثون كثيراً عن دين وما هم بمتدينين، يكون هناك استغراق فى الطقوس والشكليات، أما القلوب فمنصرفة بعيداً عن الله، تسود العبادة بالألسنة والشفاه دون أن تمس القلوب، يصبح المجتمع مزيفاً يخشى بعضه بعضاً، ولا يخشى الله، وسرعان ما تسود مفاهيم الفهلوة والنصب، فيحدث المزيد من التدهور العام، ويصبح رجال الدين جزءاً عضوياً من النخبة الحاكمة، ويعيشون حياة الملوك والأباطرة ويترك الشعب يندفع إلى القاع.

لم تحقق أى دولة خلطت بين الدين والسياسة أى خطوة على طريق التقدم والتطور، ولم تبنِ نظاماً ديمقراطياً ولا دولة مواطنة ولا حكم فيها العقد الاجتماعى، فالقول بأن السيادة لله، والإله هو مصدر السلطات صب فى النهاية فى صالح جماعة من رجال الدين يمثلون الله على الأرض، ويتحكمون فى الإنسان ومصيره.

لسنا فى حاجة إلى رأى رجال الدين فى القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية، لسنا فى حاجة إلى آرائهم فى الأديان والمعتقدات والعقائد الأخرى، لسنا فى حاجة لإطلالاتهم من خلال وسائل الإعلام يهاجم بعضهم بعضاً، ويكيلون الاتهامات المتبادلة فى قضايا دينية وفقهية ولاهوتية، مكانها مراكز الفكر والبحث، لسنا فى حاجة إلى حوارات فى العقائد والمعتقدات، نحن فى حاجة فقط إلى الفصل التام بين الدين والسياسة، وأن يعود رجل الدين إلى دار عبادته يعلم مكارم الأخلاق ويحض المواطنين على العمل وبذل الجهد والعرق، يحارب الفكر المتشدد والمنحرف، يوفر الأساس الفكرى والأخلاقى لإتقان العمل والرحمة بالضعفاء والفقراء والمظلومين، نحن فى حاجة إلى نشر قيم المودة والرحمة وحل مشكلات البشر على الأرض، أما حكاية مَن سيدخل السماء ومَن سيتمتع بالجنة، فاتركوها لله الخالق الواحد الأحد، خالق الكون بكل ما فيه وعليه... عودوا إلى دور عبادتكم، واتركوا الثواب والعقاب للخالق العظيم يوم الحساب.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع