الأقباط متحدون - هؤلاء وأولئك.. أكثرُ منّا إيمانًا!
  • ١٥:٥٤
  • الاثنين , ١٥ مايو ٢٠١٧
English version

هؤلاء وأولئك.. أكثرُ منّا إيمانًا!

مقالات مختارة | فاطمة ناعوت

٥٣: ١٠ ص +02:00 EET

الاثنين ١٥ مايو ٢٠١٧

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

عزيزى القارئ، إن كنتَ تظنُّ أن قشرةَ البندق أهمُّ من ثمرتها التى فى قلبِها. فلا تقرأ هذا المقال، فهو ليس لك، بل هو لمن يؤمنُ، مثلى، أن الثمرةَ المعطوبة لا قيمة لها، وإن كانت قشرتُها برّاقةً زاهيةً تسُرُّ الناظرين. هذا المقال لمن يعتقد أن الجوهرَ أولى من المظهر، وأن المضمونَ أهمُّ من الشكل. الكأسُ: مظهرٌ، شكلٌ، وعاء. أما السائلُ داخل الكأس، فهو الجوهرُ، وهو المضمون، وهو الفكرة. ولولا السائل، ما كانت الكأسُ. وإن غاب السائلُ، ما الحاجة إلى كأس؟ هل يروقُ لك كأسٌ من البلّور الثمين يحمل فى قلبِه رشفةَ سُمٍّ زعاف؟! هل تمدُّ له يدك لترتشفه لحُسن الكأس وبريقه، أم تكسره وتلتقط كوبًا بسيطًا يسكنه الشهدُ الشهىّ والإكسير الطيب؟.

عزيزى القارئ الكريم، إن كنتَ تعتبر أن الدينَ، أيَّ دين، هو مجموعةٌ من «الطقوسٌ» والعادات والأفعال والحركات الجسدية، وفقط، مثل كثيرين ممن لا يتجاوز تدينُهم ممارساتٍ وطقوسًا يؤدّونها فى أوقات معلومة، «ولمّا يدخل الإيمانُ قلوبهم»؛ فإنما أنت مَن اعتبر أن قشرة البندق أهمُّ من الثمرة. فالإيمان بالله هو الثمرةُ وهو الإكسيرُ وهو الجوهر، بينما الطقوسُ هى القشرةُ وهى الكأسُ وهى المظهر. وهذا المقال لمن يدركون أن الإيمان هو الغاية، والتدين هو الوسيلة. فإن كنت من عبّاد الوسيلة وتاركى الغاية، فرجاءً لا تُكملْ المقال، فأنت أولى بالدقائق التى ستنفقها فى قراءتِه. اغتنمها فى شىء أفيد. ثم تأمل ما قاله فيك مولانا «جلال الدين الرومي»: «اذْهَبْ، واسْعَ وراء المعنى، يا عابد الصورة». أما إن كنت تعتقد، مثلى، أن الدينَ، كلَّ دينٍ وأيَّ دينٍ، هو جوهرٌ ورسالةٌ وبِنيةٌ أخلاقية وروحية وسلوكية وتربوية، فهذا المقالُ لك، وأهلا بك على صفحته.

ثمة رجلٌ من أبناء عقيدتى يذهب لصلاة الجمعة، فقط، حتى لا «يأكل أبناء الحتة وشّه»، ولا يصلّى الصلوات الخمس، لأن أحدًا لا يراه. هذا الرجل بالملايين. وثمة رجلٌ يصليّ الفروض والسنن، ويصوم، ويُزكّى، ويحج، لكنه لا يجد غضاضة فى أن يجمع بين كلّ ما سبق من «عبادات» و«مظاهر» تدين، وبين أن يمارس كل ألوان الفساد فى عمله من رشوة، يرشو أو يرتشى، ومن محسوبية، ومن مداهنة لرئيس، وظلم لمرؤوس، ومن تعيين معدومى الكفاءة من ذوى القربى والنسب، وحرمان الكفء الغريب، والتكاسل عن خدمة المواطنين، بدعوى صلاة الظهر، فى مواعيد العمل. ثم يخرج من عمله، فلا مانع أن يتحرش بفتاة فى الطريق، فهى مستباحةٌ مادامت خارج بيتها، (لماذا لم تقرّ فى بيتها؟). ولا مانع أن يُلقى بعلبة السجائر الفارغة فى الطريق، فالجميع يفعل «اشمعنى أنا وهى جات عليا؟!». وإن مرّت به فتاةٌ تضع صليبًا، أو راهبةٌ بتول، لا مانع من أن يفزعها صارخًا: «أعوذ بالله»، كأنما صادف شيطانًا رجيمًا. فإن عاد إلى بيته توضأ وصلّى العصر، ثم تفرّغ لزوجته يُقرّعها لأن الملح زاد فى الطعام، ولا بأس من كلمة جارحة أو نظرة مزدرية. بعدها يجلس للتليفزيون سعيدًا، وبعدما يصلى العشاء، ينام قرير العين، وهو موقن من رضا الله ضامنٌ جنّة الخلد لأنه أدى «ما عليه» لله، ومن ثم فعلى الله أن يمنحه ما وعد.

برّر الشيخ «سالم عبدالجليل» موقفه الأخير قائلا: (المسيحيون «كفّارٌ» بالنسبة لى، وأنا «كافرٌ» بالنسبة لهم.) فعلامَ الاستنكار؟».

تلك هى اللعبة اللغوية التى يحاول بها سالم وغيره تخريج كلمة «كافر». فكل طرف كافرٌ بما يؤمن به الطرفُ الآخر. صحيح كتخريج «لغوى». ولكن ثمة تخريج «اصطلاحى» و«عملى» للكلمة، يتغافلها سالم وشركاه؟! وهنا تختلُّ المعادلة لصالح المسيحيين، للأسف، فيكسبون ونخسر، ويكونون أكثرُ منّا إيمانًا.

فالمسيحيُّ حين يظهر على شاشات فضائياتنا، لا يرمينا بالكفر فيوغرُ صدور أطفالهم ضدّنا. بينما نحن نفعل. المسيحيّ لا يفجّر مساجدنا بدعوى أنها ديار كفر. بينما نحن نفعل. المسيحيُّ لا يستحلُّ دماءنا، فيقتل مسلمينا وهم صائمون يصلّون ساجدين لربنا وربّهم وهو يقول: «الله أكبر». بينما دواعشنا يفعلون. المسيحيون لا يضعون فى مناهج التعليم ما يشحن قلوب الأطفال، منذ بُرعميتهم، بأن الطفل المسلم الجالس إلى جواره فى الفصل لا يتساوى معه فى حقوق المواطنة وحقوق الإنسانية، التى سبقت حقوق الأديان. بينما نحن من نفعل. المسيحيُّ لا يقول أنا مصريٌّ أصيل، أحمل الهوية «القبطية» قبل دخول الإسلامِ مصرَ بستة قرون وأكثر (وهذا حق)، وبالتالى لى حق الترقّى للوظائف العليا، مادمنا دولة مدنية (وتلك حقوقه). المسيحىُّ يقابل إساءاتنا المتكررة له بالغفران والمباركة والمحبة، ويشكرُ المجرم الذى يقتل ابنه أو ابنته قائلا: «باركك اللهُ فأنت أوصلتهم للسماء مبكرًا». نحن، المسلمين، نردد ليل نهار باللسان فقط: «طلكم دينكم ولى دين»، لكن المسيحيين لا يقولونها بألسنهم، بل يطبّقون الآية القرآنية عملًا وفعلًا وسلوكًا، مثلما يطبّقون الحديث الشريف: «المسلمُ من سلِم الإنسانُ من لسانه ويده»، وبهذا فإن هؤلاء «أكثرُ منّا إسلامًا».

وحين نجح الماليزيون مع مهاتير محمد، فى تحويل ماليزيا من دولة متخلفة إلى دولة حضارية، بأن سخّروا جل ميزانية الدولة لصالح التعليم والبحث العلمى، وضاعفوا دخل الفرد، وضاعفوا الاحتياط النقدى، ورفعوا حجم الصادرات بمئات المليارات من الدولار، كانوا أكثر منّا إيمانًا وأكثر طاعة لله، وأكثر تمسكًا بجوهر الثمرة، وإكسير الكأس. أما نحن، فنمارس الطقس، وننسى جوهر الإيمان بالله، الذى هو الهدف الأسمى من ممارسة الطقوس. اللهم أبرأ إليك أن أكون عابدة للصورة.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع