سعيد السني
الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، قفز مباشرة إلى «شهادة الثانوية العامة»، الساكنة على قمة الهرم التعليمي قبل الجامعي، ليقلب نظامها رأسا على عقب، متجاهلاً كل البلايا، المُمسِكة بتلابيب كافة عناصر «العملية التعليمة» المتدهورة والمنهارة.. كان على الوزير، مُستعيناً بأهل الخبرة التربوية والتعليمية، الشروع في عمليات إصلاح تعليمي شاملة وجذرية مدروسة، تبدأ بقاعدة الهرم التعليمي، أي مرحلة التعليم الأساسي (ابتدائي + إعدادي)، لتجديد وتجويد العناصر الفاعلة والمؤثرة بجودة التعليم، بداية بـ«المناهج»، شاملةً المحتوى الدراسي، والأنشطة وطرق للتدريس، والوسائل التعليمية، ومروراً بـ«المعلم» لزيادة مهاراته وراتبه، وانتهاءً بـ«البيئة المدرسية» من فصول للدراسة، ومساحات لممارسة الأنشطة، وإرادة قوية تُعيد إحياء حصص الموسيقى، والتربية الرياضية والمكتبية والإذاعية والمسابقات بأنواعها، وغيرها، بما من شأنه جعل التعليم «تجربة ممتعة»، فعلاً على الأرض، وليس مجرد كلمات براقة يرددها الدكتور شوقي، دون سند واقعي مدرسي.
عودة للثانوية العامة.. فـ«الوزير الدكتور شوقي»، أخذ على عاتقه تنفيذ مشروع بشأنها، سبق رفضه شعبيَّا وبرلمانيَّا، عندما طرحه الدكتور يسري الجمل، وزير التعليم الاسبق، عام 2008م.. فقد زَفّ إلينا سيادته، بُشرى استدعاء هذا «المشروع القديم» من الأدراج، وتنفيضَ التُراب عنه، وتلميعه، مُقرراً إلغاء مكتب تنسيق القبول بالجامعات، وتغيير نظام الثانوية العامة جذرياً، بتحويل «الشهادة» إلى ثلاث سنوات، بدلا مما هو سار حالياً (سنة واحدة)، واحتساب مجموع الطالب تراكمياً، ليكون متوسط درجاته على مدار السنوات الثلاث، مع تخصيص نسبة من الدرجات لـ«الأنشطة الطلابية والسلوك»، ويكون الالتحاق بالجامعات بناء على اختبارات للقدرات.
قرار الوزير، عليه العديد من المآخذ والملاحظات.. أولها أنه يضرب مبدأ تكافؤ فُرص التعليم الجامعي، في مقتل.. فـ«المكتب» منذ نشأته عام 1961م، يتولى توزيع الطلاب على الكليات حسب ترتيب درجاتهم، مُلبياً لكل طالب رغبته، مادام قد حصل على «مجموع الدرجات» المُقرر للقبول بالكلية المرغوبة، دون «تمييز»، وبغير اعتبار للنسب أو الفقر والثراء.. بعبارة أخرى فإن مكتب التنسيق، هو تطبيق حرفي وأمين، لفكرة «العدالة معصوبة العينين»، فهو لا يرى غير «المجموع»، ويتخذه معياراً وحيداً، للقبول بالجامعة، وهو بلا شك معيار عادل وصلب، غير قابل للتلاعب والتطويع، بأيدي الفاسدين الذين ازدحمت بهم حياتنا.. ثانية المآخذ، بشأن «اختبارات القدرات» للقبول بالجامعة، فهي تفتح باب الشيطان واسعاً للوساطة والمحسوبية والفساد، وتغلق أبواب الجامعات بوجه «الفقراء»، الذين باتوا هم الأغلبية في ظل التناقص المتسارع والكبير، لحجم الطبقة الوسطى، بفعل سياسات الإفقار الجماعي المُتبعة.. لنا أن نتساءل، هل تتوفر بـ«الجامعات» الحواسب الآلية، والإمكانات المادية والمهارات الفنية، اللازمة لإجراء هذه الاختبارات سيئة السمعة، بـ«كفاءة ونزاهة وشفافية وعدالة»، ولنضع تحت هذه الكلمات الأربع الأخيرة ألف خط وخط؟!، سيما أن جامعاتنا، مطرودة منذ سنوات طويلة، من قائمة أفضل مائة جامعة، ولدينا جامعة واحدة (القاهرة) حائزة على المركز رقم 410 ضمن افضل 500 جامعة.. ثم، هل تكفي تعهدات الوزير شوقي، بأن «كل شىء معمول حسابه كويس»، في معرض دفاعه عن هذه الاختبارات ونفيه أن تكون باباً للوساطة.. معمول حسابه إزاي يعني؟!، وبأمارة إيه؟!!.. أما ثالثتها، فهي أن الوزير لم ينشغل بآراء الطلاب وأولياء الأمور، وخبراء التربية، والعاملين بالميدان التعليمي، من معلمين ومدراء مدارس، وغيرهم.. فلم يبد سيادته اهتماماً، ولو شكلياً، بتلمس وتحر، مدى التوافق المجتمعي حول هذا الانقلاب الخطير على آلية مكتب التنسيق، الحائزة على قبول عام.. هذا التجاهل من الوزير، للمجتمع كلياً، يتناقض مع ما هو معمول به في «الهيئات الأممية والدول الغربية» التي عمل بها، جنابه، فهي ديمقراطية، تهتم جداً برأي المواطن عموماً، وتُقيم وزناً هائلاً لرأي أولياء الأمور، والمعنيين بالعملية التعليمية، كما أن «إدارة شؤون التعليم» لديهم ديمقراطية أيضاً، بكافة مستوياتها، من الوزير وحتى التلميذ والمعلم داخل الفصل (هذا أمرُ شرحه يطول، ولا يتسع له المقام هنا).. كما أن الرضا المجتمعي مهم لنجاح أي جهود لتطوير «التعليم»، كونه غير منفصل عن المجتمع وتفاعلاته وظروفه وتوجهاته.. رابعة الملاحظات، أن درجات للسلوك والنشاط، ستكون أداة تحكُم في الطلاب، بأيادي نسبة غير يسيرة من المعلمين، إضافة إلى «التراكمية»، التي ينتج عنها زيادة الاعتماد على الدروس الخصوصية، لتشمل السنوات الثلاث، إرهاقاً مالياً لأولياء الأمور، هم في غنى عنه أصلاً.
بقي أن تمديد صلاحية «الشهادة الثانوية» إلى خمس سنوات، والإحباطات المتوقعة من اختبارات القدرات، تدفع بخريجي الثانوية العامة إلى سوق العمل دون امتلاك أي مهارات أو مؤهلات، بما يزيد البطالة، وعوامل القهر الاجتماعي.
نسأل الله السلامة لمصر.